نوفل البعمري: مؤتمر البوليساريو، مسرحية تعيد قيادة فاقدة لكل مشروعية ديمقراطية

نوفل البعمري: مؤتمر البوليساريو، مسرحية تعيد قيادة فاقدة لكل مشروعية ديمقراطية

قال نوفل البعمري، محامي وباحث في الشؤون الصحراوي، أن ما يسمى المؤتمر العام لجبهة البوليساريو يعد حدثا تنظيميا مهما لهذا الإطار الذي يعد بموجب "دستور" الجبهة الإطار المتحكم في المخيمات، ويتم الاستناد عليه لتبرير منع حرية التجمع و التنظيم داخل المخيمات. مضيفا في حوار مع "أنفاس بريس". كون هذا المؤتمر ينعقد في سياق دولي وإقليمي متسم بغياب أكثر للأنظمة التي كانت داعمة للجبهة - القذافي مثلا- وانهيارها، ودخول هذه البلدان في حالة فوضى عجل من انحصار دعمها السابق، بل في الحالة الليبية كنموذج تغيير موقفها لصالح المغرب، ووحدته الترابية، وفي أحيان أخرى دخول أنظمة سياسية في أزمة اقتصادية و مالية كتجلي لحالة الاختناق السياسي والمؤسساتي الذي تعيشه هذه الأنظمة نظير الجزائر. وأكد نوفل البعمري في الحوار ذاته على أن هناك أزمة سياسية لهذه الجبهة التي تفتقد القدرة على التعاطي إيجابيا مع المتغيرات التي عرفها الملف خاصة على مستوى المقاربة الجديدة التي أصبحت الأمم المتحدة تنظر بها للنزاع، وهي المقاربة المرتكزة على الحل السياسي، وعلى الربط بين استمرار النزاع وحالة التهديد الإرهابي المتزايد الذي تعيشه دول جنوب الصحراء، خاصة مع ازدياد حجم التقارير التي تؤكد ارتفاع حالة الاستقطاب من داخل المخيمات للتنظيمات التكفيرية الجهادية، وهي المقاربة، بحسب محاورنا، التي أصبحت تواجه قيادة الجبهة، التي بدل أن تتعامل بواقعية مع هذا التحول، عمدت إلى الهروب للأمام..

تعقد جبهة البوليساريو، مؤتمرها رقم 14، في نظرك ما هو سياق هذا المؤتمر؟

يعد ما يسمى المؤتمر العام لجبهة البوليساريو حدثا تنظيميا مهما لهذا الإطار الذي يعد بموجب "دستور" الجبهة الإطار المتحكم في المخيمات، ويتم الاستناد عليه لتبرير منع حرية التجمع و التنظيم داخل المخيمات، حيث يعتبر هذا التنظيم المفروض قسرا على سكان المخيمات الجسم التنظيمي الوحيد المتحكم فيهم، بل في نمط عيشهم، في ظل المنع الذي يطال كل التجمعات التنظيمية التي يراد تأسيسها من خارج الجبهة، هذا المنع الذي يصل في أحيان كثيرة إلى مبرر للتخوين وتعريض أصحابها لمحاكمات صورية، وللاحتجاز التعسفي في أحيان أخرى كما جرى مع رئيس جمعية صمود، مما دفعهم إلى الخروج من المخيمات.

أما بالنسبة لسياق انعقاد المؤتمر:

على المستوى الداخلي؛ ينعقد هذا المؤتمر في ظل ازدياد حجم المطالب المنادية بإحداث تغيير حقيقي داخل قيادة الجبهة، بسبب عجز هذه الأخيرة على إيجاد مخرج ينهي معاناة سكان المخيمات، ويقطع مع الوضع البئيس الذي يوجد فيه قاطني المخيمات، هذه الأصوات انضافت لأصوات أخرى ظلت تناضل رغم القمع الشرس المسلط عليها، من أجل القطع النهائي مع جبهة البوليساريو وقيادتها لإيمانهم الراسخ بتحولهما لمجرد أداة تخدم مصالح النظام الجزائري، و قيادة الجبهة التي تعمل من أجل ضمان استمرارها في ترأس هذا التنظيم الشمولي، الستاليني، المفروض بقوة السلاح على سكان المخيمات" كممثل وحيد لهم"، في ظل الحظر الذي يطال كل محاولات تأسيس إطارات بديلة عن الجبهة، أو موازية لها، لذلك وجدت قيادة الجبهة كمخرج لها، ولضمان استمراريتها على رأس هذا التنظيم المشلول، خدمة لأجندة عسكر الجزائر إلى اعتماد لائحة "انتداب مؤتمرين" لاتحدث إلا في ظل النظام الشمولي القائم بكوريا الشمالية، وهي تعيين المشاركين في مؤتمر المسرحية كما سمته العديد من الأصوات المعارضة للجبهة ولخطها، من بين من تجند مؤخرا في ما يسمى بالجيش الصحراوي، مما يعني أن القاعدة الأساسية للمشاركين في هذا المؤتمر-المسرحية سيكون من المجندين ومن العسكريين بالإضافة إلى ممثلين عن القطاعات الموازية للجبهة: اتحاد شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب، الاتحاد الصحراوي النسائي.. مما يعني بأن المؤتمر سيكون مناسبة لإعادة انتخاب محمد عبد العزيز رئيسا له، ورئيسا في نفس الوقت للدولة الصحراوية المزعومة نظرا للتداخل القائم بين "الجسمين"، بالتالي سيرهن مستقبل سكان المخيمات لأربع سنوات أخرى، وسيؤدي للمزيد من حالة الإحباط واليأس المعشعش في صفوف سكانه خاصة الشباب منه الذي أصبح أكثر استقطابا من التنظيمات الجهادية التكفيرية التي تتحرك بحرية في تخوم المخيمات.

