أظهرت الانتخابات الجماعية الأخيرة أن رغم تواجد 34 حزبا سياسيا في الخريطة السياسية على المستوى الوطني، فإن الحروب الانتخابية تكون حامية الوطيس بين ثمانية أحزاب سياسية، وهي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأن التسابق لحصد أصوات الناخبين لن يخرج عن هذه الأحزاب، وهو ما يعني أن المغرب على بعد خطوات قليلة لوضع حد للبلقنة التي كانت تهيمن على المشهد السياسي على المستوى الوطني.
وأظهرت الاستحقاقات الجماعية الأولى في ظل دستور 2011 أن المواطن المغربي في العديد من الجماعات الترابية، وخاصة الحواضر منها، بات يؤمن أن الاختيار والتصويت مبني على أسس علمية ووفق اختيار للحزب وليس للأشخاص، كما كان سائدا في ظل التجارب الجماعية الأخيرة، وأن الاعتماد على اللوائح الانتخابية بدأ يعطي ثماره. فالأحزاب الكبرى التي حصلت على أرقام متقدمة في الانتخابات الجماعية والجهوية مدعوة بشكل كبير إلى الانخراط في الدينامية التي يعرفها الشأن السياسي على المستوى الوطني. فدور هذه الأحزاب لا يجب أن ينتهي بمجرد إسدال الستار عن الاستحقاقات الجماعية.
فدورها مستمر في الزمان والمكان عبر الحضور اليومي في تأطير المواطنين والدفاع عن قيم الديمقراطية. فوزارة الداخلية التي كانت بمثابة «الحائط القصير» المتهم دائما بتزوير الانتخابات، أبانت عن حيادها وعن قدرتها فيأن تكون في المسافة ذاتها بين جميع الأحزاب سواء المشاركة في الحكومة أو التي اختارت المعارضة. فالكرة الآن في مرمى الأحزاب لتخليق الحياة السياسية واختيار الأكفاء لتسيير الشأن العام المحلي والوطني.
وإذا كانت الانتخابات الجماعية والجهوية أعطت المرتبة الأولى للعدالة والتنمية وللأصالة والمعاصرة، فإن هذه المرتبة ليست تشريفا ولكن تكليفا، فأن يحتل إخوان بنكيران الصف الأول في الدار البيضاء مثلا، فهذا في حد ذاته امتحان صعب. صحيح أن العدالة والتنمية خبرت على طيلة عشر سنوات طريقة التسيير بوجودها في الأغلبية المسيرة لمجلس المدينة، إلا أنه حاليا سيكون أعضاؤها أمام فوهة بركان، فخلال التجربتين السابقتين كان الانتقاد منصبا فقط على العمدة محمد ساجد ولم تكن حرارة هذه الانتقادات تصل إلى أعضاء حزب العدالة والتنمية، عكس ما سيجري مستقبلا.
فالمصوتون في العاصمة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية ينتظرون قفزة نوعية في المدينة وإصلاح الأعطاب الكثيرة التي تعرفها. المهمة لن تكون سهلة لا لحزب العدالة والتنمية الذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات الجهوية، ولا لحزب الأصالة والمعاصرة الذي يوجد على رأس الأحزاب في الانتخابات الجماعية.
فالحزبان سيكونان تحت الأضواء وإنجازاتها وحدها هي التي سترجح كفتهما في الاستحقاقات البرلمانية المقبلة دون نسيان باقي الأحزاب الكبرى التي لن تقف موقف المتفرج وستحاول جاهدة إعادة مكانتها وطنيا أو جهويا. فأن يحصل أي حزب على المرتبة الأولى فذلك ليس نهاية العالم، لأن صناديق الاقتراع "مرة ليك ومرة عليك"، و"دوام الحال من المحال".