خمسة مفاتيح لفهم مخطط الأصوليين لتفتيت «إمارة المؤمنين»

خمسة مفاتيح لفهم مخطط الأصوليين لتفتيت «إمارة المؤمنين»

كل عناصرالمناعة المغربية وضعت تحت مجهر المتطرفين والغلاة في الحركة الأصولية لتفتيت الأمة المغربية.

1 - لنبدأ بالرمز، وهي مؤسسة إمارة المؤمنين، حيث بدأ الأصوليون يقرأون تاريخ المغرب قراءة ماكرة في أفق نزع الخصوصية عن المغرب وجعله مجرد «دويلة» أو «إقليم» تابع لشيوخ الشرق.
التمرين على القراءة الآثمة انطلق من تطوان، وتحديدا من مسجد منطقة الزيتونة (بضواحي تطوان) حيث استغل الخطيب فؤاد الدكداكي منبر الجمعة في فبراير 2016 ليصب اللعنة على المهدي بن تومرت وهو أحد علماء المغرب وأحد أشهر الشخصيات السياسية في تاريخ البلاد بحكم أنه مؤسس للدولة الموحدية صاحب الفضل في إدخال العقيدة الأشعرية للمغرب.
فابن تومرت الذي بني مغربا قويا مستقلا عن الشرف، هو مجرد دجال في نظر فقيه تطوان لأنه ارتكب «السيئة الجارية»، ألا وهي إدخال العقيدة الأشعرية التي «مازلنا نعاني منها».
لماذا الهجوم على الأشعرية من طرف السلفين المتشددين؟
الجواب واضح، لأن العقيدة الأشعرية (وهي الركن الثالث للجينات التدينية للمغاربة مع المذهب الملكي والتصوف الجنيدي) تعتمد على العقل وتعتمد التأويل المتنور للنصوص عكس السلفيين المتشددين الذين لا يؤمنون إلا بالتحجر وبالانغلاق والإعتماد على ظاهر النصوص دون استحضار السياق والمقاصد.
ليس هذا وحسب، بل وقال الفقيه الدكداكي إن ابن تومرت «قضى على سلفية ابن تاشفين»، وكأننا بالأصوليين يحاولون إعطاء مشروعية لسلفيتهم عبر هذه القراءة الماكرة بإسقاط السلفية عن بعض السلاطين الذين تعاقبوا على المغرب (يوسف بن تاشفين سيدي محمد بن عبد الله ومولاي سليمان).
وهنا الخطورة، لأن منبر المسجد تحول إلى منصة لقصف العلماء من جهة وتحول إلى منصة لنسف العقيدة الأشعرية، وهي باتت من ثوابت الدولة المذهبية من جهة ثانية، ثم إن المنبر المسجدي تحول إلى منصة لضرب التدين المغربي بالنظر إلى أن الموحدين هم الذين تحققت في عهدهم استقلالية المغرب «دينيا» عن المشرق وأسسوا إمارة المؤمنين بعد أن كانت إمارة المسلمين. واليوم يضربون كل هذا البنيان ليؤكدوا تبعية المغرب للمشرق!! ومن يدري فقد نسمع هذا الخطيب أوذاك بمبايعة «سيدنا» أبوبكر البغدادي في العراق والشام.

2 - ضرب الأمازيغية واحتقارها: علما أن الأمازيغ هم من احتضن الشرفاء من أهل البيت.إذ أن الأمازيغ وضعوا ثقتهم في الأشراف لتعلقهم بالرسول الكريم، ولكونهم كانوا يتوجسون آنذاك من العرب القادمين من الشرق. فاحتضن الأمازيغ الأشراف في الجبال وتصاهروا معهم وأعطوهم المكانة التي تناسبهم فتقوت المؤسسة الملكية بالمغرب عبر التاريخ. وبالتالي فاستهداف الأمازيغ اليوم من طرف الأصوليين هو استهداف لهذه اللحمة.

3 - الأفق الديمقراطي والحقوقي: لم يسلم هذا الأفق هو الآخر من التحرش على يد الأصوليين، علما أن المغاربة قدموا  تضحيات كبيرة لتقعيد المكاسب المحققة ومازالوا يناضلون لاستكمال البناء الديمقراطي، وهذا الأفق هو الذي أعطى للمغرب في السنوات الأخيرة سمعة في المنتظم الدولي. وهو مالم يعجب الأصوليين الذين يريدون تحجيم المغرب وتقزيم حضوره في المجتمع الدولي.

