عاد فريق المولودية الوجدية لكرة القدم إلى مكانه الطبيعي في القسم الوطني الأول بعد سنوات عجاف قضاها في رحاب القسم الوطني الثاني. لم تكن العودة سهلة ولا هينة، تطلبت إمكانيات ضخمة واستنفرت طاقات هائلة، وظلت معلقة إلى آخر دقيقة من آخر مباراة في البطولة، ومرهونة بأقدام لاعبي فرق أخرى آثرت تغليب الروح الرياضية والمنافسة الشريفة على ما سواها من ممارسات مشبوهة لا تمت للقيم الرياضية بصلة.
لقد أعاد الصعود الذي حققته المولودية الوجدية البسمة إلى عشاق سندباد الشرق وما أكثرهم، أشعل فرحة عارمة في أرجاء المدينة، وتهافت الجميع على تبني هذا الإنجاز، أعيانا وسلطة ومنتخبين، فالنصر له أكثر من أب، فيما الهزيمة يتيمة ومسؤوليتها يتقاذفها الجميع في وجه بعضهم البعض، والكل يحاول التبرأ منها.
أطلقت هذه الأجواء المفعمة بالغبطة والفرح، العنان لنقاشات واسعة ومستفيضة استذكرت الماضي الجميل، ولكنها استشعرت جسامة ما ينتظر مستقبل الفريق ضمن مجموعة الصفوة التي طالما ارتعدت فرائص فرقها عندما كانت تواجه المولودية في الماضي، وتسمع أسماء فرسانها، الذين شكل معظمهم إضافة نوعية للفرق الوطنية على اختلاف أنواعها ودرجاتها.
ومن متابعة النقاشات والحوارات التي كانت المولودية الوجدية وصعودها محورا لها طيلة فصل الصيف في مقاهي مدينة وجدة، وعلى رمال شاطئ السعيدية، وفي مدن الرباط والدار البيضاء حيث للفريق مناصرون كثر، يبدو أن القلق يستبد بالجميع حيال مستقبل المولودية، وهي تخوض لأول مرة تجربة العصبة الاحترافية، ومتطلباته، وذلك رغم أداء فوق المتوسط إبان الشطر الأول من البطولة واحتلالها الرتبة الثامنة ب 19 نقطة.
ومرد هذا القلق الأساسي ليس فقط تذبذب الأداء في الملعب الذي تراوح بين أداء بطولي في بعض المباريات وبين الهزالة وغياب روح القتالية في مباريات أخرى، وإنما ما صدر عن إدارة الفريق من تذمر بالنسبة لشح الموارد وقلة الدعم وغياب المساندة المادية، رغم الوعود الكثيرة، وما لوحظ من مردودية تقنية متوسطة جدا للتركيبة البشرية الجديدة للفريق، التي يبدو أنها ما زالت لم تستأنس بما فيه الكفاية مع منافسات أجواء الاحتراف، ولم يستوعب بعضها الحمولة التاريخية للفريق، وما يمثله من قيمة لدى ساكنة المدينة الألفية، خاصة اللاعبين القادمين من خارج المدينة والمنطقة الشرقية.
في ظل هذه المعطيات الجديدة على الفريق، المتميزة ببدء الممارسة الاحترافية الحقيقية كما تتضمنها دفاتر التحملات، التي تثقل كاهل جميع الفرق إلا المحظوظة أو المحظية منها، ليس مستغربا أن تدور معظم الأسئلة والتساؤلات عن الإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة للفريق للصمود في حظيرة قسم الكبار، وترسيخ مكانته مجددا.
هذه التساؤلات والهواجس التي تنبثق من رحمها تدور أيضا حول القدرات المتوفرة إداريا ذات الكفاءة العالية لاستشراف المستقبل والتخطيط جيدا لتحقيق النتائج المتوخاة والإنجازات فيما بعد على أمل وصل الحاضر بالماضي التليد الذي يدغدغ مشاعر المشجعين، ويوقظ الحنين إلى حقبة زاهية من تاريخ الفريق.
صحيح أن الإكراهات كبيرة والإمكانيات المتاحة ليست في مستوى التطلعات، ولكن القلق في مثل هذه المواقف مشروع ومحمود في آن واحد. مشروع لأنه صادر عن عشاق يحبون الفريق، ولا يأملون له سوى الخير، راغبين في تخليصه من أسر التاريخ الذي يحضر تلقائيا عند أي حديث عن الفريق، سيما وهو يسجل اسمه بمداد من ذهب في السطر الأول من الصفحة الأولى من كأس العرش في السنة الأولى لاستقلال البلاد ؛ ومحمود لأنه مستفز للإرادات ولركوب التحديات، ويتطلب ضرورة تعبئة كل الطاقات.
