التساهل مع أمينتو حيدر والخونة: هل هو جبن من الدولة؟

التساهل مع أمينتو حيدر والخونة: هل هو جبن من الدولة؟

ارتبط سلوك الخيانة بتفاعلات بناء أنظمة الحكم منذ تأسست الدولة في المغرب، وسواء اتخذ هذا الفعل شكل التمرد والعصيان، أو شكل العمالة لدولة أخرى، فإن هذا الجرم ظل صفة ملازمة للنظام السلطاني المغربي. حدث ذلك زمن الموحدين حين واصل بنو غانية تمردهم على السلطان، وزمن العلويين من خلال نماذج عديدة، بدءا من تمرد أحمد بن محرز ابن أخ المولى إسماعيل، وتمرد محمد العالم السلطان نفسه، وانتهاء بالباشا الكلاوي وابن عرفة... ومع ذلك فقد كانت لكل أشكال الخيانة ما يبررها بالنظر إلى طبيعة النظام السلطاني حيث كان بناء الدولة يعني موضوعيا وجود مناطق خاضعة للسلطة المركزية، ومناطق خارجها ضمن ما كان يعرف ببلاد السيبة. لقد كان هذا النظام يبني ذاته على فكرة تطويع المناطق المتمردة بالقوة بهدف إدراجها ضمن النظام، وذلك خارج البنيات الكونية التي لن يتم إرساؤها إلا في الأزمنة المتأخرة، إثر ميلاد مفاهيم الوطن والدولة الحديثة والديمقراطية والسيادة، وإثر انخراط الدول الناشئة في هذا التعاقد.

وإذن فميلاد هذا المفاهيم قد غيرت معطيات وقواعد التعامل مع سلوك خيانة الوطن. ذلك أن التعاقد قد ألزم جميع الأفراد المنضوين تحت سقف الوطن الواحد بالالتزام بالوفاء لهذا الوطن. ولذلك لم يعد بنو غانية والكلاوي مثلا يوجدون في نفس المقام الذي يوجد فيه خونة اليوم لأن بنيات السيادة المستحدثة صارت تفرض قوانين تضبط معنى الانتماء للوطن، ويحدد الحقوق والواجبات.

أسباب نزول هذا الحديث تعود إلى السلوك المعلن لاثنين من المغاربة: أمينتو حيدر وزكريا المومني اللذان اختارا طريق الخيانة، مصحوبة بكل أنواع الابتزاز والتناور و«أكل الغلة وسب الملة». وهو ما صار يرسي في معجم الوطن والمواطن مفهوماً جديدا للخائن الجديد.

أميناتو مواطنة مغربية من مواليد أقا بإقليم طاطا، المدينة غير المتنازع حول انتسابها الطبيعي للمغرب، وتنحدر من عائلة مخزنية بامتياز تدرج أعضائها في خدمة السلطان وهي تتمتع بكل امتيازات الانتماء للوطن من حق اكتساب بطاقة الهوية وجواز السفر، وغيرها من حقوق الاقتراع وتأسيس الجمعيات، والاستفادة من وظيف عمومي. لكنها ترفض أن تلتزم بواجباتها تجاه الوطن. بل الأكثر من ذلك أنها ارتمت في أحضان الجزائر وتنسب نفسها إلى خط الانفصال، وتحاضر باسم هذا الخط لإسقاط سقف الوطن. أما زكريا المومني فقد زود فعل الخيانة بمنسوب عال من التناور. قضيته واضحة جدا. لقد طالب بالحصول على مزيد من الامتيازات المادية المبالغ فيها، وحين لم يلب له ذلك أعلن العصيان إلى أن ظهر في آخر خرجاته يمزق الجواز المغربي، بعد أن صار يفتى في شؤون السياسة المغربية. والحال أن الرجل لم يكن له، في أي يوم من الأيام، رأي في السياسة، بل هو صاحب سوابق إجرامية. ولأنه بئيس فكريا وسياسيا فقد مزق الجواز الذي هو رمز سيادي في كل الدول. وهو ما لم يقم به أعتى المعارضين المغاربة الذين حوكموا بالسجن والنفي والإعدام زمن رصاص الستينيات والسبعينيات. هؤلاء المعارضون لم يكونوا يمزقون جوازاتهم لأنهم يميزون بين مخاصمة النظام ومخاصمة الوطن كفكرة نبيلة تحقق الكرامة للذات وللوطن على حد سواء.

