الكنّاش الحقوقي لمواجهة «دعشنة» المدرسة المغربية

الكنّاش الحقوقي لمواجهة «دعشنة» المدرسة المغربية

لن تتحقق فاعلية مراجعة المناهج الدينية كسلاح فعال للتصدي لكل أشكال التطرف ومواجهة ما صرنا نلحظه من فتاوى تحريضية على كراهية الآخر، إلا عبر فكر حقوقي يكرس إنسانية الإنسان، وأيضا عبر دعم الاختلاف والتعددية والتسامح، بدل الانطواء على الذات وإقامة الحواجز أمام لانهائية الأبعاد الممكنة التي يتيحها فكر الاختلاف. وهذا ما ينبغي أن تضطلع به المنظمات الحقوقية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان

 


لا يحسن الأصوليون المتطرفون الإصغاء إلى غيرهم، ولا يرفعون الاختلاف بينهم وبين خصومهم، لأن هؤلاء الخصوم، في رأيهم، قوم على ضلال مبين ولا ينبغي أن يكون لهم رأي. هذا هو المبدأ الذي لا ينكسر الذي تعلموه من أساتذتهم في الغلو، وهذا ما يجتهدون في نقله إلى تلاميذهم ومريديهم.
إن الأصولي المتشبع بالإيديولوجيات التكفيرية القادمة من الشرق يحمل عن مخالفيه تصورات معادية للتسامح والرأي المخالف. وهذا يعني أن استراتيجية تنقية المدرسة المغربية، بما فيها معاهد التعليم العتيق، من بذور التخلف ينبغي أن تنصب على إدماج ثقافة حقوق الانسان والتربية على قيم المواطنة في المناهج الدراسية، بدل الاكتفاء بالمقاربة الأمنية التي لن يفضي في نهاية المطاف إلى ثقافة الاختلاف، وهي شرط أي تعايش ممكن بين الأفراد.
إن تضييق النظر إلى الدين ومحاصرته في زاوية معينة، أو «تطويفه» (من الطائفة) داخل المدرسة، التي تعتبرحاضنة للقيم، يشكل خطرا حقيقيا لا يمكن تجاهله أو النظر إليه باستخفاف. فالقيم التي يتعلمها التلميذ في المدرسة، إما أن يمكن أن تكون سلبية أو إيجابية بحسب مضمون المقررات التي تُدرَّس فيها، ولهذا فإن المساندة الحقوقية لمبادرة مراجعة المقررات الدينية ينبغي أن تقع، وأن يتم تشجيعها على أوسع نطاق، بإشراك المثقفين والمفكرين والحقوقيين ونشطاء الفعل المدني. ذلك أن مواجهة التطرف تستدعي استنهاض همم الحقوقيين والمثقفين المغاربة، للعمل بشكل منظم وببرنامج عمل واضح، وتسخير كل الإمكانيات المتاحة في مجال الإبداع ومختلف الأجناس الأدبية، لمحاصرة المد التطرفي الذي يهدد قيم التسامح والتعدد والتنوع والاختلاف، وحتى لا نكون في وضع يشبه أوضاع الدولة الدينية، دولة العمائم والفتاوى وإقامة الحد على السارق والزانية والمرتد.
إن مراجعة مناهج تدريس التربية الدينية، سواء في المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق، تهدف إلى إصلاح ديني يبنى على الوقاية من الهزات الارتدادية التي تقع في الشرق، ويحاول بعض المتطرفين نقلها إلى المناخ المغربي، بدعوى الانتماء إلى لحظة الوحي والتأسيس. كما تهدف إلى إقامة حوار مع الأديان والثقافات الأخرى على أساس احترام «الحق في المعتقد» وعدم تسفيه أو تغليط الآخرين أو تكفيرهم. وهذا لن يتحقق إلا بوضع بيداغوجية متكاملة، فضلا عن تكوين الأساتذة وتمكينهم من ثقافة حقوقية مبنية على الإقناع.
