القاص أحمد بوزفور يبعث رسالة متأخرة إلى مصطفى المسناوي

القاص أحمد بوزفور يبعث رسالة متأخرة إلى مصطفى المسناوي

رثى القاص أحمد بوزفور صديق عمره المرحوم مصطفى المسناوي في رسالة مؤثرة على صفحته الرسمية بالفايسبوك.. كلمات كانت لها وقع الصدى في نفوس من قرأ رسالة شيخ القصة القصيرة أحمد بوزفور الذي يتقاسم ذكريات مشتركةمع صاحب رائعة "طارق الذي لم يفتح الأندلس".

"لم أراسلك من قبل ياصديقي، فقد كنا نتهاتف ثم نلتقي. ولكن هاتفك لا يرد الآن. كنت أود أن أراك لأعبر لك عما لم أقله لك من قبل: أن أعبّر لك عن محبتي العميقة لك، وعن تقديري العميق للدور الذي لعبتَه بمهارة واقتدار في الأدب المغربي الحديث وفي الثقافة المغربية عموما، وعن امتناني لوجودك الباسم في جيلنا العابس الكئيب.
ولكنني أعرف أنك تعرف هذا. سأحدثك بالأحرى عما لا تستطيع معرفته الآنسأحدثك عن إحساسي المصدوم برحيلك المفاجئ.
ياإلهي.. كما لو كنتَ قد سقطتَ فجأة من يدي.. كيدي. ماذا أفعل حين تسقط يدي من يدي؟ وقلمي من قلمي؟ وقلبي من قلبي؟ ماذا أفعل وقد تعوّدتُ أن أُعَرّش كالشجرة في أحبابي.. فإذا سقط واحد منهم سقط غصن مني، فأرتجف وأتماسك ولا أكاد..حتى أمسيتُ جِذْلا يابسا تحتك بي الحيوانات فلا أحس بها.
ياإلهي.. ما أشدّ مرارة َ ما أشرب كأسا بعد كأس فما نَفِد الشراب وما قضيت!
ما أشدّ ما ألقى من موتكم ياأحبابي فما متّ بعدكم وما حييت!
رحلتَ مبكرا ياصديقي. هل تدري؟ رأيتك أمس في المنام، فلما عاتبتُك على هذا الرحيل المبكّر ابتسمتَ ابتسامتك المتميزة المواربة ورَدَّدتَ على مسمعي بيت الإمام الغزالي:
غَزَلْتُ لهم غَزْلا دقيقا فلم أجد ++++ لغَزْليَ نسّاجاً فَكَسَّرْتُ مِغْزَلي
حيا وميتا تسخر منا ومن نفسك ياصديقي.. أيها الغَزَالُ الغَزَّال
حيا وميتا، في اليقظة والمنام، نجاريك في السخرية والابتسام.. ونَكسِرُ مغازلنا
رحلتَ مبكرا ياصديقي.. وفي النفس حاجاتٌ إليك دقيقة +++ وأنت المُرَجَّى بيننا لقضائها
ولم تُعَوّدنا أن تُخلف، ولكن القلب خانك. لن أقول لك ما قاله المتنبي:
وإذا كانت النفوسُ كبارا ++++ تَعِبَتْ في مُرادها الأجسامُ
فأنت أجملُ وأرقُّ وأخَفُّ من هذا البيت/ الجيش. لكني أهمس لك بما قالته ندفة ثلج في شعر روسي:
"قالت ندفة الثلج وقد مسّها أول شعاع من أشعة الشمس في مستهل الربيع:
أنا أحب
وأنا أذوب
ليس في الإمكان أن أحب وأوجد معا".
حبك لنا قتلك ياصديقي.
وهانحن بعدك كالأيتام أو كالثكالى.. نتشمّس على الرمل ونُقَلّب أبصارَنا في العابرين. ومن الأعلى يخاطبنا صوت يابس كأعواد النعش: أنتم أيها المسنّون.. ماذا تنتظرون؟
وحيدا.. باردا.. أحسني بعدك ياصديقي. العالم صامت والدهر ساكن ولا ورقةَ في شجرتي تتحرك. وحين أنادي الحياة (ياحياة)، يردّ الصدى (ياموت)".

 

صورة قديمة للقاص أحمد بوزفور، والراحل  الناقد مصطفى المسناوي

 

صور