لنقرأ الآن سلوك أمينتو والمومني بمستوى مقارن رغم اختلاف السياقات، حيث أننا إذا استحضرنا، على سبيل المثال، حالة إدوار سنودن موظف جهاز المخابرات الأمريكية الذي كشف وثائق سرية على درجة كبيرة من الخطورة، فكان جزاؤه متابعة الدولة، ومطاردته في كل العالم من أجل تسلمه، وإخضاعه للمحاكمة بتهمة الخيانة وسرقة وثائق حكومية. يحدث ذلك دون أن نسمع احتجاجات مراكز حقوق الإنسان، لأن ما قام به الرجل في نظر الحكومة الأمريكية فعل خيانة، ولأن «الخيانة ليست وجهة نظر» أو «حرية تعبير». نسوق هذا المثال لنؤكد حاجة الدولة المغربية إلى ممارسة سيادتها وإلى أن تتمتع بكل الثقة في النفس، إذ لا يمكن أن يظل مسؤولونا مترددين في التفاعل مع هذا السلوك الخياني، وأسرى لفوبيا الآخر الذي نخاف منه حتى لا يتهمنا بخرق حقوق الإنسان. يجب أن يكون واضحا لدينا أن احتمال وجود أمينتو أميركية غير ممكن، مثلما هو غير ممكن أن تعيش بمواقفها تلك تحت السقف الأمريكي بدون متابعة قانونية، وأن يكون واضحا كذلك أن نموذج زكريا الأمريكي المفترض لا يمكن أن يمزق جواز أمريكا لأنه سيخضع لطائلة القانون.

إن تأكيدنا على ضرورة أن تتحرر الدولة المغربية من هذه الفوبيا القاتلة، وأن تكون صارمة في إطار القانون مع سلوك أمينتو والمومني، وغيرهما من الخونة يندرج طبيعيا ضمن مستلزمات تفعيل اشتراطات دولة الحق والقانون. إضافة إلى ذلك فإن فعل الخيانة، كما نطرحه في هذا الملف، لا ينبغي أن يحجب عنا ضرورة أن نلتفت إلى أشكال أخرى من العصيان والتمرد على الوطن. إن استمرار فئة من الفاسدين المغاربة في ابتزاز الوطن سلوك خياني.

إن التهرب من الضرائب، وكل عمليات الإفساد المالي والاجتماعي والسياسي سلوك خياني. إن الإمعان في تبذير خيرات الوطن دون الأخذ بعين الاعتبار هشاشة الوطن سلوك خياني. والدولة المغربية مطالبة بزجر كل هذه الأنواع من السلوك، سواء كان لها اسم أمينتو والمومني، أو اسماء أخرى ضالعة في التبذير الاقتصادي والمالي والريعي.

مفهوم المواطنة يعني محاسبة المواطنين بحسب القانون، ولا أحد في مغرب اليوم أسمى من الوطن والقانون.

 

محمد أحداف، أستاذ العلوم الجنائية بكلية الحقوق بمكناس

قضاة النيابة العامة غير مستقلين وليست لهم الجرأة لإيقاف أمينتو حيدر ومتابعتها

يرى محمد أحداف، أستاذ العلوم الجنائية بكلية الحقوق بمكناس، أن الدولة لا تضع المواطنين على قدم المساواة، مؤكدا أن جبن المغرب هو الذي يغذي عدوانية الجزائر. وقال أحداف لو كانت امينتو تقوم بنفس العمل دفاعا عن المغرب لمنعت من دخول تندوف، ولكم حالات مصطفى سلمى وغيره كنموذج، داعيا إلى التأمل في مسلك الولايات المتحدة الأمريكية في قضايا مشابهة مثل قضية ادوارد سنودن واسانج وغيره.

* اعطى الملك مؤخرا تعريفا للمغربي وهو اما ان يكون ولاؤه للوطن او ان يكون خائنا. لكن الملاحظ ان الدولة هشة ولم تاخذ موقفا بشان من يتحرك بجواز سفر مغربي و بأموال جزائرية للدفاع عن انفصال الصحراء وهنا نستحضر حالة امينتو حيدر التي تنحدر من أقا، وهي بلدة غير متنازع عليها أمميا فضلا عن كونها من عائلة مخزنية بامتياز.كيف تقرا الموقف الرخو للدولة المغربية؟

