السيد رئيس الحكومة يشن الحرب مرة أخرى على حلفائه في الأغلبية – التجمع الوطني للأحرار – من خلال البيان الذي يرد فيه على المراسلات المتبادلة بين وزير المالية محمد بوسعيد ، و فريقي الاتحاد الاشتراكي و الأصالة و المعاصرة بمجلس المستشارين في شأن ملف الأساتذة المتدربين . نعلم أن العلاقة بين حزبي الحمامة و المصباح ليست على ما يرام ، منذ خرجات مزوار ، و خروجه عن طوع قائد الأغلبية رئيس الحكومة – شكلا - . لكن العنصر المضاف إلى معادلة الصراع بين أحزاب الأغلبية هو ملف الأساتذة الذي بلغ دروة أزمته بعد اقتراب الموسم الدراسي من نهايته ، و المراكز الجهوية لمهن التدريس قد تختتم الموسم بسنة بيضاء ، و ستكون السنة الدراسية المقبلة سوداء بالمؤكد ، بحكم الخصاص المنتظر في الأطر التربوية ، حتى وإن كانت بعض التسريبات تقول بمراهنة الحكومة على التعاقد من أجل توفير الأساتذة . لكن يبقى هذا العنصر إضافة أخرى لحروب الأغلبية ، كما يؤكد أن الحكومة صارت حكومات ، وأن الخيط الناظم ضاع ...
السيد رئيس الحكومة كان سعيدا – ربما - بفرصة المراسلات بين وزيره في المالية و الفرق بمجلس المستشارين ، ليسجل نقطتين في مرمى الطرفين ، حزب التجمع ، و تنسيقية الأساتذة المتدربين و من يساندهم ، وبذلك يكون رئيس الحكومة قد حقق رغبة العناد التي تقوده كي يتصدى لكل محاولات حل مشكل الأساتذة المتدربين ، وأيضا كي يضيف المزيد من الحشو الدرامي للهوامش المؤسسة لتقاطعات الأزمة مع أحزاب الأغلبية ، و خصوصا مع حزب التجمع الوطني للأحرار الذي بدأ يراهن على تحالف آخر قبيل و بعد الاستحقاقات التشريعية المقبلة .
فإذا كان بالفعل ، ومن الأساس ، اعتبار السيناريو الذي ينفذه ويلعب ضمن ممثليه رئيس الحكومة يفتقد لرؤية إستراتيجية واضحة من أجل تدبير المحطة السياسية التي ورطه فيها سياق التحولات الخارجية فيما سمي بالربيع العربي ، و التي أدت إلى فبركة حكومته الضعيفة أصلا ، إضافة إلى فشلها في تدبير العديد من الملفات الملحة ، فإن افتعال الصراع مع مكونات هجينة مشاركة في الحكومة ، و التعنت في إيجاد حل لمشكل التعليم و الأساتذة المتدربين ،و ما سينتج عنه من تراجعات ستعقد واقع القطاع الذي بلغ سدرة أزمته ، يمكن اعتبار الأمر كله ، وفي شمولية نتائجه ، مغامرة حقيقية بمستقبل البلاد . فسياسيا لا يمكن فهم الصراع الذي يؤسس له بنكيران مع أغلبيته و معارضيه إلا في إطار المغامرة بكل إمكانيات التحالف مستقبلا ، اللهم إذا اعتبرنا أن التحالفات السياسية بالمغرب مصابة بالحول المرجعي منذ بدايتها . وأن الأمر يبقى غير قابل لمنطق الموقف و السياسة و التوجهات . مما قد يعني أننا في المغرب ، لم نؤسس بعد لمنهجية ديمقراطية ، و أن اللعبة و الرقعة السياسية مرهونة بتكليفات و بريكولاج السياق و اللحظة . وحتى موازين القوى المحددة لشروط اللعبة قد تفقد تأثيرها و مشروعيتها إذا استمرت الحكومة الحالية في تدبير أمورها بمنطق رد الفعل و ذاتية الموقف و انتهازية السياق .
كما يبقى موقف الأحزاب المؤثثة للمشهد السياسي ، معارضة و أغلبية ، موقف غير قابل للتفعيل و التأثير، وحتى للطرح النظري ، في كل ما وقع و ما قد يقع ، أولا لتشتت أحزاب و مكونات اليسار و ضعف أدائها ، وثانيا لهلامية و تبعية الأحزاب الإدارية الأخرى ، و التي تعتبر كومبارصات فاعلة في تأثيث و تشكيل الخريطة السياسية بالمغرب منذ الستينيات .