تم الإعلان عن موعد افتتاح المعرض الدولي للنشر والكتاب، وستنطلق فعالياته ابتداء من 21 فبراير من السنة المقبلة.. وقد سبق لوزير الثقافة أن سجل قلقه بخصوص مكان استضافة هذه التظاهرة شبه العالمية، واقترح أن يتم نقل المعرض إلى جهة «جديدة»، مما يطرح سؤال «جماهيرية» الاستقبال والاستيعاب والتكوين والترفيه والتسلية.
فكما هو مدون في ذاكرتنا «الثقافية والحزبية» أن للمكان وقعه وتداعياته، تعمل في النفوس وتغني الذكاء الاجتماعي.. فكلنا يتذكر دور المسرح البلدي بالدار البيضاء، ودور إذاعة عين الشق وتلفزته الذي كان له نفس الندية التي لدار البريهي بالرباط، ودور كنيسة بوركون بالنسبة لجلسات افتحاص ملفات المقاومة، ونفس الشيء بالنسبة للقاعة الكبرى للمعرض الدولي في الموضوع نفسه، وكذا بالنسبة للمعارض الاقتصادية والتجارية التي تقام فيه بصفة دورية، حيث تستقبل دولا أجنبية من جميع بقاع العالم وكذا المنتوجات الوطنية، لمدة تفوق العشرين يوما في العام. وقد رأينا كيف أن تلك الصالة الكبرى كم احتضنت من مؤتمرات حزبية وطنية في السبعينيات والثمانينيات ومباريات رياضية، بغض النظر عن تخصيص القاعات الأصغر منها لإيواء المنكوبين والمهاجرين والأشخاص في وضعية صعبة ومن أجل حملات طبية متنوعة، وأحيانا استعملت بعضها لاحتجاز المعتقلين و«المنحرفين»، كما استعملت في بعض آخر لإيواء «القوات الاحتياطية»، بصرف النظر عن «الأمور غير المعلنة».
وفي سياق الحديث عن ذاكرة المكان، لابد من التذكير بمقر الكاتدرائية الموجودة في حديقة جامعة الدول العربية، والتي وهبها الفاتيكان لفائدة طلبة كلية الحقوق بالدار البيضاء، الذين انتقلوا من إقامة ميرابو ومن الساتيام.. جميع هاته الأمكنة التي كانت وعاء بمحتوى اجتماعي وانساني ومعرفي وسياسي أحيانا كثيرة، خلدت لذاكرة جماعية متفاعلة، والتي حان الوقت لكي تدفعنا إلى إعادة طرح سؤال حفظ الذاكرة وتوثيقها في إطار ما ندعوه في أدبياتنا بذاكرة المكان.. هذه المهمة التي ينبغي أن تدخل في اهتمام الجامعة الوطنية والحكومة، وعلى الخصوص وزارة الثقافة التي لم يعد دورها المنشود هو تنشيط البلاد والعباد بالمهرجانات الثقافية والفنية.
وبذلك على وزير الثقافة أن يكون مهووسا بمصير هذه الأمكنة المهددة بنوايا وجشع الرأسماليين العقاريين الذين لا يرون فيها سوى مجالا حيويا للمضاربة والريع العقاريين. وإذا استحضرنا الرأسمال اللامادي الذي تؤلفه هذه الأمكنة في وجدان البيضاويين، في ارتباط مع ثانوية القبة، التي بناها الاستعمار في شكل «زاوية دينية» من حيث الهندسة لكي ترفع الحرج تجاه المغاربة المسلمين لكي يشجعوا أبناءهم لولوج المدارس التقنية، وبإضافة مقر سوق الجملة القديم والصقالة والمسبح البلدي القديم ودرب عمر، الذي تناوب على اعتماره واستغلاله اليهود والفاسيين ثم السوسيين والشاويين فالصينيينين، وكذا مطار أنفا، وعلى الخصوص مرائب الطيارات «الكوربيس» التي شيدت على أنقاضه عمارات من نوع توين الأمريكية، والذي كان قد استعملته آلة القمع في بداية السبعينيات معتقلا سريا، احتضن عشرات الآلاف من المعارضين الوطنيين والديمقراطيين... كل هذه الأمكنة تستدعي من وزارة الثقافة، وهي الوصية على تنفيذ قانون الأرشيف، والمفترض فيها الحرص على تحصين الحكمة من حفظ الذاكرة، أن تؤهل استراتيجيتها في المجال بشكل يليق بشعار «من لا ذاكرة له لا مستقبل له».
فبغض النظر عن الدور التقليدي الذي تلعبه وزارة الثقافة في «تنشيط» البطولة «الثقافية»، فإنه صار حريا بها أن تتزعم استراتيجية حماية مواقع الضمير الوطني، بما يعنيه من وعي جماعي مندمج مع العقل الجمعي ومتماه مع الذاكرة الوطنية والمشترك الجماعي.