جرت العادة عند الباحثين والسياسيين، لدى تقييم عمل الحكومة وقراءة حصيلتها، الاكتفاء بالمعطيات الاقتصادية وتحليل منجزاتها على المستوى الماكرو اقتصادي أو الاجتماعي أوالفني الخ. لكن التقاليد بالمغرب - حسب ما أعلم- لم تعرف بروز دراسات وقراءات وازنة للمخاطر الأمنية التي خلقتها حكومة عبد الالاه بنكيران منذ تنصيبها. فمعلوم أن التحاليل الأجنبية لاتهتم فقط بانعكاس تنصيب حكومة على السوق المالي وهل ستنكمش البورصة أم لا، بل تذهب إلى وضع المخاطر الأمنية تحت المجهر كذلك. تأسيسا على هذا المعطى يحق لنا التساؤل عن ماهية المخاطر الأمنية التي احتدت في عهد حكومة بنكيران. في تقديري هناك ثلاثة أنواع من المخاطر التي ارتفع منسوبها منذ مجئ بنكيران وهي.
أولا: كانت الاحتجاجات والمظاهرات مألوفة في المغرب، خاصة منذ الانفتاح السياسي الذي بدأ في مرحلة التناوب الأول و فشل، في مطلع تسعينات القرن العشرين. لكن مع حكومة بنكيران ازداد صبيب الاحتجاجات بشكل رهيب، لدرجة أن الإحصاء الرسمي الذي كشفه وزير الداخلية محمد حصاد في البرلمان أظهر أن المغرب في السنوات الأربع الماضية يعرف في كل يوم 55 مظاهرة احتجاجية (دون احتساب الرباط التي يحج إليها كل صاحب مظلمة). وهذا الرقم مفزع بالنسبة لدولة نامية فقيرة من حيث الموارد المالية، على اعتبار أن هذه المظاهرات بقدر ما تعبر عن خلل في التقاط نبض المجتمع ووأد أسباب التوتر من طرف السلطات في المهد بحثا عن السلم الاجتماعي، بقدر ما يترتب عنها تجنيد الآلاف من رجال الأمن (شرطة وقوات مساعدة ودرك ووقاية مدنية)، علما أن تسخير هذه القوات الأمنية يكلف موارد هائلة من حيث المحروقات والسيارات والأجور والساعات الاضافية. ثم وهذا هو الأخطر، إن تجنيد هذه الأعداد الهائلة من قوات الأمن لإخماد المظاهرات أو تاطيرها يتم على حساب أولويات أخرى تتجلى في التواجد بالشارع العام وفي الأسواق والساحات والغابات والشواطئ لضمان الأمن اليومي للمواطن، خاصة وأن كل أنواع الأجهزة الأمنية تشكو خصاصا رهيبا على مستوى الموارد البشرية، مما يعرض هذه العناصر للضغط والإرهاق. وبالتالي الاحتكاك السلبي مع المواطن والتأخر في تلبية مطالبه (وثائق إدارية.النجدة في الحالان الطارئة...إلخ).
ثانيا: ارتفاع المخاطر الإرهابية، نعم عرف المغرب الظاهرة الإرهابية منذ عام 2002 بتفكيك خلية مضيق جبل طارق، ثم بعد وقوع أحداث 16 ماي الإرهابية بالبيضاء. وإذا كان المغرب وبشهادة معظم القوى الأجنبية، قد حصن نفسه بخبرة أمنية احترافية وفعالة في التصدي للإرهاب، فإن ذلك لا يمنع من القول أن مجيء حكومة بنكيران وفر البيئة الحاضنة للجهاديين والمتطرفين بالمغرب. بدليل أن بنكيران وإخوته -ورغم أنه هو الذي يحكم- ظل يتحرش بالمقاربة المغربية لمحاربة الإرهاب ويشككون، كحزب، في أحداث 16 ماي. ولم يغيروا من موقفهم إلا مؤخرا عقب التهديدات الإرهابية التي وجهها جهاديون للوزير مصطفى الرميد. آنذاك عدلت حكومة بنكيران من خطابها (خاصة الحزب الأغلبي) في هذا الباب. لكن ذلك لم يسقط مسؤولية حكومة بنكيران في رفع منسوب التشددد والتطرف بالمغرب بحكم الاختراقات التي مست مؤسسات رسمية موكول لها حماية الأمن الروحي المغاربة: من خطباء ووعاظ وأساتذة في التعليم العتيق أو التربية الاسلامية الذين استقووا على الموروث الديني للمغاربة بحكومة بنكيران، فتمطط التطرف والغلو بشكل وقح.
ثالثا: ارتفاع المخاطر الاستراتيجية؛ وأقصد بها أن حكومة بنكيران كانت عبئا على المصالح القومية للمغرب، بالنظر إلى أنها لم تتمكن من التخلص من تبعيتها لقناعات زعيمها وتعارضها مع مصالح المغرب الاستراتيجية مع عدد من البلدان كمصر ودول الخليج. إذ أن المغرب له مصالح قومية مع هذه الدول، إلا أن حكومة بنكيران ظلت دوما تتحرش برموز سيادية بهذه الدول، مما انعكس على وثيرة الاستثمار وتخوف هؤلاء من الاستمرار في دعم المغرب، لولا أن الملك وبعلاقاته ووزنه بالخليج ومصر أمكن حفظ هذه المصالح الاستراتيجية من أن تعبث بها حكومة بنكيران. طبعا محافظة المغرب على هذه المصالح الاستراتيجية لم يكن بدون كلفة. وهذا ما أعتبره الزيادة في إرهاق الدولة بأعباء هي في غنى عنها.
نخلص، إذن، إلى أن حصيلة بنكيران كانت كارثية بالمغرب على هذا المستوى الأمني. أما حصيلتها في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فسيكون استبلادا مني لذكاء القارئ إن أطنبت في إبراز السجل الأسود لبنكيران.ألم تتسبب حكومة بنكيران في إخراج المغاربة لتنظيم 55 مظاهرة احتجاجية كل يوم؟
ملحوظة: نص مساهمتي في الملف الذي أعده الزملاء في جريدة «حقائق»