إن مراجعة المناهج الدينية في المدرسة لا يمكن أن يتحقق إلا بربط الدين بحقوق الإنسان وأيضا عبر تدريس الأديان الأخرى، انطلاقا من مصادرها اللاهوتية، وليس من القراءات التي أقامها فقهاء الظلام الذين يعزلون الظواهر عن سياقها، ويقيسونها بأحكام خارج منطق التاريخ والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع وتاريخ الأديان.
ولن تتحقق فاعلية مراجعة المناهج الدينية كسلاح فعال للتصدي لكل أشكال التطرف ومواجهة ما صرنا نلحظه من فتاوى تحريضية على كراهية الآخر، إلا عبر فكر حقوقي يكرس إنسانية الإنسان، وأيضا عبر دعم الاختلاف والتعددية والتسامح، بدل الانطواء على الذات وإقامة الحواجز أمام لانهائية الأبعاد الممكنة التي يتيحها فكر الاختلاف. وهذا ما ينبغي أن تضطلع به المنظمات الحقوقية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وجميع المنتمين إلى حقل الحداثة والتنوير والعقل، ذلك أن الانفتاح على منافذ أخرى تشاركية من شأنه إنجاح هذه المراجعة، حتى تكون المقاربة عامة وكاملة بما يضمن اجتثاث الفكر المتطرف من جذوره، وتجفيف منابع انتشاره، وبما يضمن الوقاية من التأثيرات الوافدة على تدين المغاربة، والتي يحرسها بعض الفقهاء المنتفعين بأموال الحركة الأصولية والشيعية.
إن إدماج الحقوقيين، وجميع الإطارات الحقوقية (الجمعيات، المجلس الوطني لحقوق الانسان، الجامعة...إلخ)، كل من زاوية اهتمامه، في هذه المراجعة من شأنه تعزيز حقل الاختلاف الحداثي الذي يحصر مجال المقدس في ما هو حق شخصي للأفراد والجماعات بممارسة العبادة والشعائر الدينية وفق العادات والتقاليد المتوارثة، دون أن يمس هذا حق ذاك، ودون أن تستقوي الأغلبية على الأقليات والتمييز بين الأديان. وهذا هو الذي من شأنه ردم الهوة بين الأفراد، ومن شأنه أن ينتج مجتمعا متماسكا على أساس عقد اجتماعي واضح، وليس على أساس الصراع الطائفي والحرابة والتشجيع على التكفير والكراهية.
إن حقن شريان المدرسة المغربية بالدم الحقوقي هو الكفيل برفع الاختلافات، بدل الإقامة المترددة في الخوف على الهوية، لأن هذه الهوية لا يمكن «مترستها» بدون إقامة منطقة تفكير تتركّب فيها الأفكار وتتفاعل بحرية حقيقية، ولا تتعارض وتتضارب وتتساجل، ويقوّض بعضها بعضا، بل تذوب مكوّناتها في مكونات غيرها على نحو سليم، وتتداخل رؤى هذه برؤى تلك، بما يجعل أثرها فاعلا ومفيدا على المجتمع المغربي، وعلى جميع مكوناته وأطيافه والتيارات التي تتجاذبه.