** بدون شك، من ليس مع الوطن فهو خائن، فالولاء يكون للوطن طبقا للتحديد الوارد في الخطاب الملكي، وصحيح أيضا أن القانون الجنائي المغربي خصص على غرار القوانين الجنائية لكل دول العالم، عقوبات للأفراد الذين يتخابرون مع الأعداء أو يسعون إلى تهديد الأمن الداخلي أو الخارجي للدولة، ومع ذلك فإن المفارقة تكمن في التساهل المشين والمخجل للدولة مع امينتو حيدر التي تتحرك بجواز سفر مغربي وبأموال جزائرية للحديث عن الاستعمار المغربي بالإضافة إلى إحدى الموظفات بالأقاليم الجنوبية التي تغادر مقر العمل دون إذن للترافع في المنتديات الدولية ضد المغرب. موقف المغرب مخجل ورخو، والتساؤل المطروح ماذا سوف يكون مصيري أنا إن ارتكبت نفس الأفعال؟ هل سأحظى بنفس المعاملة التفضيلية على مستوى تعطيل القانون؟ وهذا يؤكد عمليا أن الدولة لا تضع المواطنين على قدم المساواة. وبصراحة إن جبن المغرب هو الذي يغذي عدوانية الجزائر. المشكل بالمغرب مشكلة أدمغة بالنسبة للماسكين بناصية الأمور، والدول العظمى عظيمة بخبرات وكفاءات أدمغتها وهذا ما يرفض البعض ابتلاعه. لو كانت امين اتو تقوم بنفس العمل دفاعا عن المغرب لمنعت من دخول تندوف، ولكم حالات مصطفى سلمى وغيره كنموذج. إن المغرب مدعو للتأمل في مسلك الولايات المتحدة الأمريكية في قضايا مشابهة مثل قضية ادوارد سنودن واسانج وغيره. فالدولة التي لا تمتاز مواقفها بالصرامة والحزم هي دولة في عمقها تحمل ضعفا خطيرا، لاحظ فقط كيف تتعامل الدولة مع احتلال الملك العام والمجرمين الذين يتجولون بأسلحة بيضاء والفوضى العارمة المميزة لطرقات المدن المغربية يعطيك فكرة عن منطق الدولة وإشكالية سيادة القانون.

* في أمريكا أو بريطانيا أو روسيا - كما تقول - لما يثبت تواطؤ مواطن في التخابر مع دولة ما يطبق في حقه قانون الخيانة دون أن ينتصب أحد ما ليقول إن واشنطن أو لندن أو موسكو تتعسف. هل العيب في القانون الجنائي المغربي ام في شيزوفرينيا السلطات المغربية؟

** يتضمن القانون الجنائي أحكاما متكاملة في هذا الصدد. العيب ليس في نصوص القانون الجنائي، بل في انفصام شخصية الدولة. وهذا الوضع يؤكد حقيقة مرة رغم وضوح الدستور فالقضاء ليس مستقلا بل تابع للسلطة السياسية وهو يؤتمر بأوامرها، ولا يمكن لأي قاض من قضاة النيابة العامة أن يتجرأ ويعمل على إيقاف حيدر للتحقيق معها ومتابعتها. فالأغلب أن من سوف يقوم بذلك سيجد نفسه بالتأكيد موضوع متابعة فيما ستتابع المناضلة حيدر طريقها بأمان. المفارقة تكمن في أن الدستور تقضي أحكامه بوجوب وضع الجميع على قدم المساواة أمام القانون، غير أن المغرب بمقاربته التمييزية هذه لا يخرق أحكام المعاهدات الدولية ذات الصلة ومقتضيات الدستور، بل إنه يغذي إحساسا بالجبن والضعف يزداد مقابله قوة لدى أمثال حيدر علما أن لا علاقة لها بالصحراء المغربية. إن السؤال المطروح يتعلق بالموقف المخجل للجمعيات الحقوقية وعدم سعيها إلى وضع شكايات في مواجهتها لأجل متابعتها بالتجسس والتخابر مع دولة عدو وتهديد الأمن الداخلي والخارجي والإشادة بالإرهاب، على الأقل تحرك من هذا القبيل سيجعلها تقضي أوقاتا طويلة في ردهات المحاكم.

* في التاريخ المغربي وجد دوما خونة لكن المثير ان السلاطين كانوا يستدرجون هؤلاء أو يعفون عنهم. أيحق الاستمرار في قبول مثل هذا السلوك اليوم بعد اعتماد دستور 2011 ومصادقة المغرب على النواة الصلبة لحقوق الإنسان.بمعنى كيف نفسر تعامل الدولة بصرامة مع المعطي منجب الذي له خلاف مع وزارة الداخلية حول اتهامات مالية لتسيير مركز ابن رشد ومنعه من مغادرة التراب الوطني فيما يسمح لانفصاليي الداخل المنحدرين من مناطق غير متنازع عليها بالتنقل عالميا لتمزيق أوصال المغرب ووصفه بأنه دولة احتلال.؟

