تبدو دعوة المقاطعة الاقتصادية للسويد كردة فعل غير واقعية وغير محسوبة العواقب. فمن أبسط المنتجات الاستهلاكية كالقهوة إلى أكثر القطاعات إستراتيجية كالكهرباء تتقاطع المصالح وتتشابك لدرجة تبدو معها دعوة المقاطعة كضرب من العبث.
التطور البارز في الموقف السويدي تجاه المغرب ظهر جليا سنة بعد تولي الحكومة الحالية، والتي أسندت فيها حقيبة الخارجية لوزير "سياسي"من الحزب الذي يقود التحالف الحكومي. ففي 15 نوفمبر 2012 تبنت لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان السويدي توصية تطلب من الحكومة الاعتراف بالجهمورية الوهمية. ورغم إقرار البرلمان السويدي هذه التوصية في 5 دجنبر من نفس السنة، إلا أن الحكومة السويدية عارضت تفعيلها، إلى أن عادت نفس التوصية إلى الواجهة في الأيام الأخيرة، ما يعتبر مؤشرا على الفشل الذريع للحكومة الشبه ملتحية في المغرب في تطويق المشكلة دبلوماسيا.
العديد من الشركات السويدية التي تنشط في المغرب اختلطت وتشابكت مصالحها مع مصالح الاقتصاد الوطني بشكل يصعب فيه الفصل بينها، إيركسون السويدية أول مزود لشركات الاتصالات المغربية بالتكنولوجيا الرقمية ، معظم كوادرها مهندسون مغاربة .. شركتا فولفو وسكانيا معا تشكلان أكبر مزود للسوق الوطني بالعربات الثقيلة تبيعان لوحدهما 1200 شاحنة سنويا و ترتهن بهما العشرات من شركات المناولة المغربية..
لننطلق من فنجان القهوة، هل يعلم دعاة المقاطعة أن قهوة "كافيينو" السويدية مشروع مغربي الأصل رغم أنه ولد في السويد؟ المشروع أطلقه مهاجران مغربيان من مدينة الحسيمة في السويد، وبعد نجاحه هناك حولا جزءا من استثماراتهما في المشروع إلى المغرب. فهل نطرد الأخوين اليونسي لأن استثمارهما قادم من السويد؟ أما الكهرباء فمحطة الجرف الأصفر التي تنتج نصف حاجيات المغرب من الكهرباء استثمار سويدي الأصل. وشركة طاقة الإماراتية التي تملك المشروع اليوم إنما حازته كجزء من ممتلكات مجموعة "أبي بي" السويدية بعد أن استحوذت عليها هناك. فالأمر لا يتعلق بأي حال من الأحوال باستثمار إماراتي مباشر ناتج عن إرادة إماراتية للاستثمار في إنتاج الكهرباء بالمغرب، بقدر ما هو صدفة صفقة رأسمالية جرت في السوق المعولمة للرساميل.
وهنا مربض الفرس. نحن اليوم في عالم اقتصادي معولم. في قرية صغيرة تتشابك فيها القوميات والجنسيات وتتداخل بشكل منقطع النظير. كيف يمكن أن نفصل في كومة القش بين قشة سويدية وأخرى إماراتية وثالثة مغربية، وكل القشات متداخلة وكلها متشابهة ومتشابكة.
فدعوات الحكومة على لسان ناطقها الرسمي في هذا المجال ليست فقط خارج السياق بل تنم عن عجز في إدارة مثل هذه الأزمات بالوسائل والآليات المناسبة. فالمعركة تدور في المجال الدبلوماسي، وعجز الحكومة وسوء تدبيرها وقلة حيلتها في هذا المجال، تحاول أن تغطي عنه بنقل المعركة إلى مجالات لا علاقة لها بالمشكلة، وافتعال معارك هامشية ستقصف مواقع بطريقة عشوائية وتسقط ضحايا أبرياء دون أن تحل المشكلة الأصلية التي توجد في مجال آخر. ويردنا موقف الحكومة هذا إلى ممارسات بعض حكام زمان المستبدين والتي وصفها الشعب بالقول المشهور "طاحت الصمعة علقوا الحجام".