في صلة بالقطع مع مظاهر التشاؤم، كان لـ"جاك شيراك" أن أنشأ واحدة من المعادلات الأكثر تعقيدا من أجل استتباب الديمقراطية، وتتأسس على عاملي "العلاقة والقطيعة" بين الشعب وممثليه في النموذج السياسي المتنور.
ومنذ عصر الأنوار، تم إرساء النموذج الديمقراطي على نظام تمثيلي يجسد تمثيل الشعب من قبل فئة منتخبة، بمعنى أن الموافقة الشعبية تظل حجر الأساس لهذا النظام من خلال الاقتراع العام.
الآن، نلاحظ من انتخابات إلى أخرى تراجع الكتلة الناخبة عن منح أصواتها للطبقة السياسية، بعد أن عجزت عن تلبية مطالبها وانتظاراتها. والناخب اليوم، يعيش على وقع التأرجح بين التصويت والامتناع، بحيث ذلك ما صار يضبط سلوكه الانتخابي تبعا للعرض السياسي، ومدى رؤيته وتقييمه لأهمية اللعبة الانتخابية. كما أنه أصبح أكثر من أي وقت مضى منددا بشريحة منافقة تفتقد الجرأة والحكامة في إدارة الشؤون العامة.
وفي ظل كل هذا، يبقى الجواب على ذلك التشاؤم هو نفسه الجواب على استمرار مناحي الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، بما تتخللها من مشاكل البطالة الماضية دون بروز ملامح كبحها، يضاف إلى هذا انعدام الأمن الاجتماعي، والدفع بسخط لا يتجه سوى صوب اتساع الهوة بين الفرنسيين وممثليهم السياسيين، ومن ثمة الاستقرار على اتخاذ خيار احتجاج الشارع عن طريق تنظيم المسيرات والتظاهرات.
"جرار غرومبرغ"، وهو مؤرخ الحزب الاشتراكي وأستاذ العلوم السياسية، سبق له أن علق في برنامج تلفزيوني على قناة "فرانس تي في الإخبارية"، بمناسبة الدور الثاني من انتخابات المقاطعات لـ22 مارس 2015، قائلا بأن اليسار دفع الثمن كما كان منتظرا، وإذا كان قد انقسم فلأنه غير موجود أصلا. مضيفا بأنه لا يمكن وضع أحزاب متنافسة في الانتخابات ولم تعد راغبة في الحكم تحت نفس الاسم. يبدو بأنها فرضية معقولة وبعيدة عن العبث. والواقع أننا يجب أن نعود إلى ما يؤسس الرغبة في الحكم معا في التاريخ السياسي للقرنين التاسع عشر والعشرين من أجل استكمال أهداف يسار القرن 21.
وبالنسبة لاستفتاء 16، 17 و18 أكتوبر 2015، فإنه يبقى مطلوبا من قبل "جون كريستوف"، على الرغم من أنه يتغذى على الرغبة في احتواء دوامة الهزائم الانتخابية، وتغيير هاجس انخفاض الثقة اتجاه يسار مشتت وضعيف. مع مواجهة اثنين من أشد المعيقات، وهما الامتناع عن التصويت والتقسيم. خاصة وأن اليسار في مرحلة متقدمة من التسريح.
وعليه، فإن هذا الاستفتاء تبقى له أحقية قياس مدى درجة النجاح أو الفشل، والنتائج المقنعة هي الكفيلة بفتح الطريق أمام اختيارات تحقيق مجتمع أكثر مساواة، إن على مستوى السكن، أو الشغل، أو النقل، أو التعليم. وكذلك على مستوى توفير بيئة أفضل تنسجم مع الحقوق الاجتماعية المكفولة دستوريا.
في ظل هذه الظروف، فإن استراتيجية الاستفتاء من الممكن أن تتحول لبذرة فشل وعزوف المواطن، ناهيك عن استشراء المحسوبية، وتعطل حوار اليسار بفعل الهيمنة الاشتراكية، وأيضا تهميش الأحياء الشعبية وتعميق مشاكلها، مع تنامي مظاهر الاحتيال والغش ببنية المجتمع المدني، وكل ما يمكنه أن يساهم في التفرقة من عوامل الفشل.
من جهة أخرى، فإن الحزب الاشتراكي الذي يواجه أسوأ الصعوبات في لملمة ذاته، لم تعد له القدرة على إقناع الأطراف اليسارية الأخرى بالالتفاف حوله. والتي من طرفها تتوفر على كل الأسباب والحجج لتبرير ذلك الرفض، بما فيها السياسة اليسارية المتبعة من لدن الحكومة الاشتراكية. وهو المعطى الذي يشكل صلب مهددات الاستفتاء التي يلوح بها المنشقون عن التيار الإيكولوجي.
وكان حاملو مشروع "ضد الاستفتاء" كارولين دي هاس وجوليان بايو قد كشفا عن رأيهما في سوء نية الاشتراكيين بخصوص الاستفتاء، بالنظر إلى المسألة من موقع الابتزاز أمام خطر فوز الجبهة الوطنية.
إن المسؤولية الرئيسية لصعود الجبهة الوطنية، تتجلى أولا في أولئك الذين تخلوا عن التزاماتهم في الحملة، كما قالت "كارولين دي هاس". فيما أكد "جوليان بايو" على أن الاستقلال الذاتي للحزب الاشتراكي هو الذي من الممكن أن ينجي من الوقوع في تلاعبات جون كريستوف، هذا إن أريد للتحالف النجاح.
ومهما يكن، فإن دور الحزب الاشتراكي ليس كسر شوكة شركائه، وإنما حسب السياق الحالي إذا كان الاستفتاء بفرص محدودة للنجاح أو بالأحرى ذا أسباب مطوقة للهزيمة، فإن التشدق لن يوصل "البيئيين" وأنصارهم إلا إلى المزيد من العزلة بالنظر لحجم انقساماته الداخلية.
والخلاصة، فإنه في حالة واحدة كما في غيرها، لا يوجد في المبادرتين معا ما يحفز المواطن على الذهاب لصناديق الاقتراع من أجل التصويت. فالتشاؤم هو سيد الموقف، متصلبا بعدم الوفاء بالالتزامات وحدة الانقسامات. لكن السؤال الذي يطرح هو إلى متى؟. فمن المحتمل أن توقظ صدمة الجبهة الوطنية في الدور الأول من الانتخابات الجهوية الضمائر، وتحدد بدقة المسؤوليات.