إن أول خطوة في سياق التعبئة المأمولة هو البدء في التخطيط بشكل شامل ومتكامل لكل عناصر اللعبة التي يمكنها المساعدة في نجاح الفريق واستعادة بريقه وهيبته، ومن ثم أمجاده، وذلك بشكل بعيد عن العشوائية وسياسة ترك الأمور للصدفة والأهواء والزمن يحلها سواء تعلق الأمر باللاعبين أو الأطر الفنية ونوعية المسيرين، وكافة المتدخلين في المنظومة الكروية بما في ذلك الاتصالات الخارجية والتواصل المثمر مع المنابر الإعلامية.
وفي تخطيط كهذا ينبغي الحذر من عودة أطماع البعض في استخدام الفريق مرة أخرى مطية سياسية لهذا الفصيل السياسي أو ذاك. وقد لاحت بعض الإرهاصات الأولية بألوان وشعارات سياسية جديدة هذه المرة، مدفوعة بإغراءات موجودة في فرق وطنية أخرى. هذه الألوان السياسية يبدو أنها لا تعرف أو تناست أن التاريخ يسجل بأن التدهور الذي طال الفريق في نهاية السبعينات حصل عندما حاول تنظيم حزبي وليد حينها اختصار طريق البحث عن الشعبية بالركوب على صهوة جواد جماهيرية المولودية التي كانت في الأوج آنذاك.
وقد تأتى لذلك التنظيم الحزبي ما أراد في ذلك الوقت، ولكن بشكل مؤقت؛ الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام دخول الحساسيات السياسية جسم الفريق، مسيرين ولاعبين وجمهور ممزوجة بالعديد من الإغراءات المعسولة، ما دفع الوصوليين والانتهازيين إلى الالتفاف حول الفريق ومكتبه المسير، فيما فضل العديد من الغيورين والشغوفين الأكفاء الانسحاب من المشهد تاركين الفريق يجر أذيال الخيبة سنة بعد أخرى ينزل ويصعد، عقيما لا يقدم إضافة نوعية للكرة المغربية تذكر كما في السابق إلى أن هوى وظل يترنح طويلا في القسم الوطني الثاني.
ولذلك، فإن التعبئة المطلوبة الآن، والتي يجب أن تكون شعار المرحلة بالنسبة للمولودية الوجدية، هي التعبئة العفوية، التلقائية والشاملة، التي يعود الفريق معها كما كان فريقا للمدينة كلها بجميع ألوانها السياسية والثقافية وفعالياتها الاقتصادية والاجتماعية. فالفريق بهذه الصيغة الجامعة يمكنه أن يشكل إذا أحسن استثماره قاطرة تنموية للمنطقة برمتها، ومشروع أمل لمدينة بأكملها تنفست دائما عبق كرة القدم، واستلذت نسماته الفواحة.
إن الفريق يعاني مع بداية موسمه ضمن الكبار من غياب المحتضنين والمستشهرين الذين يرفدون ماليته ويفكون قليلا ضائقته، مساعدين له على تدبير تسييره دون حرج، وبما لا يؤثر على معنويات مكونات الفريق. ولكن هذا النوع من المستشهرين والمحتضنين باستثناء الشغوفين أو الذين يوعز لهم بذلك لن يأتوا إلا مع النتائج الإيجابية وتنامي آمال الفريق، وتزايد بعده الجماهيري وتوسع قاعدته الشعبية، وتقديمها صورة حضارية عن التشجيع والانتماء المديني الحق.
ومما لا شك فيه، فإن توسيع قاعدة المنخرطين بتخفيض قيمة رسم الانخراط يمكن أن تؤمن للفريق موردا ماليا قارا، وإمكانية الاستفادة من فعاليات وقدرات وكفاءات تنتمي للمدينة في مجال الاتصال والتواصل لن تكون سوى ذات مردود إيجابي. ويتطلب هذا الأمر التعالي عن الحسابات والحساسيات الضيقة، ونميمة المقاهي والتهديد المستمر باللجوء إلى إشهار الفيتو ضد بعض الراغبين في الانخراط بدعوى أنهم مغرضون أو مشوشون، فالخلاف في الرأي ظاهرة صحية قبل أي شيء آخر.