المؤتمر ينعقد في ظل الصراع الديبلوماسي بين المغرب والجبهة، ومحاولة كل طرف كسب نقاط على حساب الآخر، في نظرك كيف سيلقي ذلك ظلاله على هذا المؤتمر؟

بالفعل، ينعقد المؤتمر أيضا في سياق دولي وإقليمي متسم بغياب أكثر للأنظمة التي كانت داعمة للجبهة - القذافي مثلا- وانهيارها، ودخول هذه البلدان في حالة فوضى عجل من انحصار دعمها السابق، بل في الحالة الليبية مثلا تغيير موقفها لصالح المغرب، ووحدته الترابية، وفي أحيان أخرى دخول أنظمة سياسية في أزمة اقتصادية و مالية كتجلي لحالة الاختناق السياسي والمؤسساتي الذي تعيشه هذه الأنظمة - الجزائر مثلا- هذا السياق الدولي ينضاف إليه التحول الذي شهدته مواقف العديد من الدول في أمريكا اللاتينية وفي إفريقيا بالخصوص الذي عرفت صراعا كبيرا بين الدبلوماسية المغربية المستندة على الحق، وعلى عدالة قضيتها، وبين دبلوماسية يقودها النظام الجزائري اعتمدت على سياسة الرشاوي، وهو الصراع الذي حسم لصالح المغرب في عدة جوانب وفي عدة محطات أممية آخرها قرار مجلس الامن الأخير الصادر في أبريل 2015 الذي أكد على مصداقية الحل السياسي وأعتبر مقدمة لتحول حقيقي في معالجة الملف أمميا، وفي اعتماد مقاربة تراعي التطورات الميدانية والموضوعية والتغييرات السياسية التي شهدها المغرب.

كيف تقرأ شعار هذا المؤتمر " قوة تصميم، و إرادة لفرض الاستقلال و السيادة"، وما مدى واقعيته؟

 كما أسلفت المؤتمر ينعقد في ظل تحول إقليمي ودولي لصالح المغرب، ولصالح الحل السياسي الذي تقدم به للعالم ولسكان المخيمات، كمخرج إنساني وديموقراطي يستجيب لمبدأ وروح "تقرير المصير" ويشكل مخرجا حقيقيا للوضع البئيس الذي يعيشه سكان المخيمات الذين تحولوا في السنوات الأخيرة إلى مجرد أداة للإثراء، والاغتناء الفاحش لجنرالات وعسكر الجزائر، ولقيادة الجبهة، أما بالنسبة لشعار المؤتمر، فأعتبره يعكس حالة الأزمة السياسية والتنظيمية التي تعيشها الجبهة في السنوات الأخيرة.

وما تجليات هذه الأزمات في تنظيم البوليساريو؟

هناك أزمة ساسية، تتجلى في عدم قدرة الجبهة على التعاطي إيجابيا مع المتغيرات التي عرفها الملف خاصة على مستوى المقاربة الجديدة التي أصبحت الأمم المتحدة تنظر بها للنزاع، وهي المقاربة المرتكزة على الحل السياسي، وعلى الربط بين استمرار النزاع وحالة التهديد الإرهابي المتزايد الذي تعيشه دول جنوب الصحراء، خاصة مع ازدياد حجم التقارير التي تؤكد ارتفاع حالة الاستقطاب من داخل المخيمات للتنظيمات التكفيرية الجهادية، وهي المقاربة التي أصبحت تواجه قيادة الجبهة، التي بدل أن تتعامل بواقعية مع هذا التحول، عمدت إلى الهروب للأمام من خلال رفعها لهذا الشعار التقليدي، وكذا من خلال تصريحات محمد الأمين البوهالي، وزير ما يسمى الدفاع الصحراوي لوكالة الأنباء الجزائرية حيث أكد  على “لدينا السلاح و التدريب الكافيين للدخول في مواجهة” وذلك في “إطار حرب تحرير وطنية واضحة يشهد عليها العالم”، وهو تهديد وتلويح صريح بالعودة للحرب، وهو التلويح الذي تدق طبوله قيادة الجبهة كلما ازداد الخناق عليها سواء من داخل المخيمات أو من خارجها، خاصة وأنه صادر من طرف أحد الأسماء المرشحة مستقبلا لخلافة محمد عبد العزيز في حال غيبه الموت، والمقربة من النظام الجزائري.

