عندما كنا شبانا، يتراوح عمرنا بين 18 و 21 سنة، غير راشدين مدنيا ولكن سياسيا كان حماسنا وصدقية طموحنا وغيرتنا الوطنية يغطون جميع البياضات، فقد تظاهرنا ضد استضافة شاه إيران المطرود من قبل شعبه الثائر، وضد محمد أنور السادات يوم وقع اتفاقية العار باصطبل داوود، وضد الصهيوني شيمون بيريز، رغم الإرهاب الأمني والقمع البوليسي الشديد.
واليوم على الشباب أن يميز بين الأمور، فلكل طريدة سلاح لقنصها ولكل خصم وسيلة مواجهته ولكل علة طريقة علاجها، فاقتصدوا فالحرب الحقيقية طويلة الأمد; ولأن المناسبة شرط، فقبل أيام نظمت القناة الثانية برنامجا خاصا حول « الحدود المغربية » في العلاقة مع الحق في السيادة، حضره ولاة وعمال المدن المحيطية، ومسؤولين في الأمن والداخلية بالإضافة إلى إعلامي وأستاذ جامعي، وكان الحديث حول أهمية قفل الحدود في وجه الإرهاب والتهريب وتجارة السلاح والمخدرات، واجتهد الجميع للتأكيد على أن الأمر لا يتعلق ببناء جدران « عازلة » بمعناها العنصري واللاإنساني، وقد كنت متفقا مع جل المداخلات من حيث المبدأ غير أن سياق تنظيم الندوة وبتلك الطريقة الفجائية لم يرقني، طبعا لن يروقني لانعدام احترام الحق في الإعلام وفق مقاربة تشاركية، ثم لم ألاحظ ما يستدعي كل هذه « العجلة » لأن مطلب حفظ السيادة الوطنية من باب المسلمات وليس فقط من تحصيل حاصل، ولكن الذي أعجبني، من الناحية الايجابية، هو هذا التأكيد على أن المغرب « سيقفل النوافذ التي يدخل منها الريح، لكي يرتاح و يستريح »، ومادام الأمر كذلك، فالمغرب ينبغي أن لا يكون بلد لجوء، اللهم لمن استحقه حقوقيا / إنسانيا ووفق المساطر المتعارف عليها كونيا، وسيظل بالتالي بلد ضيافة واستضافة، غير أنه لابد من استحضار الحكمة من تنظيم الندوة المشار إليها سالفا، حماية السيادة وسمعة البلد. فأبواب الوطن يجب أن تقفل في وجه الهاربين من عدالة أوطانهم، وعلى سبيل النكتة، فقد تسلل إلي، وأنا أغط نوما، كابوس حلول رئيس اليمن المخلوع مهاجرا إلى المغرب، فدعوت وأنا نائم، إلى تظاهرة احتجاجية، وجاءني شرطي « الحريات العامة » وطلب مني إن كنت أتوفر على ترخيص، فقلت أي ترخيص، فأجاب الترخيص بالحلم، فعقبت عليه، هذا كابوس وليس حلم، فوطننا ليس ملاذا للهاربين من شعوبهم ولا هو مطرحا لنفايات الجغرافيا وبالأحرى التاريخ.