لما اغتيل الرئيس الأمريكي كينيدي عام 1963، ازداد منسوب الجرعة لدى الرأي العام الأمريكي في الحق في معرفة كل ما يهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا الحق في معرفة أين سيذهب ومتى سيخرج ولماذا تنقل ومن رافقه في التنقل، وبأي وسيلة تنقل ومن سيتولى حمايته في خرجاته.
طبعا الأمريكيون ليس لهم الوقت أو الإمكانية الفيزيقية لأجرأة هذا الحق، فتم التوافق حول آلية راقية تتمثل في توسيع هامش الصحافيين وهامش وسائل الإعلام. وذلك بإعادة النظر في وظيفة الصحافيين المعتمدين لدى البيت الأبيض، إذ أصبح لكل الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والإلكترونية مندوب يمثلها في البيت الأبيض يتتبع كل تحركات الرئيس لضمان حق المواطن الأمريكي في المعلومة، وهي الضمانة التي يجسدها تنوع وسائل الإعلام وتباين توجهاتها وخطها التحريري.
في المغرب يمكن أن نقيس الوضع بما بعد دستور 2011 الذي أحدث وثبة على ثلاث مستويات:
الأولى: أن الملك لم يعد له هامش تعيين سائقه (والعهدة على المرحوم الحسن الثاني) رئيسا للحكومة، بل أصبح هذا الأخير يختار من الحزب الذي احتل الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.
ثانيا: أن الشأن الحزبي لم يعد مغلوقا أو ممنوعا على المواطنين تتبعه، بل أصبح الشأن الداخلي الحزبي (أيا كان لون الحزب) حقا لكل مواطن، لأن رئيس الحزب قد يصبح هو المقرر في السياسة العامة للبلاد غدا في حالة فوز هيأته بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وبالتالي من حق المواطنين معرفة كيف يصنع الرئيس المقبل للحكومة ومن هم رجالاته، وماهي انشغالاته وتصوراته وأهوائه وميولاته وإشراقاته وعيوبه، بل ومعرفة حالته الصحية، وهل هو قادر عقليا وجسديا على إدارة شؤون الدولة أم لا.
ثالثا: دستور 2011 قام بدسترة الحق في المعلومة، وهو الحق الذي ناضل الشرفاء بهذا البلد لعقود كي يتم تأمين أبسط حق من حقوق الإنسان ألا وهو تمكين المواطن من المعلومات ليتسنى له اتخاذ القرار الصائب.
للأسف، بقدر ما كان اغتيال كينيدي نقمة أثمرت نعما كثيرة على الشعب الأمريكي، وعلى رأسها تحصين الشعب بدروع بشرية أو إشاعة أو تسريب مخدوم، بقدر ما كان دستور 2011 نعمة للحكومة ونقمة على الشعب المغربي الذي صوت عليه. فلحد الساعة ومنذ انعقاد المجلس الوزاري بالعيون يوم 6 فبراير 2016 ما زال الرأي العام محروما من معرفة أسماء الولاة والعمال والسفراء الذين اقترحتهم الحكومة في المناصب السامية، والحال أن الأمر يهم شأنا عاما مباحا وليس أسرارا عسكرية أو مالية أو شخصية.
فالناطق باسم القصر (وهذا ما سبق لنا توضيحه) دوره ينحصر في الوقوف سدا منيعا ضد الخرجات غير المتزنة لرئيس الحكومة، الذي منذ تعيينه في هذا المنصب وهو يطنب في استغلال اسم الملك بشكل «حامض». فتم الاهتداء لإعادة إحياء مؤسسة الناطق باسم القصر حتى لا يبقى رئيس الحكومة عبد الإلاه بنكيران يطلق الكلام على عواهنه كلما تعلق الأمر بالملك.
والناطق باسم الحكومة، المفروض أن يكون أكثر حرصا على إخبار الرأي العام بما تقترحه الحكومة، نراه «غابر» هذه الأيام وترك المواطنين فريسة بيد الإشاعات.
والناطق باسم الشعب ليصارح الشعب باللائحة الرسمية للمسؤولين المعنيين لم يخلق كمنصب بعد.
وفي انتظار ذلك من حقنا أن نتساءل: ما هو دور مؤسسة الناطق الرسمي باسم الحكومة أصلا؟ وما هي القيمة المضافة التي حملتها هاته المؤسسة للمشهد للسياسي عامة؟ وهل ينبغي أن نبقى على هذا المنصب في الهندسة الحكومية المقبلة؟