أثارت الخرجة الأخيرة للأستاذ مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة وعضو المجلس العلمي الاعلى خلال اليوم الدراسي المنظم يوم الأحد 02/28/ 2016 بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية و لاجتماعية بوجدة في موضوع "العقيدة الأشعرية في سياقها الحضاري" عدة قضايا وإشكالات واستفسارات تفرض نفسها على الأستاذ بنحمزة وعلى أهداف الندوة ومقاصدها وسياقها. خاصة وأن الأستاذ بنحمزة أطلق فيها جملة من المواقف وفي مقدمتها اعتباره أن "الحراك العربي" استهدف إمارة المؤمنين، وإشادته بالمذهب المالكي وبخصائص العقيدة الأشعرية وسماحتها واعتدالها بالإضافة إلى تأكيده على أن النزعة التكفيرية هي قضية إيديولوجية مذهبية، وليست اجتماعية أو مرتبطة بالتفسيرات السطحية التي تفسر ذلك بالفقر والتهميش..ويبقى الموقف الأبرز هو انتقاده للوهابية خاصة في تعبيرها المدخلي ( نسبة لربيع المدخلي) كما انتقد محمد بن عبد الوهاب والألباني وربيع المدخلي كما انتقد "الإسلاميين" الذين يربطون التكفير بالبعد الاجتماعي والحال أن له بعدا إديولوجيا. وكان أهم ما ميز الندوة أيضا تحاشي السيد بنحمزة الحديث عن التصوف باعتباره أحد أركان التدين المغربي إلى جانب العقيدة الأشعرية في العقيدة والمذهب المالكي في الفقه، كما تم توزيع خلال أشغال الندوة كتيب من تأليف الأستاذ بنحمزة بعنوان "المكون الديني ضمن الرأس المال اللامادي بالمغرب" تعرض فيه من خلال ظاهر العنوان للمكون الديني بالمغرب مبرزا دور إمارة المؤمنين - كما يفهمها هو - في الحفاظ هذا المكون ، وقد تميزت مداخلة الاستاذ بطول عرضها( 74 دقيقة) وحسب الشريط الذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي الذي استمعت اليه، فإن مداخلة السيد بنحمرة لم تكن ممنهجة، فقد غلب عليها الإرتجال والإنتقال من موضوع إلى آخر دون مقدمات منهجية.
وإذا كانت المواقف التي أطلقها السيد بنحمزة في هذه الندوة أثارت كثير من اللبس وخلطت كثير من الأوراق التي تتصل بالتوجهات العقدية والفكرية للرجل ذي التوجه الأصولي المعروف المتعارض مع التدين المغربي بتجلياته العقدية والفقهية والصوفية في مدرستها المغربية، وهو ما يطرح أكثر من تساؤل عن منطلقها وسياقها -أي الندوة- ولئن كانت هذه المواقف في اعتقادنا لم تخرج عن أسلوب المناورة خاصة فيما يتعلق بالموقف من الوهابية والإشادة بالتدين المغربي، بعد أن أضحت الوهابية ورقة محروقة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وأصبح العالم بأسره يعرف دور الفكر الوهابي المغذي للإرهاب ومسؤوليته الإيديولوجية عن الظاهرة الإرهابية من الأحزمة الناسفة إلى السيارات المفخخة إلى نبش القبور وشق الصدور، وكل التمثلات الإرهابية الأخرى ومرورا بكل التنظيمات الإرهابية من فروع القاعدة في نسختها الداعشية حيث تعتبر الوهابية الأب والأم الشرعيين لداعش وجبهة النصرة بوكو حرام وأنصار الشريعة... وليس