صراع «العتبة الانتخابية» هل هو «مخطط» لقتل أحزاب اليسار؟

صراع «العتبة الانتخابية» هل هو «مخطط» لقتل أحزاب اليسار؟
مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2016، تتباين مواقف الأحزاب السياسية، كما جرت العادة، حول نسبة «العتبة الانتخابية»، أي الحد الأدنى من الأصوات الذي يشترط القانون أن يحصل عليه كل حزب ليكون له حق المشاركة في الحصول على أحد المقاعد المتنافس عليها في أي دائرة انتخابية، إذ أن الحزب الذي ينال أصواتا أقل من «العتبة الانتخابية» التي يحددها القانون، لا يدخل مرشحوه حلبة التنافس للفوز بالمقاعد، فتلغى هذه الأصوات. هذا التباين في المواقف يمليه صراع القوة بين أحزاب كبيرة وأخرى صغيرة، إذ أن الأولى تدعو إلى الرفع من العتبة إلى حدودها القصوى، والغاية هي محو الثانية من الخريطة بمبرر القضاء على التفتت الحزبي (البلقنة)، بينما تدعو الثانية إلى خفضها أو إلى إلغائها للحفاظ على وجودها، وهي غالبا من أحزاب «اليسار»، مما يدفعها إلى الاندماج وتشكيل تحالفات لقطع الطريق على الأحزاب الكبيرة والحؤول دون تنفيذ مخطط «القتل». وإذا كان حزب العدالة والتنمية يدافع عن الإبقاء على عتبة 6 %، بل ويدفع في اتجاه الرفع منها، فإنه يعتبر أي تراجع عنها يعتبر تشجيعا على البلقنة والالتباس في المشهد الحزبي والسياسي، عكس حليفه «التقدم والاشتراكية» الذي يدافع عن عتبة إدماجية (في حدود 3 %)، كما يقول أنصاره، تضمن تمثيلية أغلب الأحزاب والحساسيات السياسية. وهو التوجه نفسه الذي سار إليه «الاتحاد الاشتراكي» الذي كان، في ما مضى، من أشد المدافعين عن الرفع من العتبة على أساس الانفتاح على الأحزاب الأخرى لخلق نوع من التقاطب السياسي. وتذهب الأحزاب التي تعتبر نفسها أحزابا «كبيرة» إلى اعتماد 8 % كعتبة انتخابية على المستوى الوطني، على ألا يتم إعلان النتائج على مستوى المناطق حتى يتم التعرف على مستوى تمثيلية الأحزاب على المستوى الوطني. وبالتالي فلن تمثل على مستوى المناطق سوى الأحزاب التي تتجاوز حصتها من الأصوات نسبة العتبة الانتخابية. وهو ما تعتبره الأحزاب الصغيرة رغبة واضحة في الإبعاد، رغم فاعليتها ونضاليتها داخل المجتمع. كما تعتبر ذلك ضربا لمبدإ التعددية السياسية، وانحيازا واضحا لهيمنة بعض الأحزاب المدعمة ماديا ومعنويا من الدولة. وإذا كان الدفع الذي تقدمه الأحزاب الكبرى يندرج في سياق عقلنة المشهد السياسي ومحاربة البلقنة، كما تدعي ذلك. فهل يمكن تفسير استماتتها في الدفاع عن العتبة خارج نسبة الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات الماضية، والتي تجعل شهيتها مفتوحة لتحسينها ومضاعفتها؟ هل يمكن تفسير الرفع من العتبة خارج إرادة الهيمنة وابتلاع الكبير للصغير؟ ألا يعتبر ذلك إقصاء لأحزاب بعينها من التمثيلية البرلمانية عبر استعمال آلية العتبة؟ وبالنسبة للأحزاب الصغرى، ألا يعتبر تمسكها بتخفيض العتبة إلى 3 % أو إلغائها نهائيا بمبرر ضمان مبدأ تكافؤ الفرص بين كل القوى السياسية، اعترافا صريحا بانكماشها الجماهيري وتقلص وعائها الانتخابي وخوفها من نتائج التباري على أساس عتبة مرافعة؟ أليس ذلك إقرارا مسبقا بهزيمة موضوعية؟ ومهما يكن فإن مبررات هذا الفريق وذاك، رغم وجاهتها، لا ينبغي أن تلغي أن التنافس البناء بين الأحزاب يقتضي تحديد عتبة معينة، باعتبارها آلية ضرورية لإعمال نوع من الفرز بين الأحزاب، على مستوى القوة، والحجم، والامتداد. كما أن تمكين المغرب من خارطة سياسية واضحة ينبغي أن يقوم على أساس احترام التعددية السياسية، بدل إعمال «قانون الغاب» لإعدام الأحزاب المشاغبة.. والتي تتمتع بـ«قوة اقتراحية» كبيرة جدا، وبأطر حقوقية وسياسية ومدنية واقتصادية قادرة على إحداث الفارق، فالمعيار العددي لم يكن دوما هو الحجة على النجاعة والنبل والامتداد الفكري.