 

د. محمد نشناش، رئيس سابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان وعضو مجلسها الوطني

 

من فواجع تعليمنا أنه يدرس دينا واحدا، ونظرية واحدة، وحقيقة واحدة...

شدد الدكتور محمد نشناش، رئيس سابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان وعضو مجلسها الوطني، على أن مسألة العنف واللاتسامح وعدم قبول الآخر تدخل في طبيعتنا وتربيتنا، لأننا ومنذ البداية اقتنعنا بأن الكل هو صاحب الحقيقة المطلقة، وبالتالي رفض حقيقة الغير. مع أن النظريات أو ما يسمى بالإيديولوجيات القادمة إلينا من الشرق عمقت لدينا هذا الطرح المعادي للتسامح ووجهة النظر المخالفة

m إلى ماذا ترجع كل هذه التهم التي صارت توجه إلى علماء الدين في إذكاء نعرة الفتن والتصادم داخل المجتمع؟
l من المعلوم أن العالم الإسلامي، ومن بين بلدانه المغرب، عاش فترات طويلة من الاستبداد وعانى الأمرين من تسلطه. وبطبيعة الحال، فإن هذا التعسف لا ينتج سوى ردود فعل معاكسة سواء في سلوك شخصي أو جماعي، وخاصة عندما يصدر عن جماعات متطرفة، فتكون النتيجة أن يقمع الطرف المخالف الذي يلجأ إلى وسائل عنيفة لرد الفعل. ووقتها يطفو موقع علماء الدين والأصوليين بالنسبة للنظام. إذ منهم من يصطف إلى جانب الأخير ويذهب إلى حد اختلاق أحاديث نبوية من أجل مصلحة الحاكم، ومنهم من يكون بضمير مستيقظ فيقف معارضا.

 

* هل معنى هذا أن رفض الآخر وتبعاته يتغذى من الداخل؟
- قول الحقيقة يجب أن يعيدنا إلى عهد الخلفاء الراشدين من عمر وعثمان وكيف قتلا بطرق إرهابية بفعل الاختلاف في الرؤية. وهذا يفيد بأن خطر اللاتسامح عشناه منذ 14 قرنا، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان منفتحا على اليهود والمسيحيين الذين يؤمنون ويسمح لهم بالعيش إلى جانب المسلمين، حيث كان يقول لهم «لكم دينكم، ولي دين»، ولم يكن يخاطبهم بـ«آمين، نقتلكم». وحتى لا نبتعد كثيرا، فإن المغرب وخلال سنوات الرصاص، عرف هذا النوع من العنف، ولكن لم يكن من فقط من الطبقة المعارضة للنظام، بل كان من طرف الدولة أيضا التي كانت تقوم بعمليات اختطاف وتعذيب وجرائم الاختفاء القصري، أو التصفية النهائية للعديد من المعارضين. مما يثبت لنا أن مسألة العنف واللاتسامح وعدم قبول الآخر تدخل في طبيعتنا وتربيتنا، لأننا ومنذ البداية اقتنعنا بأن الكل هو صاحب الحقيقة المطلقة، وبالتالي رفض حقيقة الغير. مع الإشارة إلى أن النظريات أو ما يسمى بالإيديولوجيات القادمة إلينا من الشرق عمقت لدينا هذا الطرح المعادي للتسامح والرأي المخالف.

 

* لكن هناك تفسير يقول إن تلك الإيديولوجيات كان من الممكن أن تنجح في بلوغ أهدافها لولا وجود أرضية خصبة لتغلغلها..
- هذا أكيد، وتكفي الإشارة إلى أن مدارسنا المغربية تدرس دينا واحدا، ونظرية واحدة، وأيضا حقيقة واحدة. وفي المقابل يتم الاستهزاء بالآراء الأخرى والحط منها، بل واعتبارها خارجة عن إطار المنطق. مما يولد لدى المتعلم قناعة امتلاكه ولوحده الحقيقة، في حين غيابها لدى الغير. فكانت النتيجة التي نراها جميعا بأن أصبحنا نحن من يصدر إلى البلدان الديمقراطية والمتشبعة بقيم التسامح من يخرب أمنها ويهدد سلامة مجتمعاتها. حتى صارت كلمة «إرهابي» تساوي «مغربي».

 

