وليد بطراوي: تريدونها انتفاضة ثالثة، تفضلوا...!

وليد بطراوي: تريدونها انتفاضة ثالثة، تفضلوا...!

الأقصى في خطر، ما الجديد؟ الاستفزازات يومية و"التدنيس" يومي، والإهانة لنا يوميا، فما الجديد وأين الخبر؟ من يجلس في أصقاع العالم ويقول انتفاضة ثالثة، نقول له تفضل، لأننا لم نعد مستعدين لأن نكون قطيعاً، وأن تكون مسؤولية حماية القدس وفلسطين على أكتاف الشباب والفتيات والأطفال الفلسطينيين. من يريد تحرير فلسطين وانتفاضة ثالثة فليبدأها من موقعه، بتحرير نفسه أولاً من ولاءاته للأنظمة التي يعيش تحت ظلالها ومن أفكاره ومزايداته وليتفضل يا مرحبا يا مرحبا!

اعمل نفسك ميتاً

أذكر أنه في احد أيام الانتفاضة الأولى، وبينما كان الجيش الإسرائيلي يلاحق صديقاً لي، استطاع هذا الصديق الإفلات من الاعتقال بأن سقط على الأرض وادعى أنه ميت، وجاءت النسوة وبدأن يبكينه وما إن تم إدخاله إلى سيارة الإسعاف حتى استفاق، فقال الجميع "سبحان الله". قبل أيام، اضطررت إلى زيارة أحد الأطباء الذي لا يأتي إلا مرة أو ربما مرتين في الأسبوع إلى رام الله، وكان رقمي 27، وعندما وصلت بعد ساعة من موعد دوام الطبيب، كان قد خضع 5 مرضى فقط للعلاج. جلست منتظرا لأكثر من ثلاث ساعات، ولم أتمكن من مراجعة الطبيب، وقررت أن أذهب إلى طبيب آخر كان قد وصل إلى عيادته للتو. بينما انتظرت، أخذت أفكر في أشياء كثيرة منها ما أضحكني إلى درجة أن المراجعين ظنوا أنني مجنون، ومنها ما آلمني وخاصة أن شاشة التلفاز أمامي لم تتوقف عن بث المواجهات مع الجيش الإسرائيلي مباشرة. ومن بين ما تذكرت، قصة صديقي، وتمنيت لو كان بإمكاني أن "أعمل نفسي ميتا" أو ربما أن أموت بدلاً من مراجعة الطبيب والانتظار كل هذا الوقت. في نهاية المطاف كانت "سليمة" لم أمت ولم يتضح أنني أعاني من أي شيء يستدعي الموت!

"كان لازم متت"!

في اليوم التالي، عدت إلى نفس المركز لإجراء صورة "الترا ساوند" كما يسمونها. وصلت في التاسعة كما طلب مني، وسجلت اسمي، لكن موظف الاستقبال قال لي إن الطبيب صاحب الاختصاص لا يأتي إلا في الساعة العاشرة. وهذه كانت صدمتي الأولى. جلست منتظرا بين جموع المنتظرين، فمنهم من جاء لإجراء "الترا ساوند" ومنهم لإجراء فحوص مخبرية مختلفة. بيننا كان يتجول موظف شركة التنظيف ليتأكد من النظافة ولمسح الأرض والغبار. ثم اختفى، ليعود بعد ذلك منادياً على أحد المراجعين. ثم اختفى وأعاد الكرّة وبدأ مهماته التي لا تقع ضمن وصفه الوظيفي، ينادي هذا ويطلب من ذاك، ويأتي بأوراق تلك ويقلبها قبل أن يسلمها. جاء دوري في الساعة 11:15 وكان هو من ناداني، ثم طلب مني الانتظار، وبعدها أرشدني إلى غرفة الفحص، وطلب مني أن أتمدد على السرير، ثم دخل الطبيب فسألته "هل لديكم نقص في الموظفين؟". أجاب "لا". ربما ظن أنني أسعى إلى وظيفة عندهم. بعد أن أنهيت إجراء الفحص، كتب الطبيب تقريره، وجاء موظف شركة التنظيف بناء على طلب الطبيب ووضع صور الفحص في الملف، وسلمني إياه طالباً مني أن اذهب إلى الطبيب الذي أرسلني. قد يكون هذا الشاب محل ثقة، وربما يدرس التمريض في إحدى الكليات لكن ضنك العيش ما دفعه للعمل في شركة تنظيف. ولكن ألا يحق للمريض أن يتساءل لماذا هو من يقوم بعمل الآخرين؟

هل ستعود الأرقام؟

خلال الاحتفال بانطلاقة "فتح" في رام الله قبل سنوات، سرقت دراجتي الهوائية أمام أعين رجال الأمن الذين تواجدوا في محيط "المقاطعة". وقد سرقت من "بيت درج" منزل الأهل في حينه الذي كان سطحه منصة للمتفرجين. انزعجت للأمر، وهدأت من غضبي بأن قلت "الحمد لله أن ما سرق هو دراجة هوائية" ولمزيد من التهدئة قلت، "هناك بيوت تقصف وتحرق وأطفال يموتون" وهكذا نسيت الأمر. صباح اليوم التالي اتصل بي الوالد، رحمه الله، مخبراً بأن الدراجة قد عادت وروى "في الثامنة والنصف رن جرس البيت وإذا برجل مع ابنه يقفان. ما إن فتحت الباب حتى أخذ الرجل يقبل رأسي ويعتذر عمّا فعله وابنه. وتبين أنهما جاءا من مخيم طولكرم لإعادة الدراجة". شكر الوالد الرجل وحاول جاهداً بأن يقنعه بشرب.

(عن "سما الإخبارية" الفلسطينية)