الحلقة الثانية من سلسلة سبع حلقات، نتناول من خلالها مجموعة من المواقف والقراءات عبر عنها بصدق ووفاء وإخلاص الفاعل المدني والجمعوي والرياضي الإطار محمد النوري، تقدمها "أنفاس بريس" للقراء لإنعاش ذاكرتنا الرياضية الوطنية ونستخلص منها العبر.. مواقف تتضمن قضايا الرياضة والرياضيين، استحضر من خلالها محمد النوري مسار الرياضة عبر التاريخ والذاكرة الشعبية، مرورا بالنبش في كونها كانت مدخلا نضاليا للوطنيين ضد المستعمر، بعد أن حولتها مافيا الريع لمستنقع متعفن تستفيد منه "نخبة الرياضة" ضدا على تطلعات الشعب المغربي وإقصائه من التمرين على الآليات الديمقراطية بواسطة الرياضة وإشراكه في قراراتها مما انعكس على جميع الرياضات الجماعية سلبا وتدحرجت من الريادة نحو الردة.. فما هي إذا خلاصات الفشل الرياضي، حسب النوري؟
- الرياضة بوابة النضال لمحاربة الاستعمار:
سيطرت فرنسا عسكريا واقتصاديا على المغرب بعدما تحولت الحماية إلى استعمار حقيقي شمل كل أنواع التدجين لفصل المواطن المغربي عن واقعه وإلحاقه بقيم وعادات فرنسا، في البداية تكونت أندية clubs خاصة بالكرة الحديدية أو التنس لا يمارسها إلا الفرنسيون، وكانت بمثابة تجمعات ترفيهية لا تهم ممارسي الرياضة وحدهم، بل حتى عائلاتهم، لأن هذه الأندية تضم مقاهي ومطاعم وحانات. ولا تزال بعض هذه الأندية قائمة في بعض المدن خاصة الرباط والبيضاء، نذكر على سبيل المثال نادي سطاد المغرب والأولمبيك المغربي بالرباط، والريك والكوك وس.م.س وغيرهم بالبيضاء.
وتكونت من بعد فرق لرياضات أخرى، وخاصة كرة القدم التي كانت تشارك في بطولة تابعة لعصبة شمال إفريقيا، وهي فرق تكونت في غالبيتها من الفرنسيين الذين كانوا يسيطرون على التعليم والاقتصاد، ولم يسمح للمغاربة بدخولها إلا بعد سنوات وبعد أن يكون اللاعب من النوابغ.. وبالفعل أن كل من دخلوا إلى تلك الفرق فرضوا وجودهم، واحترفوا بفرق فرنسية وإسبانية، بل أن بعضهم كان أساسيا وهدافا في المنتخب الفرنسي "العربي بن مبارك، بلمحجوب، عبد الرزاق الوركة...". هذا الأخير احترف بفرنسا وإسبانيا والمكسيك. نفس الشيء عرفته ألعاب القوى حيث تكونت فرق عديدة في المدن الكبرى التي كانت تشارك في الإقصائيات على صعيد عصبة شمال إفريقيا.
هذه الأندية كان وراءها مسيرون فرنسيون وأطرها مدربون فرنسيون كان معظمهم من مدرسي مادة التربية والرياضة بالمدارس والثانويات العمومية، لكن منطقة استقطاب المغاربة إلى هذه الرياضة كانت من داخل الثكنات العسكرية حيث كانت بطولة خاصة بهم، والبارزون منهم يتم إدماجهم بالمنتخب الفرنسي.. وأبرز اسم كان هو الطاهر بن اسماعيل والذي عاصر العداء الشهير بكيلا وكان منافسا له في سباقات العدو.. و كان من المنتظر أن يفوز هذا العداء بأحد الميداليات الأولمبية، ولكن من سوء حظه توقفت الألعاب الأولمبية بفعل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وقد صمدت أرقامه القياسية لمدة تزيد عن عشرين سنة، توفي في نهاية التسعينات من القرن الماضي ونعتته وكالة المغرب للأنباء بشيخ العدائين العرب.
عبد السلام الراضي أخذ المشعل وانتقل من المنتخب الفرنسي إلى المنتخب المغربي عقب الاستقلال وفاز بأول ميدالية للعرب في الألعاب الأولمبية بروما سنة 1960 "فضية الماراطون"، لا يسمح المجال لذكر كل العدائين الذين فرضوا وجودهم في تلك الحقبة، لكن الأساسي في ذلك أن بعض المغاربة الذين انخرطوا في تلك الفرق أو الذين تحملوا مسئولية التسيير بها كان هدفهم هو مناهضة الاستعمار والنضال من الداخل، وحتى أن الوطنيين الذين أسسوا تلك الفرق أعطوها أسماء ذات دلالة كالوداد البيضاوي من طرف حزب الاستقلال أو الفتح في مواجهة فريق سطاد.. وفرق أخرى على نفس المنوال بمدن أخرى، ومن المستملحات التي تحكى أن أحد المناضلين الاستقلاليين كان يواجه الفرنسيين أثناء تشجعيه للفريق ببطة كانت تصحيح و"اك واك" بفعل لكزه لها.