بالتأكيد أن البيئة اليوم بمفهومها الشامل أضحت من أهم المداخل للتربية على قيم المواطنة، بل إنها تعتبر ركيزة أساسية من ركائز التنمية بكل أبعادها، على اعتبار أنها قادرة على إشباع رغبات المواطن وتوفير حاجياته اقتصاديا واجتماعيا وضمان منسوب ثقافي سياسي ينهم من ينبوعه، شريطة أن يعيش عليها وليس منها في إطار توازن حقيقي لميزان الموارد الطبيعية والحاجيات البشرية.
فتراجع غابات وأحزمة المدن الخضراء وحدائقها ونخيلها وأشجارها، يؤكد أن الثقافة البيئية لدى منتخبينا، محليا وإقليميا وجهويا، لا مكان لها ضمن اهتماماتهم، بل إنها لا تجد متسعا من الوقت حتى للتفكير في مواضيعها، فبالأحرى المحافظة على ما تبقى من موروثها الحضاري وتقديم مشاريع واعدة في شأنها والترافع عليها. وخير دليل على ذلك غياب نقط بيئية ضمن جداول أعمال المجالس المنتخبة اللهم بعض التدابير والشعارات اللحظية المتزامنة مع الاحتفالات بالأيام البيئية رغم أن المشرع المغربي خص الجانب البيئي بميثاق جد مهم يحتاج للتفعيل والأجرأة. هذا الفعل السلبي تجاه بيئتنا ساعد على تراجع المساحات الخضراء على حساب الإسمنت المسلح واكتساح البنايات لكل المجالات البيئية إلى درجة الاختناق.
البيئية في بعدها التنموي ليست بمنة من أحد، ولكنها، في نظرنا، تدخل في إطار الواجب إنجازه وتقديمه كمشاريع للساكنة التي تؤدي الضرائب المتعددة والمنهكة للجيوب دون تحويل سيولتها المالية إلى ما يفرح ويسعد النفس ويشرح الصدر من كثرة المآسي اليومية الجاثمة عليه كانتشار مطارح النفايات المتنوعة بخطورة محتوياتها (صلبة/ سائلة/ بلاستيكية/ زجاجية/ اليكترونية/ طبية...) بشوارع وأزقة مدننا وبجنبات المؤسسات التعليمية والمستشفيات والأسواق والحدائق المهملة، فضلا عن خرائط المياه الملوثة التي لا تجد قنوات الصرف الصحي لابتلاعها وتشكل بؤرا مرضية تنتج شتى الأعطاب للسلامة الجسدية.
فالمؤسسات المنتخبة اليوم مطالبة بتقديم أوراق عن معالمها الإيكولوجية والبيئية ومآثرها التاريخية ومواردها الطبيعية وإنجاز دراسات عن خطورة الوضع البيئي بمناطقها بتنسيق مع الجمعيات المختصة بيئيا والمؤسسات الاقتصادية العاملة بمجالها الترابي الذي تستخلص منه ضرائب الاستثمار (مقالع/ صناعة/ معادن/....) وتقييم انعكاس تواجدها على صحة الإنسان على جميع المستويات والخروج بمقترحات تشاركية تحفظ حقوق المواطن وكرامته وتضمن واجبات المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر سلبيا على المجال البيئي، لأن المؤسسات الاقتصادية المواطنة هي التي تفكر في العقد التشاركي المبني على الحقوق والواجبات للمحافظة على الموارد الطبيعية وتوازنها دون الإخلال بحقوق الإنسان كما هو منصوص عليه في دستورنا المغربي وما تم ملاءمته مع العهود والمواثيق الدولية.
فمن حق المواطن أن يستنشق هواء نقيا ويشرب ماء عذبا ويجد الفضاء الأخضر كرئة تحمي وجوده وتحصن صحته، ومن واجب المؤسسات المنتخبة أن تشيد القناطر والممرات والمماشي وتعبد الطرقات وتوفر قنوات الصرف الصحي وتحميه من انتشار الأمراض المعدية بفعل التلوث البيئي وتبدع في توفير الوسائل التقنية والموارد البشرية واستثمار طاقاتها الممكنة وتسرع في إحداث المطارح لإعدام ما ينتج من أزبال ونفايات يوميا.
ومن حق الوطن والمواطن أن تستنفر الجمعيات البيئية كل جهودها للترافع عن ظاهرة تراجع المسئولية البيئية وتنخرط بتلقائية في ترجمة كل النصوص القانونية الواردة في الدستور المغربي والميثاق الوطني للبيئة وتجبر المسئولين والجهات المعنية على الجلوس لطاولة الحوار للاطلاع على مشاريعها والتدقيق في تجاوزات المؤسسات الصناعية التي تلتف على حقوق الإنسان بيئيا ولا تقدم أي قيمة مضافة في مجال ترابها الصناعي سوى التلوث والأمراض المزمنة.
لقد حان الوقت لدق ناقوس الخطر وإعلان حالة الاستنفار بمدننا وقرانا التي اسودت رئتها بمداخن تنفث السموم... وبطئت نبضات قلبها بسب ترسب فيروس اللامبالاة في شرايينها.... وأصيبت الكلى بانحسار في تدفق الأمل عبر قنواتها... لنضخ أوكسجين الحياة المتجددة بيئيا كمدخل أساسي للتربية على قيم المواطنة.
فلماذا تتملص المؤسسات المنتخبة من مساءلة مغتصبي الحق في بيئة متوازنة؟؟