انتهاء بعشرات الخلايا الإرهابية التي تفككها أجهزتنا الأمنية التي لولا يقضتها وكفاءتها لتحول المغرب إلى محرقة إرهابية رهيبة... فهذه التنظيمات وباعتراف العالم أجمع تجسد وتمثل بأفعالها الإرهابية المدرسة السلفية التيمية الوهابية التكفيرية... ولهذا أضحى اليوم من الواجب، بل من الضروري والمؤكد غسل الأيدي منها للبحث عن صحون الفاكهة، وبالتالي حان الوقت لتبيضها في العقيدة الاشعرية والمالكية لإعطائها مشروعية مغربية أي تهريبها وتمريرها في أغلفة أشعرية ومالكية بمضامين وهابية سلفية تيمية، كما حدث في ندوة المجلس العلمي الأعلى في ابريل من السنة الماضية، وكذلك في الدرس الحسني الرمضاني الاخير الذي ألقاه السيد بنحمزة في حضرة أمير المؤمنين بعنوان "السلفية المغربية وتمثلات الأمة" حيث أنكر التصوف المغربي باعتباره ركن من أركان التدين المغربي، رغم ما لهذا المكون في الهوية الدينية المغربية من دور روحي واجتماعي وسياسي في ترسيخ مؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب والإمامة العظمى في النظام السياسي المغربي ، وان الإسلام المغربي وصل إلى هذا التوهج والريادة إسلاميا ودوليا وإفريقيا لأنه صوفي الهوى والهوية، ولم يبلغ هذا المقام بسلفيته التي يحاول السيد بنحمزة والتيار السلفي الوهابي أن يبيئها في المغرب وأن يعطيها مشروعية مزيفة ضدا على حقائق التاريخ المغربي وهويته الدينية. وساعتها ايضا كما اليوم في ندوته بوجدة أشاد السيد بنحمزة في حضرة جلالة الملك أمير المؤمنين بالتدين المغربي الذي اختزله في العقيدة الأشعرية ومذهب امام مالك. وبما ان الحركة الأصولية تفصل بين الاشعري والأشعرية وبين مالك والمالكية ، فان "مالكية" و"أشعرية" الاستاذ بنحمزة التي "يشيد" بها امام حضرة امير المؤمنين وفي ندوة "العقيدة الأشعرية في سياقها الحضاري" هي (اشعرية سلفية) و(مالكية سلفية) وذلك ضمن مقاربة ومنهج تدليسي على المغاربة ونخبه الفكرية والسياسية، وهي اللعبة التي جربها كبيرهم الذي غرس شجرة السلفية الوهابية في المغرب ، الراحل تقي الدين الهلالي، واتت اكلها بإذن أموال أسياده الذين أغدقوا عليه البترودولار الوهابي، بعدما تم تعطيل الدراسة في القرويين مدة أربعين عاما، إيذانا بتعطيل الإسلام المغربي، ومعاقبة العلماء المسلمين المغاربة الذين تصدوا للانحراف السياسي للسلفية وللتشريق الديني، وقد كان البديل هو شعبة الدراسات الإسلامية التي جاءت لضرب حركة اليسار الديمقراطي والترويج للوهابية لضرب الإسلام المغربي، وفي هذا الصدد كانت مبادرة الأستاذ المدغري بحشر مؤسسة القرويين في هذه العملية لإفراغها من مضامينها، وإيكال ذلك لأساتذة سلفيين وما ممارسات الأستاذ إدريس خليفة في الكلية التابعة للقرويين عنا ببعيد، والتي راح ضحيتها الأستاذ د محمد المرابط، الذي كان ذنبه الوحيد هو الجمع بين الإسلام المغربي على مستوى العقيدة، وخطاب اليسار الديموقراطي على المستوى السياسي.