* بقي الآن التساؤل عن الحل من موقعك الحقوقي بهذه الصيغة: ما العمل؟
- أولا، يجب الانكباب على تربية الديمقراطية والحرية والتسامح وفهم الآخر لقبول الاختلاف، وأيضا محاربة الفقر والهشاشة وكل ما يرتبط بالتهميش الذي ركزت على تفشيه هيأة الإنصاف والمصالحة في تقريرها النهائي. كما يتعين قطع الطريق على جميع أسباب الجهل، لأن كل هذه الأمور هي ما تدفع إلى اليأس. إنما لا أعتقد أن الحل ستكتمل أركانه دون خلق الأمل لدى الشباب الذي ينتظر منه حمل المشعل في المستقبل. وذلك عبر تمكينه من مناصب الشغل بما يحفظ كرامته. ولنا جرس الإنذار، مما يقوله الجزائريون بخصوص سبب الفوضى التي تجتاح شوارعهم، والتي يعزونها إلى ما عبروا عنه بـ«الحكرة»، أي إهانة الكرامة. يضاف إلى كل هذا، ضرورة الاهتمام الجدي بشأن مدرستنا، علما أنه ورش مفتوح في المغرب منذ السنوات الأولى من الاستقلال وإلى اليوم، إذ نناقش كيف ستكون مدرستنا؟ وماذا نريد من هذه المدرسة؟ فتشكلت على إثر ذلك لجان وعقدت ندوات ونظمت لقاءات، لكن دون أن نصل إلى قرار حاسم في الموضوع. والأكيد أن الرجوع إلى العقل والمنطق يظل فاعلا أساسيا في هذا المبتغى، إذ نجد بأن دستور 2011 فتح آفاقا جديدة للمشاركة سواء تلك التي تخص المشاركة الديمقراطية أو المناصفة أو المؤسسات المعنية بتدبير الشأن العام، أو مساهمة المواطنين وتخويلهم إمكانية تقديم العرائض والملتمسات. لهذا، فإن فُعّلت هذه المكاسب بصفة جدية سرنا بأمل وأمن نحو المستقبل، أما إن تؤومر حتى على هذا الدستور فإن ذلك ليس من شأنه إلا أن يقلقنا ويخيفنا مما هو آت.

 

محمد السكتاوي، مدير فرع منظمة العفو الدولية بالمغرب

 

حان الوقت لإعادة النظر في المناهج الدينية وما يتسلل إليها من أفكار متطرفة

أرى أنه وفي الوقت الذي تسعى الدولة إلى المقاربة الأمنية لمحاولة محاصرة أشكال التطرف، أن تكون المقاربة شاملة ولا تستثني هذا الطرف أو ذاك من خوض المعركة. وهنا أود لفت الانتباه لحاجتنا إلى الأمن الثقافي بالأساس الذي يتحمل مسؤوليته وبالدرجة الأولى المبدعون لما لهم من تأثير فعال في التصدي لكل الأفكار الرجعية الهدامة، ومواجهة ما صرنا نلحظه من فتاوى تحريضية على كراهية الآخر والميل إلى ظلمات التخلف والانغلاق التي تعادي أي تنوع أو تعدد. ومن هنا يلزم على المثقفين المغاربة الالتفاف حول بعضهم البعض بشكل موحد على أساس العمل في إطار مشترك وواضح المعالم، ومن ثمة وضع كل طاقتهم، المعول عليها حاليا أكثر من أي زمن مضى، بما لها من تنوع رهن إشارة القضية، وفي خدمة محاربة ما يهدد التعايش السلمي ويزرع في المقابل بذور نبذ الاختلاف المغتالة لقيم التسامح. ولنا في ما يقع بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من تنام للنزعات العدوانية المتعصبة الدافع المقنع كي يقوم هؤلاء المثقفون بدورهم لأجل نشر قيم الحداثة والتنوير إزاء وضع ملتهب ويئن تحت وطأة التهديدات وتداعيات التمييز العرقي والديني والسياسي. ولعل هذا ما نجد مغزاه في دعوة الملك محمد السادس لمراجعة النظر في المناهج التعليمية الدينية ببلادنا، والتي جاءت في الوقت المناسب، مما يتطلب التعجيل لغاية الدفع بها إلى حيز التفعيل. طالما أن المدرسة تظل المشتل الذي من الممكن الانتظار منه تفريخ أي شيء سواء كان سلبيا أو إيجابيا، حسب طبيعة ما يدرس وما يتسلل إلى المؤلفات والكتب سواء كان يستند إلى القيم الكونية لحقوق الإنسان أو العكس.