4 - التعبيرات المجتمعية الأخرى: كل ما يميز المغرب عن المشرق نجد الحركة الأصولية تجتهد لنسفه، تعلق الأمر بالزوايا أو بالأحزاب أو بالأشراف أو بالنقابات، وكان تاريخ المغرب تاريخا «أملس» لا توجد فيها نتوءات سوسيولوجية وثقافية ومذهبية نحتت حتى شكلت بروفيل المغربي.

5 - العمق المذهبي: الرغبة في تفتيت الأمة المغربية لم تقتصر على العناصر المذكورة أعلاه، بل تشمل أيضا العمق المذهبي المتمثل في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف الجنيدي.
وما كان للأصوليين أن يتطاولوا على موروث المغاربة وثوابتهم لو لم يجدوا البيئة الحاضنة والمشجعة على ذلك، بل ولو لم يجدوا الغطاء والحماية التي يوفرها لهم خطاب رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران الذي لم يتردد في القول أمام أعضاء حزبه إن المغرب عاش مؤخرا، أخطر مؤامرة، ألا وهي تجفيف منابع الإسلام، لولا أن تدخل الوزير العلوي المدغري الذي انتفض ضد هذا التوجه. (يا سلام على الهذيان!).
لا يهمنا هذيان بنكيران، (انظر مقال جماهري في ص: 7) ولكن ما يهمنا هو صفته كرئيس الحكومة والتوقيت الذي صرح فيه بهذه «المؤامرة» وكأني بعبدالإله بنكيران يشرعن للظاهرة الجهادية بالمغرب، لأن من يسمع كلامه سيفهم أن المغرب دولة مارقة وكافرة يحق فيها وفي سكانها ومسؤوليها الجهاد (!).
والأخطر أن هذيان رئيس الحكومة لا يعطى مبررا للجهاد والإرهاب بمبرر أن الدولة تحارب الدين فقط، بل ويسعى لسحب المشروعية عن أمير المؤمنين ليزحف هو على الحقل الديني لإقامة ما يسميه إخوة بنكيران «إقامة الدين بالمغرب  بلد جاهلية القرن 20 و21»!

 

هل سعت الدولة إلى تجفيف ينابيع الإسلام!

 

يوم 24 فبراير 2016 كتب الزميل عبد الحميد جماهري، مدير تحرير يومية الاتحاد الاشتراكي، مقالا حول التصريحات الخطيرة التي فاه بها عبد الإلاه بنكيران، زعيم حزب المصباح ورئيس الحكومة، بشأن وجود رغبة سابقا لتجفيف ينابيع الإسلام بالمغرب وعلى أعلى مستوى.
نعيد نشرها عسى أن ينتبه الغافلون إلى مخاطر هذيان بنكيران

 

 

عبد الحميد جماهري

رمى الأستاذ عبدالاله بن كيران بقنبلة حقيقية في مياه الركود السياسي في البلاد، واختار لها عمق المجتمع والدولة، اختار الدين الإسلامي .
وقال في معرض استرجاعه لظروف 20 فبراير 2011، وهو يتحدث إلى شبيبة حزبه أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق عبد الكبير العلوي المدغري، أسر له أن لقاء في القمة تم عقده من أجل تجفيف ينابيع الإسلام في المغرب!
وبالضبط ،قال عبد الإله بنكيران، يوم السبت الماضي وهو يتحدث أمام شبيبة حزبه، إن الإسلام كان مهددا في المغرب في منابعه، ونسب للوزير السابق العلوي المدغري، أنه حضر «جلسة من الجلسات على المستوى العالي -نوقشت خلالها- المطالبة بتجفيف منابع الإسلام»، وأضاف بنكيران في شريط مسجل على الموقع الرسمي للحزب، «ليس فقط حل حزب العدالة والتنمية وإنما إغلاق دار الحديث الحسنية».
وكشف بنكيران، أن تواجد الوزير السابق المدغري واعتراضه على الأمر وخطورة ما سماه بالتوجه «لكننا في مغرب آخر».
وقال بنكيران «إن هذا الكلام هو الذي حكاه»، يقصد العلوي المدغري.

