انشغل رئيس الحكومة بحملته الانتخابات لفائدة حزبه في سابقة لم يقم بها أي رئيس حكومة من الذين عرفهم المغرب، نظرا لاحترامهم لمؤسسة الحكومة باعتبارها تهم كل المغاربة وليس جزءا منهم فقط. وذلك بدل أن يتابع مجريات العمليات الانتخابية حتى تتطابق مع ما ينص عليه القانون ويحمي حقوق جميع المرشحات والمرشحين لاعتبار أن الإدارة التي هي موضوعة رهن إشارته بحكم الدستور من جهة، وكذا تطبيقا منه للتوجهات الملكية التي أسندت للحكومة التي يرأسها تنظيم تلك الانتخابات من جهة أخرى بعد الخلاف الذي وقع حول الجهة المؤهلة لتنظيم الانتخابات الذي أثارته أحزاب المعارضة .
وهذا التخلي الواضح عن مسؤولية رئيس الحكومة نتج عنه خلل كبير في تنظيم تلك الانتخابات على صعيد المجلس الجماعي للدار البيضاء وسابقة لم تعرفها الحياة السياسية في بلادنا من قبل، تم فيها، مع الاسف، تجاوز للدستور وخرق للقوانين المنظم لتلك الانتخابات.
ذلك أن هذه الانتخابات نظمتها الحكومة تمت في إطار القانون التنظيمي 59.11 الذي حدد القواعد الواجب اتباعها لتنظيم مثل تلك الانتخابات بعدما أدخلت عليه تعديلات بمقتضى القانون التنظيمي رقم 15.34 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.90 بتاريخ 16/7/2015.
وأن الحكومة تطبيقا منها للمادة 77 من هذا القانون التنظيمي المذكور أصدرت مرسوما باقتراح من وزارة الداخلية حددت فيه عدد المقاطعات وحدودها الجغرافيةأاسمائها وعدد أعضاء المجلس الجماعي ومستشاري المقاطعة الواجب انتخابهم في كل مقاطعة وهو المرسوم رقم 2.15.577 صادر في 7 شوال 1436 الموافق 24/7/2015 المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 27/7/2015 رقم 6381 .
وأنه بالرجوع إلى ذلك الجدول ستلاحظ أنه حصر عدد الأعضاء الواجب انتخابهم في كل مقاطعة من مقاطعات المجلس الجماعي للدار البيضاء كما يلي :
الحي الحسني 20 عضوا - سيدي مومن 20 عضوا – عين الشق 20 عضوا – مولاي رشيد 20 عضوا – سيدي عثمان 20 عضوا – سيدس بليوط 20 عضوا – سيدي البرنوصي 18 عضوا – عين السبع 18 عضوا – المعاريف 18 عضوا- الفداء 18 عضوا- الحي المحمدي 16 عضوا- ابن مسيك 16 عضوا – مرس السلطان 16 عضوا - سباتة 14 عضوا – الصخور السوداء 14 عضوا – أنفا 12 عضوا.
غير أن لجن الإحصاء و الفرز أعلنت فوز عدد من الأعضاء يفوق ما هو محدد بالمرسوم المشار إليه أعلاه . إذ أن بعضها أضاف عضو واحد و البعض الآخر أضاف 3 أعضاء في خرق واضح للقانون . كما هو ثابت من المحاضر التي أنجزتها لجان الفرز في مكاتب التصويت و المكاتب المركزية و للجان الإحصاء.
وأن الخرق القانوني الذي ارتكب في مقاطعات مجلس مدينة الدار البيضاء له وجهان:
- الوجه الأول لخرق القانون
من غير المنازع فيه أن لانتخابات التي أجريت في ظل دستور 2011، و لم تجر في ظل قوانين عادية كما كان الحال عليه من قبل وإنما أصبحت تطبيق وتنفيذ قوانين تنظيمية، أي لقوانين لها طبيعة دستورية ما دام أن القوانين التنظيمية هي قوانين مكملة للدستور
وأن رفع المشرع الدستوري لدرجة القوانين الانتخابية من مرتبة القوانين العادية إلى مرتبة القوانين التنظيمية كان الغرض منه هو الـتأكيد على إلزامية احترام ما تنص عليه تلك القوانين التنظيمية مثل الإلزامية التي تفرضها القواعد الدستورية التي لا يمكن تأويلها أو التوسع في تفسيرها من قبل اي جهة كيف ما كانت , بما فيها الإدارة التي هي من مسؤولية رئيس الحكومة، ما دام أن الجهة الوحيدة المؤهلة لذلك هي المجلس الدستوري .
وأن المرسوم المشار إليه أعلاه يستمد قوته الإلزامية من المادة 77 من القانون التنظيمي المنظم لانتخاب المجالس الترابية رقم 11.59 المعدل بمقتضى القانون التنظيمي 11.34، كما تنص على ذلك تلك المادة التي ورد فيها ما يلي:
"يحدد بمرسوم يتخذ باقتراح وزير الداخلية عدد الأعضاء الواجب انتخابهم في مجلس كل جهة وتوزيع عدد المقاعد على العمالات والأقاليم وعمالات المقاطعات المكونة لكل جهة مع بيان عدد المقاعد المخصصة للنساء في كل عمالة أو إقليم أو مقاطعة".
وأن الحكومة قررت في اجتماعها المنعقد في 23/7/2015 إصدار المرسوم المشار تطبيقا لتلك المادة وحددت عدد الأعضاء في كل مقاطعة من مقاطعات مجلس مدينة الدار البيضاء كما هو مشار إليه أعلاه.