 

عبد الإله بنعبد السلام، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان

 

نود فعل الكثير لصالح التسامح وقبول الآخر.. لكن المنع الذي يطالنا كبل نضالنا

لابد أن أجدد التذكير بداية بأن لدينا في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إيمانا عميقا بقيم هذه الحقوق ومبادئ التسامح وقبول الاختلاف، الذي يقود إلى العيش المشترك بين كافة مكونات المجتمع بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس. وفي هذا الصدد، يقوم عمل الجمعية على ركيزتين: أولهما الحماية ثم النهوض. فأما بالنسبة للحماية فإنها تتمثل في الدفاع عن تلك الحقوق الإنسانية وفضح المستهينين بشأنها، كما مؤازرة ضحاياها. في حين يتجسد النهوض على مستوى نشر وتعميم ثقافة حقوق الإنسان.
وحتى أؤكد انخراطنا في هذا الاتجاه، سأعطي مثال الشراكة التي عقدناها منذ سنة 2004 مع وزارة التربية الوطنية كطرف من جهة، وطرف ثان يضم كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية فرع المغرب، فضلا عن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، حيث كانت الحصيلة القيام بمجموعة زيارات لمؤسسات تعليمية، مع الإشراف على عدة أنشطة لفائدتها. هذا، وكان لنا سبق في القيام بدراسة حول تصور نساء ورجال التعليم لحقوق الإنسان. الأمر الذي انتهى بنا إلى الخروج بخلاصات غاية في الأهمية، والتي أثبتت مدى الصعوبات التي يواجهها المشتغلون بميدان التعليم على مستوى منظومة حقوق الإنسان في مؤسساتهم. ومن ثمة، عملنا على مد يد المساعدة لغاية تشكيل نواد لحقوق الإنسان في المؤسسات التعليمية، مع تنظيم أيام التسامح ونبذ العنف وكل أنواع التطرف. ومن أجل توضيح الصورة أكثر، فقد استهدفنا ما بين سنتي 2011 و2014 نحو 45 ألف شخص منهم تلاميذ بالمستوى الابتدائي والإعدادي والثانوي، وأيضا الجامعي، إلى جانب الأساتذة. وكل ذلك في سياق نشر ثقافة حقوق الإنسان.
غير أنه ومنذ الهجوم الذي تعرضت له الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ابتداء من تصريح وزير الداخلية تحت قبة البرلمان في يوليوز 2014، تم تطويق تحركاتنا من خلال المنع الذي طالنا على صعيد استغلال الفضاءات العامة وكذا الخاصة كالفنادق مثلا. بل منعنا حتى من ولوج فضاءات وزارة التربية الوطنية من مدارس وثانويات وجامعات. أقول هذا لأؤكد أن جميع تلك القرارات الصادرة في حق الجمعية لم تكن إلا لتحد من نضالنا وتكبل الكثير مما نود القيام به من أدوار في سبيل النهوض بثقافة حقوق الإنسان. خاصة وأنه لا أحد صار الآن يشك في محدودية نجاعة المقاربة الأمنية لوحدها في مواجهة الإرهاب. بل لابد من مقاربة شاملة تقف عند الجذور الأساسية لتفشي الظاهرة، والتي نجدها في انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، زيادة على آفة الأمية والجهل. لذلك لم يعد لنا اختيار في الانخراط الجماعي، سواء تعلق الأمر بالمنظومة التربوية أو التعليمية أو الإعلامية بشتى أصنافها القديمة والحديثة، لأن بهذه الكيفية يمكن ضمان وضع خطوة إلى الأمام في هذا المجال. أما الاكتفاء بالشق الأمني فلن يفضي وبكل تأكيد إلى ما نصبو إليه من تسامح وقبول الرأي الآخر.

 

محمد رشيد شريعي، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان

 