**هذا بالضبط يكشف نفاق المغرب على مستوى سلوك احترام حقوق الإنسان، في ما يتم منع منجب من مغادرة المغرب فإنه يسمح بكل وقاحة ليس فقط لحيدر بل لكل انفصاليي الداخل بمغادرة المغرب للعمل على تمزيق أوصال الوحدة الترابية. إن منطق المخزن الخطير هذا ليس جديدا، وهو يتخذ مظاهر متعددة. فالمخزن الذي قدم مفاتيح المغرب للقاعديين، ولمنظري ديكتاتورية البرولتارية، ومن كان يناضل من أجل استقلال الصحراء وسقوط النظام الملكي وإحلاله بنظام الرفاق السوفيات، وفتح لهم أبواب المؤسسات الدستورية والمناصب السامية يعطي نموذجا سيئا للشباب. إذا أردت الوصول عليك أولا شق عصا الطاعة وآنذاك يمكن للدولة أن تمنحك المقابل، ففيما همشت الدولة الأطر التي ناضلت من أجل الملكية ومغربية الصحراء فتحت الأبواب لمن كان يهدد استقرار المغرب. والمقاربة مع حيدر وغيرها من الرفاق القدامي ظلت هي نفسها مع بعض الرتوش، وإلا فكيف يمكن تفسير عدم التوظيف الدبلوماسي لقضية مصطفى سلمى وغيره من المناضلين عن حق المغرب المعتقلين داخل تندوف. على الدولة أن تعيد النظر في منطق تعاملها مع الوطنيين الصادقين كلصوص، ومراجعة تعاملها مع من كان يسعى إلى تغيير النظام بتوجيه من الرفاق في المعسكر الشرقي، حيث أصبح هؤلاء مناضلين، فيما يعد منجب أفاقا. وهذه هي المفارقة الكبرى المميزة لمنطق الدولة.

 

محمد زريول، أستاذ بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس

الخيانة ليست من الأفعال التي تجردك من الجنسية

* كيف ينظر المشرع المغربي إلى الخيانة وعلاقة ذته بمطلب تجريد شخص من الجنسية؟

** التجريد ينظمه قانون الجنسية. فما هي حالات التجريد من الجنسية؟ هناك حالة التجرد من الجنسية بحكم الإرادة، أي تعبير الشخص عن إرادته بأن لا يبقى مغربيا وقد حددها المشرع في حالات، مثلا أن يصدر في حقه حكم قضائي، في حالة إهانة الملك أو أحد أعضاء الأسرة الملكية، أو في حال إقدامه على عمل يعد جنحة أو جناية تمس بسلامة الدولة الداخلية أو الخارجية. إذا لنعد إلى موضوع التجريد. التجريد لا يمس الجنسية الأصلية، فإذا كنت من أبوين مغربيين أو من أب مغربي أو من أم مغربية، وكنت تتوفر على جنسية أصلية بناء على البنوة أو النسب فلا يمكن تجريدك منها، وإذا أقدمت على فعل الخيانة يتم معاقبتك حسب القانون الجنائي. فالخيانة ليست من الأفعال التي تجردك من المواطنة.. والذي يمكن تجريده من الجنسية المغربية هو مكتسبها في حالة إقدامه على الخيانة، ذلك أن مكتسب الجنسية أو المجنس (بضم الميم وفتح النون وتشديدها) هو بتعبير مجازي «ناقص للأهلية من حيث المواطنة»، ذلك لأنه يتعين عليه لمدة خمس سنوات أن لا يقوم بأعمال تتنافى وصفات المواطن المغربي، كأعمال التجسس، وكل تلك التي تمس بالسلامة والداخلية والخارجية.. إذن إذا قام الشخص المجنس بأحد هذه الأفعال داخل مدة الخمس سنوات، فيمكن تجريده من الجنسية كعقوبة. وعندما نقول عقوبة يجب التوفر على حكم قضائي، وإذا لم يصدر الحكم فإنه لن يجرد من الجنسية..

* وإذا قام بتلك الأعمال بعد مرور خمس سنوات على حصوله على الجنسية؟

** في هذه الحالة، تصبح الجنسية المغريية ثابتة ولا يمكن تجريده منها..

* لدينا الآن حالة زكريا المومني الذي التمس عن طريق محام تجريده من الجنسية المغربية، وأعرب عن تخليه عنها..

** هو رفع دعوى قضائية يطلب من خلالها التخلي عن جنسيته المغربية، وعلينا أن ننتبه إلى أننا هنا أمام حالة الخروج الإرادي عن الجنسية، وهي غير حالات فقدان الجنسية. فالفصل 19 من قانون الجنسية ينص على ما يلي: «يفقد الجنسية المغربية: أولا- المغربي الرشيد الذي يكتسب عن طواعية في الخارج جنسية أجنبية و المأذون له بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية المغربية. ثانيا- المغربي -ولو كان قاصرا- الذي له جنسية أجنبية أصلية والمأذون له بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية المغربية. ثالثا- المرأة المغربية التي تتزوج من رجل أجنبي و تكتسب من جراء زواجها جنسية زوجها والمأذون لها في التخلي عن الجنسية المغربية بموجب مرسوم يصدر قبل عقد الزواج. رابعا- المغربي الذي يعلن عن تخليه عن الجنسية المغربية في الحالة المنصوص عليها في الفصل 18 من هذا القانون. خامسا- المغربي الذي يشغل وظيفة في مصلحة عمومية لدولة أجنبية أو في جيش أجنبي ويحتفظ بها أكثر من ستة أشهر بعد ما تنذره الحكومة المغربية للتنازل عنها».