وإذا كانت هذه المواقف تندرج ضمن ابعاد وسياقات معينة –كما أسلفنا- فان مقاربة السيد بنحمزة لمؤسسة إمارة المؤمنين ولجوئه إلى المنهج التاريخي الماضوي بما يحمله من إسقاطات وتأويلات أيديولوجية، تبقى الملاحظة الأبرز في مداخلة السيد بن حمزة وما جاء أيضا في كتيبه الموسوم بـ" المكون الديني ضمن الرأس المال اللامادي بالمغرب" حيث ضل السيد بن حمزة مقيدا بالأطر والاشتراطات الفقهية والإيديولوجية لتحقق مفهوم إمارة المؤمنين في رؤيته وخلفياته المضمرة، ضاربا عرض الحائط مرجعيتها الدستورية التي حسمتها الوثيقة الدستورية لـ 2011. ولذلك فإن أهم ميزة ميزت مداخلة بنحمزة حول امارة المؤمنين وكذلك ما كتبه في كتيبه الذي وزعه على الحضور هو امتلاؤه على مستوى اللغة بالعبارات والمضامين بالغمز والهمس واللمز والهمز ومن وراء حجاب، كما أن إنزال أعمدته وعناوينه قد خضع للمراجعة والتصفية الداخلية للإخوان لتنقيته من فلتات اللسان التي يعتبرها السيكولوجيون تفصح وتفضح المسكوت عنه وبالتالي فالمادة الكتابية والخطابية للأستاذ بنحمزة لها ظاهر معلن وباطن مسكوت عنه يحتاج إلى استظهاره. وهذا يذكرنا بالحوار الذي كان قد أجراه الريسوني مع جريدة "أوجوردوي لوماروك" والذي ذكر فيه:" بأن الملك غير مؤهل لإصدار الفتوى". كما أن مداخلة الأستاذ بن حمزة وما جاء في كتابه السالف الذكر استوقفني على استرجاع النقاش الذي اثارته القوى الاصولية حول الوثيقة الدستورية قبيل طرحها على الاستفتاء الشعبي، وطرحهم لما يسمى "بهيئة العلماء للإفتاء" يناط بها الاختصاص الديني وذلك غمزا من قناة النماذج المشرقية المحافظة، حيث تصبح هذه القوى هي المحتكرة للمشروعية الدينية للدولة وكذا لإمارة المؤمنون التي سيبقى وجودها شكلي بعد ان يمارسوا الوصاية الدينية عليها يعني أنه لا ضرر عندهم ان يسمى بأمير المؤمنين لكن ينبغي أن تكون إمارة شكلية بينما الجوهر هو أن تتحكم الحركة الأصولية في الشأن الديني ، وهذه هي ابعاد النقاش حول الوثيقة الدستورية الذي تم إثارته من قبل القوى الأصولية في الدعوة الى خلق هيئة دينية على غرار ماهو موجود في الشرق المحافظ وتناست الحركة الأصولية أن التعاقدات الموجودة في دول المشرق العربي ليست هي تلك الموجودة في بلادنا، ففي المغرب هناك تعاقد بين المؤسسة الملكية والمجتمع قوامه ثورة الملك والشعب ، أي انصهار الطرفين معا في بناء مغرب متجدد وحداثي وديمقراطي. وهذا التعاقد هو العقبة الكأداء التي تقف لحد الآن في وجه الحركة الأصولية في محاولة سعيها الى سحب الشرعية من إمارة المؤمنين. ولهذا المقصد نرى السيد بنحمزة يسعى جاهدا ليقنعنا بأدلة تاريخية وأصولية "منتقاة "ان مؤسسة امارة المؤمنين مشروطة تارة بعقد "بيعة الشرعية" وتارة بقاعدة اصولية " امامة المفضول مع وجود الافضل للجويني" ويقول الأستاذ بنحمزة في هذا السياق في الصفحة 9 من كتابه السالف الذكر "ومثلما تحدث عن شروط الامام الاعظم ،فقد تحدث ايضا عن الشروط التي يجب توفرها في الفئة التي سماها اهل الاختيار، هو من كان ذا عقل وتهد في عظائم الأمور وبصيرة بمن يصلح للإمامة" هنا نستشف كلاما بخلفية أيديولوجية مضمرة في فهم الاستاذ بنحمزة وتأويله لمن يعطي المشروعية لمنصب امامة الامة ، فالأستاذ بنحمزة يريد ان يقول ان العلماء الذين يستجمعون شروط معينة هم الذين لهم الحق الحصري في مبايعة امير المؤمنين وبل في تنصيبه وفق شروط اوردها في كتابه من مصادر اصولية وهو ما يؤدي بالنتيجة والمنطق الى استنتاج منطقي وعقلي وفق تلك المقدمات بأن "هيئة العلماء" تلك ستمارس الوصاية على امير المؤمنين بل الاكثر من ذلك هي من ستعطيه المشروعية او ستسحبها منه، وهنا نتسائل مع الأستاذ بنحمزة!! ومن هي هذه الهيئة "او اهل الاختيار" يا ترى اليوم عندنا في المغرب التي ستبايع او تعطي المشروعية لأمير المؤمنين؟ الى من اي قناة يغمز السيد بنحمزة ومن يعني بحديثه هذا !!!؟؟ بعد ان حسم الدستور في صيغته الإصلاحية الجديدة بشكل نهائي وظائف ومهام مؤسسة امارة المؤمنين ومرجعيتها الدينية كما حسم المرجعية السياسية للمؤسسة الملكية التي هي ثورة الملك والشعب ؟؟؟
ان كلام السيد بنحمزة هذا، حول امارة المؤمنين يحلينا الى ملف كان قد افردت له جريدة التجديد عدد خاص (العدد 2604) التي حاولت قرصنة هذه المؤسسة بأساليب مخادعة، وذلك عبر القفز المتنوع الذي يتوقف للاستدلال تارة بالشافعية التي تعد الخزان المذهبي للإخوان المسلمين ضدا على المدرسة المالكية المغربية، ولا يكتفي صاحب الملف بالاتكاء على الشافعية القدماء بل يستحضر الشيخ القرضاوي نفسه، في مورد مجادلته للسلطان الراحل جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله ، مع ضرورة الإشارة إلى أن معد الملف قد أورد سياقا خاطئا في هذا الشأن، فالخلاف بين السلطان الراحل والقرضاوي لم يكن في الستينات إنما كان في الثمانينات من القرن الماضي، ولم يكن موضوع الخلاف كما أشار إلى ذلك صاحب الملف حول شرح الحديث" من رأى منكم منكرا فل يغيره"، إنما كان مورد الخلاف حول شرح القرضاوي للحديث النبوي " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها" وكان القرضاوي قد أراد أن يمرر في درسه هذا شرحا على هواه مفاده أن لفظة " من يجدد " في الحديث النبوي قد تفيد فردا كما يمكنها أن تفيد جماعة ليمرر بذلك أن جماعة الإخوان المسلمين هي المجدد الديني لهذه الأمة الإسلامية ، لكن نباهة السلطان الراحل رحمه الله، تدخلت لتقطع الطريق على تمريرات القرضاوي السياوسوية، وهذا وجه من أوجه الصراع مع المهربين الدينيين حول إمارة المؤمنين وخصائصها وعلاقاتها مع محيطها خلافا لما أوردته ديباجة "ملف التجديد " حول الموضوع والتي ورد فيها ما يلي:"بأن توظيف لقب أمير المؤمنين في الصراع السياسي هو في عمق صراع بين مرجعيتين: المرجعية التقليدية السلطانية التي تمثلها المؤسسة الملكية من جهة والمرجعية العلمانية التي تمثلها أحزاب وجمعيات حقوقية معينة "(ص06) فالصراع ليس بين الجهتين المذكورتين في الجريدة إنما هو في العمق بين جهة تمثلها المدرسة المغربية بكل قواها الحية وبين التوجه الإخواني الذي يمثله حزب التهريب الديني وحركته والذي يريد قرصنة إمارة المؤمنين والسطو عليها من الداخل بعد أن فشل من الخارج وهي نفس الرسالة التي كان يريد الأستاذ بنحمزة أن يمررها عندما تحدث عن ما أسماه الحراك العربي المهدد لإمارة المؤمنين بالمغرب اي حركة 20 فبراير التي تقاطعت مع الإرادة الملكية في الإصلاح والتي اثمرت دستور 2011.
إن مداخلة السيد مصطفى بن حمزة تكشف جانب من جوانب اشتغال العقل الأصولي في مقاربته للتدين المغربي ومرجعيته، إمارة المؤمنين. ومن ثم يجب التوقف عنده في كلياته ومنطلقاته المختلفة التي تهم هذا العقل، حتى تكون القراءة شمولية وعلمية وإستراتيجية غير مبتورة جانب من الجوانب، ولا تغفل بعد من الأبعاد في طريقة هذا الاشتغال. ولهذا الغرض سنخصص الحلقة المقبلة للأبعاد المقاصدية للمشروع الأصولي الحاضرة في رؤية وفهم الأستاذ بن حمزة لمرجعية إمارة المؤمنين.