يبدو واضحا إذن أن الجماهيرية موجودة في حالة المولودية ويمكن القول أنها في حالة كمون، ينبغي فقط استنهاضها ليس بالحماسة الآنية كما حصل خلال مقابلتي الرجاء والوداد البيضاويين، وهو أمر مستحب، ولكن عبر إيجاد صيغ خلاقة لإعادتها إلى المدرجات باعتبارها خير محتضن، وخير من يخشى خدش سمعة الفريق وهيبته ومكانته؛ على أن تتم تلك الإعادة بشكل تعبوي ومنظم من دون الخضوع للأصوات العالية "الحياحة" التي تسيء للفريق أكثر من إفادته، وقد تبعد عنه المتعاطفين الحقيقيين، الذين يرفضون ولوج المياه العكرة.
وغير خاف أن البنية التحتية لاستيعاب الجمهور ممثلة في الملعب الشرفي تفي بالغرض في هذا السياق، والواجب أن تجري الاستفادة القصوى من طاقتها الاستيعابية لاستدراج مشجعين ومتفرجين جدد عبر شراكات بأسعار معقولة أو حتى رمزية في البداية مع المدارس والثانويات بتنسيق مع الأجهزة المحلية الأمنية والمدنية وتخصيص مدرجات خاصة، وأبواب محدد لولوج هذه الفئة تماما كما كان عليه الوضع في نهاية السبعينات، وبالسماح للآباء والأمهات بمرافقة أبنائهم.
ومن شأن هذا الأمر، الذي سيحدث قطيعة بين المحرضين على العنف وهم قلة قليلة، وبين أطفالنا، مما سيقلل كثيرا من ظاهرة نزوع هذا الصنف من الفتيان اليافعين والمراهقين إلى أعمال الشغب في المدرجات وخارجها بشكل بات يقض فعلا مضجع المجتمع والسلطات الأمنية والمحلية في المدن خشية من تنامي الظاهرة.
إن خطوة كهذه من شأنها ليس فقط توسيع شعبية الفريق وضخ مبالغ مالية في خزائنه، ولكنها في سياق مشروع أمل للمدينة كفيلة بإعادة الانضباط للملاعب، ولجم ظاهرة الشغب التي تعاني منها هذه الأخيرة، وتمتد إلى خارجها في الأزقة والشوارع المتاخمة لها. ومع ذلك فهي ليست كافية ما لم تصاحبها سياسة تكوين وتأطير للاعب المحلي ابن المدينة الأكثر قدرة على التفاعل مع الجمهور في الملعب وخارجه، والذي ترعرع في أجواء الشغف بالفريق وسمع عنه الكثير.
إن تاريخ المولودية الوجدية المحبب عند أي نقاش حول هذا الفريق العريق يدعم هذه الفكرة، سيما وأن هذا التكوين كان توجها أصيلا في مخططات الفريق في الماضي، إذ كان يتم داخل الفريق، وبالفريق الرديف "الشهاب الوجدي" ناهيك عن التعاون مع فرق المدينة والمنطقة الشرقية الأخرى، التي أتى منها للمولودية لاعبون مرموقون أعطوا كثيرا للكرة الوجدية والوطنية أيضا.
ومع ذلك، فإن هذا التاريخ المجيد لن يعود في يوم من الأيام فيرتدي القميص الأخضر والأبيض لينزل إلى الميدان مرة أخرى ويكرر إنجازاته. وحده التكوين الجدي والعلمي يعطيك اليوم لاعبا بمواصفات جيل الزمن الجميل. لاعب منتم لروح الفريق، متشبث بقميصه مستعد للعطاء السخي، ما يرفع أسهمه في سوق الاحتراف فيساعد في توفير السيولة المالية بطريقتين مختلفتين :
- عبر الاستغناء عن رصد مبالغ لجلب لاعبين آخرين في إطار ظاهرة الميركاتو الدخيلة لتصرف في مجالات أخرى أو فقط لجلب اللاعب المميز الذي يقدم الإضافة النوعية كما هو الحال في كل فرق العالم.
- تهيئة لاعبين مؤهلين لتسويقهم داخليا وخارجيا وتأمين مداخيل جديدة لتأمين تكوين أفضل وفق تخطيط مدروس وسليم، تسهر عليه أطر كفؤة ومؤهلة وغيورة ولها أيضا روح الانتماء للنادي، وتستشعر لهفة جمهوره فتنقلها للناشئة.
الحلم مشروع، والأمل قائم والنوايا الصادقة متوفرة، ولكن الطريق ليست مفروشا بالورود، والمنافسة على التميز تزداد حدة، وما على المولودية الوجدية بكافة المكونات وعلى الغيورين عليها سوى استنهاض العزائم والهمم. إذا صفت النوايا فلا أعتقد أن أحدا سيخذل المولودية.