غير أن مكاتب التصويت والمكاتب المركزية ولجنة الإحصاء أعلنت عن نجاح أعداد أكثر مما حددها المرسوم المذكور .
أن الأمر لا يتعلق بخطأ في إضافة عضو أو عضوين من الأشخاص المعلن نجاحهم وإنما الأمر يتعلق بإخلال وخرق للقواعد الدستورية ارتكب في جميع مقاطعات مجلس مدينة الدار البيضاء وبالتالي :
-أثر على العدد الإجمالي لأعضاء الجهة بكاملها وجعلها مشكلة بأكثر من العدد المحدد قانونا .
- اثر على احتساب المعامل الذي حددت بناء عليه العتبة التي أقصي بناء عليها عدد من المرشحات والمرشحين.
- أثر على حصة النساء في التمثيلية أمام مجلس المقاطعة ومجلس المدينةومجلس الجهة..
وأنه لا يمكن اعتبار ذلك الخرق الواضح للقانون التنظيمي خطأ في الحساب يمكن تجاوزه بالتشطيب على من رتب في أخر اللائحة للأسباب التالية:
السبب الأول: هو أن الأمر ليس خطأ في الحساب وإنما الإدارة التي هي تحت إشراف رئيس الحكومة هي من أشرفت على تلك الانتخابات وهي التي قبلت ترشح عدد يفوق العدد المنصوص عليها في المرسوم المذكور كما هو ثابت من لائحة الترشيحات التي وقع عليها المرشحون والمرشحات والتي تسلمتها الإدارة منهم وأجرت بناء عليها عمليات الاقتراع.
السبب الثاني: هو أن الشخص المعلن عليه فائزا في والمرتب في آخر تلك اللائحة لا يمكن تحميله خطأ لم يرتكبه ولا يمكن أن يسأل عليه.
السبب الثالث: هو أن هذا الشخص المعلن عن فوزه هو نتيجة لتعبير على الإرادة العامة لمن صوت على اللائحة بكاملها، ومن الأكيد أن عددا كبيرا ممن صوت على اللائحة المعنية صوت عليها بسبب تواجد ذلك العضو فيها بغض النظر عن رتبته في اللائحة مما لا يمكن التشطيب عليه.
وبعد البحث في محاضر اجتماعات الحكومة من أجل التحقق هل سبق للحكومة أن عدلت المرسوم المذكور أو رفعت من عدد الأعضاء تبين بعد تفحص جداول أعمال مجلس الحكومة ما بين اجتماعها يوم 23/7/2015 الذي أصدرت فيه المرسوم المذكور وآخر اجتماعها قبل يوم إجراء الانتخابات. إن الحكومة لم تتداول في إعادة النظر في المرسوم 6.15.576 أو تغيره أو تعديله أو ترفع من عدد الأعضاء الذين حددهم، وهو الأمر الثابت من الاطلاع على محاضر كل الاجتماعات التي عقدها مجلس الحكومة بعد اجتماع 23/7/2015 .
وأنه يتأكد أن الانتخابات التي نظمت في مدينة الدار البيضاء أجريت في خرق واضح للقانون.
- الوجه الثاني لخرق القانون:
يتبن الخرق الثاني للقانون من كون المادة 77 من القانون التنظيمي المشار إليها أعلاه حددت الإطار القانوني الذي يجب على المرسوم الذي تصدره الحكومة الخضوع له و احترامه وعدم تجاوزه .
وبما أن الأساس القانوني الذي بنت عليه المادة 77 هو ما نصت عليه المادة 76 والتي قررت وحسمت في كون الدائرة الانتخابية يجب أن تخضع لتقسيم الإداري وتتطابق معه إذ ورد فيها ما يلي:
- يشكل النفوذ الترابي لكل عمالة أو اقليم أو عمالة أساس التقطيع الانتخابي للجهة .
- يحدث على صعيد النفوذ الترابي لكل عمالة اقليم أو عمالة مقاطعة دارة انتخابية.
وأن من المعلوم أن تصميم التهيئة الترابية الخاص بمدينة الدار البيضاء الذي حدد جغرافية مدينة الدار البيضاء نشر منذ 2013 وبالتالي حدد جغرافية النفوذ الترابي لكل عمالة أو إقليم أو عمالة مقاطعة. بينما هذا التصميم لم يحترم عند توزيع الدوائر الانتخابية ذلك التصميم بالرغم عن مطالبة أحزاب المعارضة بذلك فإن توزيع المقاعد بين المقاطعات هو مخالفا للمادة 76 و77 من القانون التنظيمي المنظم للانتخابات. مما يعني أن الانتخابات لم تجر طبقا للإجراءات المقررة في القانون .
وأن المشرع الدستوري عندما حرص على رفع القوانين المنظمة للانتخابات من رتبة القوانين العادية إلى رتبة القوانين المكملة للدستور، أي القوانين التنظيمية، كان الغرض منه إلزامية الامتثال لها من قبل الجميع. فكيف يخرقها رئيس الحكومة اليوم بالنظر لكون الإدراة هي رهن إشارته وتحت مسؤوليته كما سبق بيانه .
وأن حرص المشرع على إلزامية احترام تلك القواعد القانونية هو ما دفعه إلى سن الجزاء المذكور في الفصل 32 من القانون التنظيمي رقم 11.59 والذي نص على أن الانتخابات تكون باطلة إذا لم يحترم القانون المنظم لها عند إجرائها كما هو الحال في الانتخابات التي أجريت بمدينة الدار البيضاء يوم 4/9/2015. فماذا سيكون رد فعل السيد رئيس الحكومة؟ فاننتظر.