على الدولة الالتفات إلى ما يجري بين أسوار دور التعليم العتيق

في البداية لابد من الوقوف على أمور أساسية من شأنها أن تجعلنا نحدد مكامن الخلل في هذه الظاهرة التي هي بالنسبة لنا دخيلة على مجتمعنا، حيث يتبين أن تدني الأوضاع الاجتماعية وتصدعها من بين أهم المسببات الموقدة لفتيل الفكر المتطرف. وذلك نتيجة تفشي علل الفقر والبطالة والإجرام بكل تجلياته، إضافة إلى المشاكل الأسرية بكافة تلاوينها. الأمر الذي يسهل الطريق أمام ظهور مختلف أوجه الانحرافات المهددة لأمن وسلامة البلاد. والدليل أن أغلب من ضبط تورطهم في أعمال تخريبية سابقة تأكد انحدارهم من أوساط هشة، تعاني من مستوى معيشي مرهق ومشبع بكل بواعث اليأس والتذمر.
ومن هذا المنطلق، كان من الضروري معالجة هذه الخلفيات في صميمها عبر تحليل عميق لأشكال ذلك التفكك الاجتماعي، والقيام بدراسة علمية حول تلك الآفات. بدل الاقتصار على المقاربة الأمنية التي تنهجها الدولة طالما أنها لم تكن يوما هي الحل الوحيد للأزمات على الرغم من مساهمتها المشهود لها في مخطط المحاربة.
وبطبيعة الحال، فإذا كان المغرب يبذل قصارى جهده لتطويق هذه الظاهرة من وجهة المقاربة الأمنية، فإن عملا جبارا ينتظره بشأن الاشتغال على شيوع قيم التسامح وقبول الآخر على مستوى المعرفة الدينية في المجال التعليمي، وتحديدا بين أسوار دور التعليم العتيق التي يتهمها البعض بتفريخ أصحاب الأفكار العدائية والمتشبعة بالنوايا الوهابية الغريبة على وسطنا. وعليه، ثبت بأن هناك قصورا صارخا في عملية التنشئة والتواصل الجماعي، وما يفرضه من حاجة ماسة إلى ترسيخ آليات تربوية وبيداغوجية معاصرة بغية تنوير الفئات العمرية المتمدرسة وتعريفها بمخاطر العنف ومساوئه بالموازاة مع إبراز إيجابيات قيم الإخاء والتسامح، وتأثيرها البين في أي خطوة تقدمية ينشدها البلد في تجاه مصاف الدول الديمقراطية.
ولعل هذا ما فتئت المنظمات الحقوقية تقتفي مجراه، سواء بواسطة دق ناقوس الخطر من الانعكاسات  السلبية للاختلالات المجتمعية على الأمن الروحي للوطن، أو عبر إبداء موقفها المدين للدعوات التحريضية والمستنكر لأي عمل إرهابي غاشم، وأيضا الإعلان عن التضامن المطلق مع ضحايا الاعتداءات الإجرامية. وبالمناسبة، فإن هذا ما كنا ولازلنا على هديه في أجندة عملنا. كما أننا لطالما عبرنا عن مناشدتنا الدولة المغربية حتى لا تكتفي بالمعالجة الأمنية والقضائية، وإنما تتعداها إلى الانفتاح على منافذ أخرى تشاركية، كل من موقعه، حتى تكون المقاربة عامة وكاملة بما يضمن اجتثاث الفكر المتطرف من جذوره، وتجفيف منابع انتشاره.

 

محمد حمضي، عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالشمال

 

