لكن بمجرد الإعلان عن فيلم يمثل المغرب حتى صمت هؤلاء و بدأوا في البحث عن مثالب و مقالب أخرى يدارون بها خيباتهم، خيبات عرف المنظمون زرعها في نفوسهم من خلال البحث عن فيلم ، أي فيلم ، لتمثيل المغرب ، فكان أن وقع الاختيار على فيلم " المتمردة " للمخرج المغربي المقيم ببلجيكا جواد غريب. باختيار هذا الفيلم، كنا نعتقد أننا سنشاهد عملا سينمائيا يشرف سينمانا الوطنية ،و يقدم الوجه المعروف الذي أصبحت تعرف به في المهرجانات و المحافل الدولية ، خاصة و أن المخرج يعيش هناك في بلد الأخوين داردين، بمعنى يتوفر على الامكانيات الضرورية لصناعة فيلم و خلفة ثقافية تمكنه من تسييج تجربته بحدود دنيا من العمق و الرؤية الفنية القادرة على رج أحاسيس المتفرجين و قبلهم أحاسيس لجنة تحكيم دولية قوية برئاسة العراب العالمي فرانسيس فورد كوبولا، لكن تجري مياه الاختيارات المتسرعة بما لا تشتهيه سفن السينما المغربية ، اختيار بعيد عن معقولية الحفاظ على ماء الوجه و قريب من جنون اللحظات المقتطعة من العلاقات العامة و الخاصة التي تسم في كثير من الأحيان ساحتنا الإبداعية . " المتمردة " لم تتمرد إلا على نفسها و على عوالمها السوريالية المنتصرة للخطابات الغربية التغريبية الساعية لتصويرنا كبلد الحريات المفتقدة و الزنازين القمعية المتسخة ، خطابات استشراقية مهاجرة لبد النور و الحريات النضالية و التعبيرية ، فليلى ، بطلة الشريط ، المناضلة ضمن حركة 20 فبراير ، تجد نفسها بعد مظاهرة سلمية بين أيادي همجية تمعن في تعذيبها و التنقيص من قيمتها كإنسانة و لتجد نفسها في زنزانة ضيقة تلوك أحزانها و تداري جروحها ، و لتقرر بمجرد الإفراج عتها الهجرة لبلجيكا من أجل الاشتغال كعاملة موسمية في حقول التفاح ، هناك نكتشف عالما من الاستغلال البشع للطاقات القادمة من بلدان مختلفة ، فتقود حملة نضالية ناجحة تركع من خلالها رب العمل ، حملة لم تتعرض فيها للاعتقال ولا للتعذيب و لا للكلام الحاط من الكرامة ، بل نحصل على الاحترام و التقدير و تقع من خلال نضالها في الحب الصادق ، حب شاب وسيم مساعد لرب العمل ، مثلما تربح حب و احترام كل العاملات معها ، عاملات قادمات من بلدان ثالثة مختلفة ... ليلى المغربية المتحدثة بفرنسية تضاهي لكنة موليير وزولا وغي دوموباسان، تجعلنا نتساءل: أين تعلمت الفرنسية بكل هذه الطلاقة والعذوبة الخالية من اللكنة المغاربية؟ وإذا كانت تعلمتها في مدرسة فرنسية (لاميسيون الخاصة بأبناء الأغنياء) فهل نصدق أن ابنة عائلة ثرية تقبل الاشتغال كمياومة في حقول الذل و العار الأوروبية؟ أما الجانب التقني للفيلم فيبدو جد عادي لا يخرج عن سياق الأفلام المصنوعة بإمكانيات بسيطة انتاجيا وابداعيا، بل أن جماليات التقطيع و التأطير و الإضاءة ، جاءت في عمومها خالية من أية لمسات سينمائية أو ابداعية ، بل لو أعيد تركيب الفيلم لسقط منه أكثر من عشر دقائق ، لوجود العديد من اللقطات المضافة هكذا دون معنى (نستدل هنا بمشهد جري مساعد رب العمل أو حبيب ليلى بعد إقامة علاقة جنسية معها)، ولتصبح حينها مدة الفيلم ساعة وخمس دقائق يدل ساعة وربع، أي يصبح فيلما متوسط الطول لا يخضع لمقاييس اختياره ضمن مسابقة الفيلم الطويل ، اضافة لذلك فموسيقى الفيلم التي اعتمدها المخرج لشريطه المترهل جاءت في مناسبات عدة خارج سياقات الأحداث والفضاءات، موسيقى شبابية متمردة بكلمات ثوروية أراد المخرج من خلالها ايهامنا أنه يصنع فيلما متمردا و مناصرا لقضايا المظلومين ، مظلومين أضاع حقهم بخطابته الساذجة و رؤيته للواقع المهزوزة . فيلم "ثورة التفاح" (كما أسماه متفرج كان جالسا بجانبي لحظة المشاهدة) لا يمكنهبأي حال من الأحوال أن يدافع عن قضايانا ولا أن يتحدث باسم شبابنا و لا أن يمثل سينمانا في هذا المحفل السينمائي المغربي الكبير ..السينما سينما و كفى من البحث في التفاصيل. لنهمس في أذان أصحاب الضرورة و الوطنية و الغيرة المغربية ، أن ينظم مهرجان كبير على أرض بلدنا لا يعني بالقوة أن نكون ممثلين في المسابقة الرسمية ، لأن الإبداع ممارسة انسانية فنية لا تعترف بالحدود و الجنسيات بقدر اعترافها الخلاق بالخلق والإبداع ..