* متى صدر قانون الجنسية؟

** هو قانون ظهر سنة 1958، وتم تعديله بقانون 62/06 ودخل حيز التنفيذ في 2007. فقانون الجنسية المغربي يعود إلى ظهير 6 شتنبر 58، أي مباشرة بعد مدونة الأحوال الشخصية في سنة 1957..

* ولكن لماذا إذا تخلى شخص عن دينه ليست هناك مشكلة، ولكن في حالة خروجه من الجنسية تكون هناك صعوبة!؟

** الجنسية المغربية تندرج في ما نسميه «الجنسية اللصيقة بالإنسان»..

* من أَصَّلَ أن تبقى الجنسية لصيقة بالإنسان؟

** القانون وضع أن الشخص يولد مغربيا ويموت مغربيا. لدينا هذا المبدأ الذي نسميه «الولاء الدائم للسلطان» وهو الذي كرسته اتفاقية مدريد سنة 1880..

* ولكن هذه الاتفاقية التي أصلت للولاء الدائم للسلطان تمت في عهد الأيالة الشريفة، أما اليوم فنحن في دولة يحكمها دستور وقوانين.؟

** نعم وضعنا القانون على أساس الولاء الدائم للسلطان كي لا تتحقق الخيانة في عهد المعمر الفرنسي، أي كي لا نخرج عن مبدأ إرادة الدولة المغربية، وفي ذلك العهد لم تكن هناك المواطنة..

* لكن في ذلك العهد، كان هناك المحميون أيضاً، وكان الخونة؟

**نعم، ولذلك تمت اتفاقية مدريد، أي بسبب هؤلاء الخونة. فإذا سافر شخص مثلا إلى فرنسا وظل هناك فترة معينة، ولما تطلب منه السلطات المغربية العودة ولا يمتثل، فإنه كان يعتبر من الخونة ويطرد ولا يصبح واحدا منا لأنه لا يخدم السلطان أو مصالح البلاد..

* ولكن نحن اليوم أمام دولة مغربية جديدة، فما الذي يبقي هذا الولاء للسلطان؟ وما هو جدواه؟

** الذي يبقيه هو قانون الجنسية. فحسب مقتضيات القانون المغربي فإن الخروج عن الجنسية لن يتم إلا بإذن مغربي، والإذن تحدده 5 حالات.. وهي المنصوص عليها في الفصل 19 كما قلت لك وهو ما نسميه نحن مبدأ سلطان الإرادة في قانون الجنسية. فهل هناك فعلا إرادة فعلا في قانون الجنسية، والحال أن الجنسية في التعبير القانوني رابطة بين شخص ودولة. فهل تلك الرابطة عقد؟.. هناك جانب من الفقه يرى أن تلك الرابطة عقد يجمع الأشخاص بالدولة ويفرض عليهم الإخلاص لها إلى النهاية..

* وماذا ترى في الحالة التي تشغل الرأي العام المغربي، أي حالة زكريا المومني الذي أعرب عن إرادته في أن يتجرد من جنسيته المغربية، وأيضا في حالة أمينتو حيدر التي يطالب بعض الناس بتجريدها من الجنسية؟

**بالنسبة لأمينتو حيدر، إذا أردنا أن نجردها من جنسيتها كعقوبة فالسؤال هو: كيف؟.. ففي تاريخ المغرب، كانت هناك حالة في عهد الحسن الثاني، ويتعلق الأمر بحالة أبراهام السرفاتي الذي كان قد جرد من جنسيته المغربية، وبعد تولي الملك محمد السادس الحكم وليس من حقنا تجريده من الجنسية، لأنه لا يمكن نزع الجنسية الأصلية.. ليس من حقنا ذلك. هل هناك خطأ في الترسانة القانونية؟.. لست أدري.

* وبالنسبة لحالة زكريا المومني الذي عبر إراديا وبإصرار عن تخليه عن الجنسية؟

** السؤال هو هل تندرج حالته في حالات فقدان الجنسية التي حددها المشرع المغربي أم لا..؟

* لكنه مزق جواز سفره المغربي مباشرة عبر التلفاز وسب المغرب والمغاربة..

** جلالة الملك يترفع عن مثل ذلك القذف والسب. وهذا ما نجده في الفايسبوك، وفي العديد من المواقع المغربية.. نحن انخرطنا في ترسانة حقوق الإنسان، وتمادينا فيها.. والسؤال هو إذا كانت لدينا حقوق ألا نغالي فيها، ألا نتجاوزها. فمثلا إذا لم يمكنني موظف معين من وثيقة إدارية أثور ضد النظام.. فهل يعقل ذلك؟ أمينتو حيدر يسارية متطرفة، واليساريون موجودون.. وما تقوله يقوله غيرها..