الحاجة لبناء قبة حديدية تحمي المدرسة المغربية من القصف الجهادي

لايمكن لأي متتبع حقوقي، إلا تثمين التعليمات الملكية الأخيرة الموجهة لوزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية، بضرورة مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية، من خلال إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة، تثمين لهذه المبادرة الجريئة، رغم أنها جاءت متأخرة، ومما يجعلها ضرورة، هو أنه منذ بداية إصلاح الحقل الديني، كان لابد من استحضار المدرسة العمومية أو التعليم الخاص في مختلف أسلاكه، خصوصا المدرسة العمومية التي أصبحت عرضة للقصف من جهات وأشخاص لهم فهم خاص للدين ولقيمه، ولمنظومة حقوق الإنسان ككل. ومن هنا جاء الطلب الذي وجهه إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى وزير التربية الوطنية، لتمكين مجلسه من عضوية اللجنة التي ستعكف على إعداد المناهج التعليمية، بهدف إضافة البعد الحقوقي في المناهج المقبلة، وهذا الطلب هو من صميم عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من حيث النهوض بثقافة حقوق الإنسان في البلاد، وبالتالي سيكون لممثل المجلس في هذه اللجنة حضورا إيجابيا..
بغض النظر، وعلى أهمية مراجعة المناهج التعليمية من حيث الشكل والجوهر، فإن الأساس هو أن تكون هذه المراجعة موازية لتأهيل العنصر البشري، والمقصود هو هيئات التدريس، مادام أن هذا المدرس أو تلك المدرسة هما من سينزلان المراجعة الجديدة لأرض الواقع. كما أن الدور كبير، دائما في موضوع تأهيل العنصر البشري، المتعلق ببعض المجالس العلمية المحلية، عليهم أن يلتقطوا هذه الإشارة الملكية، فللأسف أن بعض أعضاء المجالس العلمية، بعيدون كل البعد عن ثفافة حقوق الإنسان والقبول بالآخر، كما يتم توظيف السياسة في الدين، مما يجعل حقلنا الديني مخترقا..
السؤال الذي يطرح، أليست هذه المدرسة العمومية التي حملناها مسؤولية الزيغ عن قيم التسامح والوسطية والاعتدال وأخرجت لنا متطرفين وإرهابيين، هي نفسها التي أخرجت لنا قطاعا عريضا من الكفاءات العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية..؟ نعم لايمكن نكران هذا الأمر، وللمدرسة العمومية دور في خلق طليعة متنورة، لكن هذا كان في السابق، لما كانت هيئات التدريس تتكون من أساتذة متنورين ومنفتحين، العالم اليوم تغير، وأصبح بحكم وسائل التواصل الاجتماعي قرية صغيرة، يتم تداول الأفكار فيها بتأثير وتأثر، ومن هنا وهناك تقدم إلينا رياح من الشرق والغرب تحمل في طياتها كراهية وحقدا وتطرفا، وهو ما يستلزم تحصين المدرسة اليوم بهذه المراجعات في مناهج ومقررات تدريس التربية الدينية.

 

توفيق برديجي، رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بكليميم

 

الاهتمام برجال التعليم ضمانة لتحصين المغاربة

تكتسي التنشئة الاجتماعية أهمية قصوى في بناء المجتمعات، من خلال بناء وترسيخ القيم المجتمعية المفرزة والمتوافق حولها ضمنيا أو صراحة من مكونات هذه المجتمعات. وتعتبر المؤسسات التعليمية قناة حاسمة من قنوات التنشئة الاجتماعية، لذا يعد الاهتمام بملائمة المناهج لقيم المغاربة كما هي متفق عليها ضرورة حتمية للتطور وبناء المستقبل، خصوصا قيم التسامح والتعايش وقبول الاختلاف والوسطية والاعتدال وهذا يجب أن ينسحب الى كل المواد، ويتطلب مجهودات مضاعفة لملائمة النصوص المعتمدة من سن التلميذ وقدرته على التعاطي مع النماذج وتمثل القيم المستنبطة من الأمثلة.
كما أن التربية على حقوق الإنسان كما صادق عليها المغاربة في دستور 2011، يجب أن تكون حاضرة في كل المواد الدراسية، بحيث ترتبط بالمعيش اليومي للتلميذ ولا تكون مادة تلقينية جافة. ويجب أن تكون محور بناء الإنسان الذي يجب أن يكون منفتحا ومبتكرا مفكرا وذا حس نقدي يؤهله للتعاطي مع الأخر دون كراهية ولا حقد رغم الاختلاف. كما أن التربية على المواطنة تكتسي أهمية تحفيز المشاركة في الشأن العام وحماية الممتلكات العامة والرصيد العام. ونفس الشئ جاء في الأمر الملكي الذي دعا الى مراجعة مناهج التربية الإسلامية بحيث تبرز قيم الاعتدال والوسطية التي تبناها المغرب منذ القدم.
ويعتبر العنصر البشري المؤهل لتحقيق هذه الأهداف محوريا، لأن المدرس لا يشكل مصدرا للمعرفة والمعطيات والمهارات فقط، بل هو قدوة بالنسبة للأطفال في السن الحاسمة، سن بناء الشخصية لذا يجب إعطاء أهمية قصوى لتكوين وإعادة تكوين المدرسين وكذا تحسين ظروفهم والرفع من مكانتهم الاجتماعية التي تشكل حافزا للقيام بهذه الأدوار المهمة.