عندما كان السيد عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة هو وصحبه في المعارضة يمكن القول إن مطالبه الاجتماعية مقبولة ومنطقية.. هذا بطبيعة الحال في السابق وفي الأيام التي نادرا ما استعمل فيها النظارات الطبية، ربما كان يرى الأمور بشكلها الطبيعي،أما اليوم وهو يتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة و يستعمل نظارات طبية فقد انقلب على كل ما يذكره بأيام المعارضة من المطالب إلى الخطاب، وتغيرت نظرته لكثير من الأمور، وأصبح يرى الأشياء بطريقة تختلف تماما عما كان يراها قبل 2011، كما تغيرت نظرته أيضا لمكونات الشعب المغربي.
ما لفت انتباهي قبل أيام، أن السيد بنكيران قد اعتذر للقضاة في ندوة صحفية لرفيقه في وزارة العدل والحريات لتقديم حصيلة الوزارة، حيث وصف تعويضات القضاة بالهزيلة، وأكد أنه من غير المقبول أن تكون تعويضات القضاة أقل من تعويضات البرلمانيين بحجة أنهم ينوبون عن الأمة، في حين أن القضاة يحكمون فيها، ووضع تعويضات البرلمانيين مقياسا بالرغم من الرفض الواسع لشرائح الشعب المغربي لحجم تلك التعويضات والتقاعد الذي يليهابنفس المنطق الذي تحدث به رئيس الحكومة حول أحقية القاضي في تعويض مماثل لتعويض البرلماني لأن الأول يحكم في الأمة والثاني ينوب عنها.. لا بد من النظر إلى كل فئات المجتمع والأدوار التي تقدمها، لكن باستعمال نظارات تمكننا من رؤية الأمور بشمولية عكس نظارات بنكيران التي لا تنظر إلا إلى زاوية ضيقة وفي اتجاه واحد. فهناك فئات تقدم خدمات أهم، ومع ذلك فإن رواتبها هزيلة جدا ولا تتناسب مع الأعمال التي تقوم بها، ووجب الاهتمام بها و إعادة الاعتبار لها.
وفي نفس الاتجاه لا بد من القول إن رواتب وتعويضات رجال التعليم هزيلة مقارنة مع البرلمانيين والقضاة والوزراء والمدراء.. وإذا كان البرلماني ينوب عن الأمة والقاضي يحكم فيها، فإن رجل التعليم هو معلمها، ومعلم البرلماني والوزير والقاضي و.... حتى وصلوا إلى المراتب التي يحتلونها اليوم، وهو أيضا مربي ومعلم الأجيال القادمة.كما أن تعويضات رجال الصحة جد هزيلة مقارنة بالتعويضات السالفة الذكر، رغم أن الأطباء والممرضين هم الساهرون على صحة المواطنين بما فيها صحة القاضي والبرلماني والوزير والوالي والمدير...
أيضا لا يعقل أن تقل رواتب وتعويضات الموظفين المكلفين باستخلاص الضرائب والرسوم... عن تعويضات الفئات التي رآها بنكيران، لأنهم يسهرون على استخلاص مداخيل الدولة والحفاظ على المال العام الذي تتقاضى منه جميع الفئات رواتبها وتعويضاتها ومن ضمنها الفئات العليا.
ومن غير المقبول أن تقل رواتب وتعويضات رجال الأمن وأعوان السلطة من شيوخ ومقدمين وقوات مساعدة... عن رواتب الموظفين الكبار، رغم الأدوار الأساسية التي يقومون بها من أجل أن ينعم المواطنون بالأمن والأمان، وعلى رأسهم معالي الوزير والبرلماني والقاضي والوالي...؛ فما فائدة البرلمان والحكومة والقضاء ومصالح أخرى دون وجود الأمن في البلاد؟وهل من المقبول أن تقل رواتب الجنود عن رواتب وتعويضات فئات أخرى؟ وهم الرابضون على الحدود للدفاع عن حوزة الوطن، الجندي أو الحارس الأمين على هذه البلاد عندما ينام الجميع... وحين ينام الوزير والقاضي والبرلماني والوالي ... يبقى الجندي العين التي تحرس الوطن والشعب ضد الأعداء.. وعندما يستمتع الجميع بعطلة نهاية الأسبوع، وحين ينامون في حضن أولادهم، عليهم أن يتذكروا ذلك الجندي الذي ترك وراءه عائلته، واتجه صوب أبعد نقطة على الحدود من أجل الوطن والشعب بكل فئاته.. فهل مهمته تقل عن مهام الطبقة المذكورة؟
لا يعقل كذلك أن تقل رواتب عمال النظافة عن رواتب وتعويضات الآخرين، لأن عمال النظافة هم الساهرون عن نظافة كل شوارع وأزقة الوطن، وهم القائمون على جمع نفايات وفضلات المواطنين بكل فئاتهم ، ولولا رجل النظافة لتعفن كل شيء وانتشرت كل الأمراض والأوبئة، ولا أظن أنها ستستثني الوزير أو البرلماني أو القاضي أو الوالي أو المدير العام... وعائلاتهم،إلى غير ذلك من الفئات وخدماتها الجليلة التي تقدمها للوطن. ولا يمكن تمييز وتفضيل فئة معينة واعتبار خدماتها أهم من كل الخدمات، وجعلها مقياسا لقياس درجة أهمية الفئات الأخرى والتعويضات التي تستحقها.
إن الخدمات التي يقدمها المواطنون بجميع الفئات كلها ذات أهمية كبرى، هي سلسلة منسجمة وحلقاتها متشابهات تكمل بعضها البعض.
إذا كانت بعض النظارات ترى البرلماني أحسن من موظف آخر، فإن هناك الكثير من النظارات التي تنظر إلى عامل النظافة على أنه أفضل من الوزير.
على السي بنكيران أن يستبدل نظاراته بين الفينة والأخرى، ويستحسن أن ينظر إلى الشعب المغربي بدون نظارات وعلى طبيعته بدون فئوية ودون تمييز، لأن الإقرار بوجود الأفضل يعني وجود الأحقر.