* ولكن لماذا يحدث في المغرب، وليس في سواه، أن يهاجر مواطنون من فكيك أو جرادة احتجاجا على المغرب إلى الجزائر، كما وقع مؤخرا، ويطالبون بالتخلي عن جنسيتهم وبطائقهم المغربية؟

** سأجيبك بسؤال بسيط ألم يهاجر مثليون إلى مليلية وطالبوا باللجوء للزواج؟ هؤلاء يطلبون اللجوء للقيام بأشياء تخالف النظام العام الداخلي. فأحيانا نحن لا نعرف مصطلح الحق لنمارسه..

* في القانون المقارن، ما هي العقوبة إذا أصر شخص على ارتكاب مخالفة ضد الدولة التي ينتمي إليها؟

**فرنسا مثلا تجرد الفرد من الجنسية التي اكتسبها. ولكن المغرب يحارب ظاهرة انعدام الجنسية، فإذا تم تجريد شخص من جنسيته فهو يصبح بلا وطن ويصبح في مقام اللاجئ، والحال أن هناك اتفاقية تعود إلى 1954 وتحارب ظاهرة انعدام الجنسية. إن القانون الإنساني يمنح الأفراد الحق في الجنسية..

* لكن فرنسا مؤخرا جردت فرنسيين من أصول مغربية متهمين بالإرهاب من جنسيتها وأرسلتهم إلينا.. والسؤال هو: لماذا ظلت تحتفظ بهؤلاء حين كانوا منتجين وصالحين ثم حين تحولوا إلى الإرهاب أرسلتهم إلى المغرب.. فهل بلدنا مزبلة؟

** المغرب لا يتخلى عن أبنائه، فإذا كانت لديك الجنسية المغربية، فأنت لا تفقدها. فمثلا إذا أردت كمغربي الحصول على الجنسية الأمريكية يشترط التخلي عن الجنسية الأصلية.. والحال أن الفصل 23 من قانون الجنسية يحدد مسطرة التجريد من الجنسية في الحالات التالية: إذا كانت الجنسية المغربية قد خولت بمقتضى ظهير شريف فإن التجريد منها يتم كذلك بمقتضى ظهير. أما في جميع الأحوال الأخرى فيعلن عن التجريد بموجب مرسوم يتخذه المجلس الوزاري. ولا يجوز صدور الأمر بالتجريد من الجنسية إلا بعد اطلاع المعني بالأمر على الإجراء المنوى اتخاذه ضده و إعطائه الفرصة ليقدم ملاحظاته. فمثلا، في حالة ما يعرف بجريمة «مجينينة» بمكناس الذي قام بقطع رأس ضحيته، كان الحكم هو السجن المؤبد.. ولم يتم تجريده من الجنسية. أما بالنسبة لمكتسب الجنسية إذا حكم عليه في عمل يعد جناية فإنه يجرد منها، لأنه أقدم على جرم ضد الحق العام..

 ذ .عبد الوهاب دبيش، أستاذ التاريخ بكلية الآداب بنمسيك بالبيضاء

تاريخياً المغرب كان مصير الخائن بالمغرب هو القصاص من المجتمع أو الزمن

* على هامش التحرك الأخير لأمينتوحيدر، بجواز سفر مغربي للترويج للأطروحة الجزائرية الخاصة بإنشاء دولة البوليزاريو، أثير موضوع آخر وهو الخيانة، لماذا يتساهل المغرب مع الخائن؟

