كيف يمكن التوفيق ما بين التحديات الملحقة والآنية، خلال مكافحة الإرهاب المعولم، ومابين إقرار حكامة أمنية فعالة تحترم المبادئ الديموقراطية في مجال حقوق الإنسان ؟
كيف للمغرب أن ينجح في الدفاع عن مصالحه الإقليمية والدولية دون المساس بالمكتسبات الوطنية المتراكمة بما فيها استمرارية مشروعه المجتمعي الحداثي الديموقراطي المنشود ؟
ماهي أدوار المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية ومؤسسات البحث من أجل المساهمة في وضع الاستراتيجيات الملائمة لإنجاح التوفيق والتوازن المذكورين ؟
تفرض هشاشة المحيط الجيواستراتيجي على المغرب يقظة مستمرة من أجل درء المخاطر المتعاظمة وحماية الاستقرار الداخلي و تحصين مصالحه الإقليمية. خاصة أن مشهد المحيط الإقليمي حابل باحتمالات متعددة ستؤول في كل الأحوال إلى واقع مختلف.
من سوء حظنا (أو من حسنه) أن المشروع المجتمعي الآخذ في التشكل داخليا من خلال صيرورات متعددة أهمها مسلسل تسوية ملف الانتهاكات الجسيمة وما رافقه وأفضى إليه من، "تعاقدات"و "مصالحات" كرست عددا من الإصلاحات، المؤسساتية، بالخصوص، يمكن اعتبار المراجعة الدستورية لسنة 2011 أوجها،.. أقول أن هذا المشروع تواجهه تحديات تعاظم المخاطر الإقليمية والتي تفتح الباب أمام احتمالات العودة إلى المقاربات الأمنية العتيقة.. فيتم تقليص مجال الحقوق والحريات لفائدة "التسلط" و "التحكم" باسم حماية الأمن.
هذا الاتجاه يعززه المنحى العالمي الذي بدأ في الانتشار ما في ذلك في الدول الديمقراطية العريقة- والذي يميل إلى محاصرة مجال الحقوق والحريات باسم ضمان الأمن (الرئيس الفرنسي تحدث عن le Pacte de la sécurité – Patriote Pacte- في أمريكا)، من هنا وجب الحذر، فمكافحة الإرهاب لا يمكن أن نسمح بأن تنال من حقوق الإنسان والحريات الأساسية والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وبما أن الرئيس الفرنسي اعتبر الأمر حربا ضد حرب، فلابد من استحضار، أيضا القانون الدولي الإنساني، باعتبار أن الإرهاب صار مدولا، وبالتالي صار فاعلا أساسيا ضمن الفاعلين في العلاقات الدولية، فليس بازدراء الحقوق والحريات التي يسعى الإرهابيون بالضبط إلى تدميرها، سو ف نكافح بنجاعة ضد الإرهاب، بل ينبغي احترام مبدأ الحق في محاكمة عادلة، بغض النظر عن الوقائع والنتائج، وتفادي تشغيل المعتقلات السرية عمليات الإختطاف والاختفاء القسري وتقنيات التعذيب أو سوء المعاملة لاستجواب المشتبه في كونهم إرهابيين، وكل الإجراءات الاستثنائية المتخذة ينبغي أن تكون وقتية ومقيدة بالقانون وتحت إشراف القضاء النزيه والمستقل، حتى نصل المقصود من حكمة احترام حقوق الإنسان كوسيلة جوهرية في مواجهة الإرهاب واستثباب الأمن، بما يعنيه أيضا الجانب الآخر من حد السيف، أي أن لابد من اعتماد تدابير لحماية المواطنين من تهديدات الإرهاب وتقديم الجناة للعدالة، دون انتهاز الفرصة للعصف بالمكتسبات والإجهاز على الحقوق، فلا ينبغي التضحية بقيمنا ونحط من معاييرنا إزاء قيم ومعايير الإرهابيين، خاصة الذين يبررون تصرفاتهم الإجرامية بالدفاع الشرعي عن المعتقد.
وعليه فنحن الحقوقيون ملزمون بإيجاد صيغة «إنسانية» لحل معضلة التوفيق بين حقوق الإنسان وحقوق الأوطان، فالأمن حق والحق أمان، ومن المؤكد أن تمرين إيجاد المعادلة الصحيحة بين ضمان الحق في الأمن حماية الحقوق هو تمرين صعب. غير أنه التمرين الوحيد المسموح به من أجل ترسيخ المكاسب القائمة وتعميقها. مما يستوجب:
* تحديد مفهوم وطني واضح للأمن قابل للاستيعاب من طرف الجميع يقوم على اعتبار الشأن الأمني شأنا عاما وجزء من السياسات العمومية تسري عليه –مع اعتبار الخصوصية – ما يجري على السياسات العمومية عموما وعلى إرساء الثقة بين المجتمع والأجهزة المشرفة على الأمن وعلى القواعد الديمقراطية الأساسية المعروفة وخاصة ما تعلق منها بإخضاع الأجهزة الأمنية لرقابة المؤسسات التشريعية والتنفيذية؛
* إرساء الإطار القانوني والمؤسساتي لاتخاذ القرار الأمني وتنفيذه في احترام تام للحقوق والحريات ولمبادئ المراقبة والمحاسبة والخضوع للمؤسسات التشريعية والتنفيذية؛
* تطوير سياسات دقيقة لتطويق المخاطر؛
* تقوية الأجهزة المكلفة بوضع وتنفيذ ومتابعة السياسات الأمنية؛
* تمكين الهيئات المدنية من وسائل التتبع والتقييم والاقتراح.