أما بالنسبة لتجليات الازمة التنظيمية من خلال مضمون شعار المؤتمر-المسرحية، فهي تهدف إلى تغييب أي نقاش حقيقي، ديموقراطي حول أقدم مسؤول في العالم على حركة تقدم نفسها على أنها حركة تحرر وطني، هذا المسؤول -محمد عبد العزيز- منذ تنصيبه على رأس الجبهة بعد اغتيال الوالي السيد وهو يقود الجبهة وإدارة الملف والمفاوضات بتوجيه من عسكر الجزائر، وبعد وصول الملف بالنسبة إليهم إلى الباب المسدود وعدم قدرتهم على تقديم بدائل حقيقية تقنع سكان المخيمات قبل العالم برغبتهم في إنهاء معاناتهم وفي التوصل لحل سياسي ينهي مع هذا النزاع المفتعل، ومع سكان المخيمات خاصة لفئة الشباب منهم الذين أصبحوا وبتشجيع من البوليساريو نفسها أداة تتعدى منها التنظيمات المتطرفة، أو يتم إلى مجرد مرتزقة يتم الزج بهم للدفاع عن أنظمة كانت تشكل مورد مالي مهم لقيادة الجبهة وهو ما أثبتت الوقائع مع انهيار نظام القذافي بليبيا حيث اعتقل العشرات من أبناء المخيمات وهم يدافعون عن نظام ليس بنظامهم،  ومن المؤكد أنه سيتم استعمالهم في أي لحظة يهب فيها الشعب الجزائري لتحرير نفسه من طغيان حكم العسكر، فلا يعقل أن يقوم النظام الجزائري بتسليح وتنظيم شباب المخيمات مجانا، وعليه فشعار المؤتمر وهذا التلويح بالحرب، يعكس حالة اشتداد اليأس ليس فقط داخل الأجيال المتعاقبة بالمخيمات خاصة الجيل الذي تفتق وعيه السياسي في مرحلة "لا حل"، أي منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار 1991، الذي وجد نفسه محاصرا داخل المخيمات، دون أن يكون له أي دور في المخيمات أو في إيجاد الحل، بل أيضا حالة يأس لدى قطاع واسع من منتسبي الجبهة، خاصة مع فشل الحملة التعبوية التي نظمتها الجبهة تحت مسمى الندوات لسياسية التحضيرية " للمؤتمر" بسبب مقاطعة أغلبية سكان المخيمات لها، لمعرفتهم المسبقة بالكيفية التي يتحكم فيها و في النقاش داخل، كذا في نتائج المؤتمر الذي لن يكون إلا مسرحية فصولها أعدت بعناية داخل دهاليز قيادة عسكر الجزائر الماسك لخيوط التنظيم ولخريطته، التي لن تفرز إلا من ترضى عنه جنرالات الجزائر.

هذا المؤتمر الذي سيعين أعضاء الأمانة الوطنية الذين هم في نفس الوقت يتحولون إلى مسؤولين لما يسمى "بالدولة الصحراوية" في ظل تداخل يعكس طبيعة النظام الذي تم بناءه طيلة أربعين سنة داخل المخيمات، وهو نظام يعمل من خلال هذه المؤتمرات-المسرحية إلى تجديد "شرعيته" لإقناع العالم بأحقيته في الحديث باسم سكان المخيمات ولاجئيها، رغم أن تطورات النزاع المفتعل، وتزايد حجم الحراك الشبابي داخل المخيمات الرافض للجبهة و للتحكم في مستقبلهم، يؤكد ألا مشروعية لقيادة الجبهة سواء الحالية أو التي سيتم انتخابها-تعيينها في "المؤتمر" المقبل لإدارة المفاوضات مستقبلا باسم سكان المخيمات لأنها قيادة فاقدة لكل مشروعية ديموقراطية تؤهلها لتكون معبرة عن طموح ومستقبل سكان المخيمات خاصة الشباب منهم.