** تاريخيا أنا لم أجد في النصوص ما يدعو إلى التساهل مع الخائن، دائما كان الخائن يتعرض للقصاص إما من المجتمع أويتعرض للنسيان، آي يتعرض للقصاص من الزمن الذي يتناساه وكأنه لم يكن موجودا أصلا، وإما من السلطة السياسية التي كانت قائمة في البلاد، يعني الخائن يكون مصيره القتل بمحاكمة أو بدون محاكمة، الخيانة في حد ذاتها جرم، لا يستحق أن ننصب فيه محكمة لتحاكم الشخص الخائن، ولكن يحاكمه المجتمع باعتبار أنه خرج عن جادة الجماعة والمجتمع وأصبح يطعن في نفسه وفي هويته. نماذج كثيرة مرت بالمغرب، أعطيك مثالا: في فترة احتلال المغرب من طرف البرتغال، كان هناك شخص يُدعى «يحيى أوتعبوت»، كان أكبر خائن دونته المصادر التاريخية وكان مصيره القتل على يد المجاهدين المغاربة، فقد ترك الدفاع عن الهوية وانبطح في أذرع البرتغاليين، وبايع الملك البرتغالي وفرض على سكان آسفي تأدية ضرائب عينية للملك البرتغالي في تلك الفترة. وهذه كلها كانت تضع «يحيى أوتعبوت» في دائرة الكفر وليس في دائرة الإنسان المسلم الذي يؤمن بالله، ليس فقط الشخص الذي كان يجهر بخيانته للوطن هو فقط من كان معرضا للقصاص، بل حتى الشخص الذي لم يكن يحمل السلاح للدفاع عن الأرض، ووصلت الأمور عند بعض الفقهاء أنهم كانوا يحرمون الصلاة وراء إمام لا يدعو إلى الجهاد أو لا يساهم فيه، بل إن بعض الناس هاجروا من مدنهم احتجاجا على عدم حمل المجتمع للواء الدفاع عن الثغور المغربية، وأبرز هذه الثغور هي سبتة ومليلية وطنجة والعرائش وأصيلا والمهدية وأنفا وآزمور والجديدة.. «سانطاكوز مالبيكينا» (أكادير حاليا) وسيدي إفني وبوجدور. كل هذه الثغور كانت محتلة وكانت الرباطات أو الزوايا بعلمائها في تلك الفترة هي من تحمل لواء الجهاد، في غياب دولة مركزية بعد انهيار الدولة الوطاسية وخضوعها لسلطة الإيبيريين في تلك الفترة.

* لكن في مرحلة حديثة ظهر المحميون في المغرب وهم مغاربة تنكروا لبلدهم واحتموا بالدول الأجنبية ، آليست هذه خيانة هي الأخرى؟

** هذا أمر مرتبط بشكل آخر من الخيانة، وهو خيانة الشخص الذي يتواجد في المجال المغربي يحمل جنسية مغربية لكنه محمي من طرف سلطات أجنبية، هي سلطات الحمايات القنصلية التي كانت متواجدة أساسا بالمغرب، (القنصليات الإنجليزية والفرنسية والاسبانية والإيطالية والهولندية الأمريكية في بعض الحالات). سلطة القناصل كانت موجودة وكانت تمهد للاحتلال المغرب. لا ننسى أن اتفاقية التجارة الموقعة مع بريطانيا سنة 1856 مثلا كانت عبارة عن وثيقة حماية سبقت وثيقة الحماية الفرنسية بـ 60 عاما، وهذه الاتفاقيات التي كانت تعقدها القنصليات الأجنبية مع الدولة المغربية تمس في بعض الحالات بجوهر السيادة المغربية اقتصاديا. وأنت تعلم أن الاقتصاد في نهاية المطاف هو محرك المجتمع، هناك تجار كانوا يملكون ثروة لدرجة أنهم كانوا ينقذون البلاد بكاملها من أزمة الديون أمام القناصلة الأجانب، إذن هؤلاء الناس الذين كانوا يبحثون عن حماية قنصلية من طرف الغربيين بصفة عامة كانوا أشخاصا لهم مصالح سياسية أو اقتصادية بالدرجة الأولى يريدون حمايتها، ولم يجدوا وسيلة للحفاظ عليها سوى أن يحتموا بأهداب القناصل والبحث عن جنسية أخرى غير الجنسية المغربية.

* في كل تحرك لمسؤول بالبوليزاريو أو لأتباعهم بالمغرب، نجد الجزائر تتابع ذلك بكل عنف وحقد نكاية في المغرب. لماذا؟

**العنف كامن في المجتمع الجزائري منذ «ماسينيسا» وإلى اليوم، منذ «يوغرطا»، «ماسينيسا»، «كاهينا»، «بارباروس خير الدين»، «الأمير عبد القادر الجزائري»، وصولا إلى الثورة الجزائرية، هذه كلها محطات زمنية طويلة تمتد إلى مئات السنين، تؤكد أن الجزائر ولادة للعنف. وهم لم ينعموا بالاستقرار، من لم يعش في أسرة مستقرة لا يمكن أن يعطيك إنسانا مُحبا للخير. لا ننسى أن الجزائر تعرضت للاحتلال «الفينيقي» والروماني وكان الأسوأ وعرفت الاحتلال التركي، كان أيضا الأسوأ، إذ غير الاحتلال التركي بنية المجتمع الجزائري إلى درجة أن الجانب الذي كان شبيها بالمغرب في المجتمع الجزائري مات واندثر، وأضحت بالجزائر أسر شبيهة بالأسر التركية التي توجد بالشام ومصر، هذه الأسر ذات الجذور التركية المتحكمة في دواليب الإدارة والسلطة تماما مثلما يتحكم المجتمع الأندلسي بدواليب الإدارة والقرار في المغرب. ولو أن الدولة أرادت أن تثبت فعلا مشروعية حقها من الناحية التاريخية، الجزائريون سوف يصمتون ويكممون أفواههم، إلى الأبد، لسبب بسيط جدا مرتبط بتوظيفهم للتاريخ إيديولوجيا في حين نحن لا نفعل ذلك.

