محمد فال طالبنا: صناعة الحياة

محمد فال طالبنا: صناعة الحياة

قد لا نستغرب أن نسمع عبارة "الموت في سبيل الله" أي أن يموت المرء صابرا محتسبا مُقبلا غير مُدبر وتلك هي الشهادة التي تتوق إليها نفوس الشرفاء، والتي لاتحدث إلا باصطفاء وانتقاء من الله لعباده حيث يقول جل من قائل {ويتخذ منكم شهداء} آل عمران 140، وللمرء أن يتساءل هل نجد في خطابنا الديني بكل أشكاله من العلماء والدعاة والمفكرين من يدعو في المقابل إلى الحياة في سبيل الله؟.

ولست هنا في معرض العناد بين المفاهيم الشرعية لأجعلها طرفي نقيض!!.

فصناعة الحياة هي الأصل والمعنى الحقيقي لوجودنا خليفة عَلى هذه الأرض.

وصناعة الموت عندما تكون ذوداً عن الحق والأوطان فهي تضحية تفخر بها الأمم وتقدس فاعليها لأنهم تجردوا من الأنانية وقدموا أرواحهم في سبيل أمتهم وأوطانهم. ومن هنا نتبين أن الشهادة ليست مقصودة لذاتها بقدر ما هي لحفظ الحياة تماما كما قال تعالى {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب} البقرة 179.

فالأصل في الحياة أنها معركة للبناء والإصلاح والصبر والتشييد.

وقد طغت للأسف على ثقافتنا لغة الحديث عن الموت!! حتى أصبح في نظر البعض العلاج الوحيد لمشاكلنا، فمن منا لا يحفظ قصيدة النابغة الذبياني التي يقول فيها : (يا بنت عمي كتابُ الله أخرجني *** كُرْها وهل أٓمنعٓنّٓ الله ما فعلٓا).

وقد صدق الشاعر حين اعتبر أن خروجه "كُره"  ليُجسد معنى الآية الكريمة {كُتب عليكم القتال وهو كُره لكم} البقرة 216. فهو أمر اضطراري حفظ الله به الذمم والأعراض بل حفظ به الحياة بكل تفاصيلها فجعله بداية تأسيس لمشروع بناء عظيم وليس هدفا للتخريب والترهيب.

وحين نفتش في مخزوننا الأدبي نجد الكثير من الشعراء والأدباء يتغنون بأمجاد الشهداء في ميادين الصراع الشتى في عالمنا العربي والإسلامي وهو أمر لا ننكر إيجابياته، لكن ما لا ينبغي هو أن نقف عند هذا الحد. فمشاريعنا كأمة عطاء ووسطية لا تقف عند هذا المعنى، إذ لا يجب أن نغفل التغني بأمجاد وتضحيات العالم والمبدع والمجاهد والمرابط في ميادين الحياة والإصلاح والنهضة والدعوة إلى الإيمان والحق والصبر.

فالحياة غالية عزيزة وقد مات رسولنا صلى الله عليه وسلم على فراشه بعدما عاش حياته كلها في سبيل الله، وكذا أبو بكر رضي الله عنه.

فالإستقالة من وظيفة العيش على ظهر هذا الكوكب ممنوعة لأنها هزيمة لا يقبلها الله وجُرم حرم الجنة على مقترفه ظلما وعدوانا. وقد قال صلى الله عليه وسلم في وصيته للمجاهدين وقادة الجيوش (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من حُمر النّعٓم) متفق عليه. وكان يقول أيضا (لاتتمنو لقاء العدو، واسألو الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا) متفق عليه.

وقد قال يوسف عليه السلام بعدما عمّر الحياة، وضحى وصبر وصنع وصار على خزائن الأرض {توفني مسلما وألحقني بالصالحين} سورة يوسف101، وما ذالك إلا لأن الموت نهاية لابد منها ولكنها جميلة بعد العطاء والبناء والقيادة والعدل والإنصاف والسلام.

فالموت إذا ليس نقيضا للحياة، بل هو امتداد لها. فمن عاش متصفا بهذه الأوصاف جدير أن يكون موته في سبيل الله، وإن مات على فراشه كما حدث لخالد ابن الوليد رضي الله عنه.

فعلى أبنائنا وشبابنا وإخوتنا أن يعلموا أن الموت ليس عملية خلاص سريع من تكاليف الحياة وتبعاتها لأن الجهاد الأكبر هو الجهاد في ميدان الحياة.

فلا يجب أن يدفعنا خوفنا وخشيتنا من حياة الخمول واللذة والإثم أن نختصر الطريق على أنفسنا لأن الأجر قد ل ايقع، والنتيجة بعدنا هي إطالة الطريق على أمتنا.