l أولا، لا يمكن أن يظل الوزير المدغري ساكتا، وعليه أن يجيب عن الأسئلة التالية: من حضر الاجتماع؟ وأين عقد؟ وماذا دار فيه بالضبط؟

l ثانيا: هل وافق الجميع، ونقول الجميع إلا هو، على ما سماه رئيس الحكومة تجفيف ينابيع الإسلام؟ وما دور إمارة المؤمنين في ما دار وهل اعترضت أم لا؟
نريد أن نفهم!
فالأمر ليس بالهين ولا يتعلق بقرار سياسي مهما كانت غرابته، بل هو قرار تطهير ديني وحضاري خطير للغاية، والذي يتحدث فيه هو رئيس الحكومة!
فهذا رئيس الحكومة يقول بلسانه وبالواضح لا بالمرموز إن اجتماعا في أعالي الدولة قرر تجفيف ينابيع الإسلام، وبالتالي فهكذا تصريح لا يمكن أن يمر مرور الكرام!

l ثالثا: لماذا قرر وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إخبار رئيس حزب، أو لعله التقى بقيادات متعددة منه، ولم يقم بإخطار أمير المؤمنين المؤتمن على الملة والدين؟
هل هو مجرد كبرياء أو نرجسية أم تأطير واستخدام قوة سياسية داخلية في مواجهة الطرف الذي أراد أن يغير من جينات المغاربة الدينيين؟
علينا أن نشكر رئيس الحكومة على ما قاله، لأن وزيرا سياديا عرف المغرب السياسي طويلا، وكانت له كلمته في المواقف المعبر عنها من مركز الدولة، لا يسمح له بالمغامرة في قضية من هذا القبيل!
إن الكلام الذي ساقه إلى زعيم العدالة والتنمية سيزكي نظرية المؤامرة ويغذي كل ما يقال من كون الدولة، مليئة بأشباح الملاحدة والمارقين والمتآمرين على الإسلام.
وهنا يجب أن نتذكر ما سبق لرئيس حركة التوحيد والإصلاح، الفقيه أحمد الريسوني.. في غشت  2012! وقتها تحدث إلى إحدى اليوميات عن «الملحدين تغلغلوا في الدولة»!
وقتها تساءلنا: «لم يسبق للسيد الريسوني أن كان أحد رجالات الدولة، ولا من أعوانها وخدامها الكبار، ويمكن أن نجزم بأن الرجل لم تكن له كثير اتصالات بصناع القرارات فيها، ولهذا نجد أن من المشروع أن نطرح السؤال: من أين جاء بهذا اليقين؟ من أين له بالتأكيد أن التيار الإلحادي مقيم في الدولة، وفي صلبها، وفي أطرافها»؟
والظاهر أن تصريحاته كانت تسبيقا على ما يقوله اليوم السيد رئيس الحكومة!
فلم يكن الفارق الزمني كبيرا بين فبراير 2011 وغشت 2012، وكانت الأخبار تدووِلت في القمة الحزبية والدعوية كما تدووِلت في القمة السياسية للدولة!
لقد مرت أربع سنوات على تصريحات الفقيه الريسوني، وها نحن ما زلنا في »السر« السياسي للدولة وللذين كانوا ينوون تجفيف ينابيع الاسلام!
هذا كلام خطير، ولا يمكن أن يسلم منه العلوي المدغري لأنه ناقل الخبر..
إن الذين تغلغلوا وعقدوا الاجتماع وقرروا «غسل» المغرب من دينه، ليسوا أبطال رواية خيال علمي ولا «دافنشي كود» إنهم الدولة ..!
الدولة حسب التعريف المتداول، وبلا لف ولا دوران، هي أولا أجهزة الجيش والأمن، البرلمان، القصر، المخابرات، الحكومة، والشروط المكملة لها، من أجهزة تنفيذية وتشريعية وقضائية، وإدارية،... الدولة هي مؤسسة المؤسسات.
ومن هنا يمكن أن نقول إن لقاء يستدعى فيه وزير الأوقاف، العلوي المدغري لا بد أنه لقاء يفوق لقاء يدعو اليه رئيس الحكومة مثلا..
إنه لقاء قمة أيها السادة، وننتظر التوضيح، هؤلاء الذين كانوا يسعون إلى تجفيفنا من ديننا!
لماذا الآن؟ قد يتساءل الصحافي فينا. ولا أحد أو شيء يمنعه من أن يبحث عن السياق الذي يخلق المعنى وقد يغامر بالربط بين التذكير بنية تجفيف ينابيع الإسلام و بين الأوامر التي صدرت إلى وزيري الأوقاف والتربية الوطنية من أجل … إعادة النظر في مناهج التربية الدينية!