* أين يتجلى هذا التوظيف الإيديولوجي للتاريخ عند الجزائر؟

**سأجيبك بمثال: لو تطرق باحث فرنسي للثورة الجزائرية لأقاموا الدنيا ولم يشعلوها وسيقولون «كيف يتجرأ فرنسي محتل للحديث عن تاريخنا باعتباره تاريخا بطوليا!!». مليون ونصف شهيد؟؟ أنا أقول إن العدد لم يصل لـ 100 ألف، والشهداء الحقيقيون في الجزائر غير معروفين، هناك فقط الخونة الذين تعاملوا مع الاستعمار وعائلات تركية تريد الحفاظ على مجدها، وهم أساسا من يعادون المغرب. وليس الجزائريين «حاشى لله» الجزائريون لا يفعلون ذلك، أقصد بكلامي بقايا الأسر التركية المتضررة من التواجد الفرنسي هي التي تعادينا في استقرارنا وحقنا الطبيعي، وهذا ملف مُتوارث منذ «العصر المريني» إلى اليوم. أقصد ملف العداء بين الجزائر والمغرب يجد جذوره في حصار تلمسان.

* أميناتو حيدر خانت وطنها وارتمت في أحضان الجزائر. لماذا يخون الفرد وطنه وبلاده؟

** في الواقع أستحيي من ذكر الأسباب المرتبطة بالخيانة ولو أنها متعددة، يمكن أن تكون ظروفا شخصية، مُرتبطة بوضعيتها هي بالدرجة الأولى أو علاقتها بمن يجاورها، وهي مسألة لا نخوض فيها مثلما لم يخض الفقهاء في قضايا كثيرة جدا، نعتبرها نحن حساسة والمؤرخ يتفادى الحديث عنها نظرا لتفاهتها، لكن سأوجه لك سؤالا بشكل آخر: ماهي مسؤوليتنا نحن في أن تكون أميناتو حيدر خائنة؟ أين تقع المسؤولية في أن تكون من «طاطا» وتصبح خائنة لوطنها وتعمل على بتر المغرب؟ «الوالي» رغم أنه شخصية مؤسسة للبوليزاريو، وحسب ما قرأت لم يكن انفصاليا، لكن الداعي إلى أن يكون انفصاليا هو سلوك بعض السياسيين معه، لو كانوا استقبلوه سنة 1968 و1969 باعتباره يمثل جزءا من تيار ثقافي طلابي تلاميذي بالمنطقة لكان أفضل، نحن نؤدي ثمن أخطاء الماضي، مثلما ارتكبنا أخطاء عندما أرادت فرنسا أن تمنحنا الصحراء الشرقية ورفضنا بحكم أننا أردنا أن ندعم الثورة الجزائرية. أي ثورة جزائرية سندعم؟ نحن نشكل ورقة داخلية بالنسبة للحكومة الجزائرية (يمينهم ويسارهم وقديمهم وحديثهم) إلى غير ذلك.. أعتقد أنه إذا كان لنا من حوار مع الجزائر يجب أن يدفعنا في الأول أن نطالب بالمساواة في الجزائر.. أعطوا للجزائريين حق التعبير عن أفكارهم داخليا وحقهم في المنافع والخيرات التي تجنيها بلدهم من ثرواتها الطبيعية، وآنذاك لن تكونوا في موقف حرج حينما تفاوضوننا لأننا سنكون ندا للند، سنحاول ما أمكن أن نستشرف المستقبل بأسئلة فيها نوع من الثقة ونوع من الأمل ونوع من المسؤولية التاريخية أمام الأجيال الحالية والقادمة. التاريخ لا يرحم، أكررها التاريخ لا يرحمنا، علينا أن نكون أهلا للمسؤولية التي نتقلدها الجزائريين أو المغاربة. وأختم بالتأكيد على أن الصراعات التي تدور بين المسؤولين الجزائريين والمغاربة هي قوة للغرب وللآخر وللمنتظم الدولي الذي يريد أن يقسمنا ووحدتنا هي إضعاف لهم. لست أرى كيف يمكن للفرنسيين مثلا أن يعالجوا المشكل ولو أنه بيدهم الحل، لأن الفرنسيين يحصلون من الجزائريين على « 100 مليار أورو» كأرباح، ومن المغاربة على «33 مليار أورو». هل يمكن للفرنسيين أن يتخلوا على 133 مليار مقابل سواد عيون المغاربة والجزائريين ؟؟ سؤال مطروح للزمن الذي سيجيب عنه.