هو موضوع قديم جديد ذلك المتعلق بمسألة الانتخابات والشباب.
فمشاركة الشباب في الاستحقاقات، تطغى على الساحة السياسية والأكاديمية النقاشية كلما اقتربت المحطات الانتخابية سواء التشريعية أو المحلية منها.
تثار أسئلة كبيرة وتعقد ندوات عدة لمقاربة الموضوع، حيث يتمركز الحوار حول: المشاركة والنكوص ، العزوف والمقاطعة...
مبدئيا، عملية الإقبال على التسجيل والتصويت أضعها ضمن المسؤولية المجتمعية الملقاة على عاتق الشباب، فالبلاد من حقها على شبابها الانخراط في القوى الحية من مجتمع مدني وأحزاب سياسية ومنظمات غير الحكومية... بغية التغيير والبحث عن الأفضل من داخل النسق المؤسساتي.
لكن تحمل المسؤولية هذه من طرف الشباب، خاصة في شقها الحزبي السياسي منوطة بمجموعة من الشروط والظرفيات السوسيواقتصادية :
1- لمس تأثير الانتخابات :
لا يمكن لشباب اليوم أن ينكبوا على التصويت وهم لا يشعرون ولا يلاحظون لمسة التصويت على حياتهم الاقتصادية والاجتماعية كالشغل، الصحة، التعليم، الفضاءات السوسيوثقافية... الديمقراطية.
2- وجود بوادر للإصلاح:
الشباب هنا يريدون الإحساس بوجود رغبة كبيرة من النخبة السياسية لإصلاح وتحسين فرص العيش داخل مجالهم الميكروترابي (الجماعات الترابية) أو الماكروترابي (الشأن العام).
3- ترشح نخبة نزيهة :
لا يمكنك أن تطلب من شاب المشاركة في الانتخابات وأنت تزكي وتضع على رأس اللائحة أناس وأشخاص معروفين (علانية) بالفساد ونهب المال العام والاتجار في المخدرات.
4- تزكية الشباب على رأس اللوائح الانتخابية:
نظريا هذه المسألة تبقى صعبة لاعتبارات مالية وتنافسية بين الأحزاب، فالعملية أو عقلية الحملة الانتخابية بالمغرب تحتاج لنفقات مالية كبيرة وهذا لا يتوفر غالبا في الشباب الواعد، لكن لا يعني هذا عدم وضع بعض الشباب في مراتب متقدمة في لائحة الترشح.
5- تقديم مشروع مجنمعي واقعي برغماتي :
في الظرفية الحالية ومع طفرة تكنلوجيا الإعلام والتواصل وتوفر المعلومة، لا يمكن للشباب المغربي، اليوم، أن يتحمل مزيدا من النكسات الانتخابية والوعود السياسوية العاطفية الكاذبة، فالأحزاب الآن على المحك خاصة في ما بعد دستور 2011 والحراك العربي، فإما أن تنجح بمشاريع مجتمعية واقعية وتكسب ود الشباب والمواطن بصفة عامة أو تنهار نهائيا وتفقد آخر ما تبقى لها من أمانة ومصداقية أمام الشعب المغربي الكريم.
إذن بصفة عامة يجب أن يلامس الشباب الرغبة في تحسين الأوضاع وأن تقدم له الضمانات الكافية حتى يقتنع وينخرط وبكثافة في العملية الانتخابية... فالشباب من طبعهم الذكاء والثورة على كل ما هو سلبي.
وفي سياق الضمانات هذه سأعطي مثالا يزكي سبب عزوف الشباب عن التصويت :
في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بالجزائر، كان النظام الجزائري يدعو وبكل الوسائل المواطنين، خاصة الشباب منهم، بضرورة المساهمة في صنع جزائر جديدة، جزائر للجزائريين... وغيرها من الشعارات الرنانة والبروباغندا العاطفية.
فتشجيع الدولة الانخراط في العملية الانتخابية شيء جميل ولكن كيف للنظام الجزائري أن يطلب هذا الأمر وهو يقدم وفي القرن 21 رئيسا مقعدا مشلولا وينتظر من الناس التصويت عليه وبكثافة، إنها لمهزلة وأضحوكة فضائحية عالمية وقعت فيها الجزائر.
فالرئيس بوتفليقة، مع احترامي لتاريخه السياسي والدبلوماسي، أسميه بالموظف أو الرئيس الشبح الذي انتهت صلاحيته منذ زمان..
وبالعودة للضمانات من جديد ، على المدى المتوسط والبعيد، فالأحزاب المغربية مطالبة بمراجعة نفسها قبل فوات الآوان وهي مدعوة للقيام بالأمور التالية إن أرادت توافد الشباب عليها في مختلف فروعها التنظيمية :
1- ترتيب البيت الداخلي :
هناك مثل مغربي دارجي يقول "إلي بغا زنقة تنقى كلها يشطب كدام باب دارو"، فعلى الأحزاب القيام بعملية إعادة الهيكلة الايجابية، فمن غير المعقول أن تجد مجموعة من الفروع جامدة أو مغلقة لا تقوم بأي شيء ولا تتحرك إلا مع قدوم المؤتمرات أو الاستحقاقات (دكاكين انتخابية).
يجب تنشيط وتشبيب هذه الفروع بأناس مناضلين يحملون هموم محيطهم السوسيواقتصادي ولديهم النفس الطويل للتكوين والتأطير.
2- الديمقراطية الداخلية :
هذا مدخل أساس لإعادة تلميع صورة الأحزاب وتشجيع الشباب على الانخراط بها، فللأسف حال الأحزاب لا يسر في هذه المسألة. إذ تجد أشخاصا لا علاقة لهم بالحزب أو مرجعيته على رأس التنظيمات بشكل غير قانوني تؤطره نظرية الشيخ والمريد، عوض منطق الديناميكية والكفاءة، فمجموعة من الفروع تعرف نكوصا وتربع نفس الأشخاص على رأس الهرم لسنوات طوال دون نتيجة تذكر.
3- الأنفتاح والتكوين والتأطير:
مقرات الأحزاب وجدت لتفتح وتستقبل الناس وليس للغلق وانتظار المهرجانات الخطابية المناسباتية.
يجب مساعدة وتأطير الشباب تأطيرا فكريا وسياسيا رفيع المستوى، فهم الخلف والمستقبل.
4- الثقة وثقافة التشبيب :
في فرنسا مثلا تجد شاب عمره 25-26 سنة قادر على العطاء في القيادة بل تعطى له الإشارة كقيادي في الأمانة العامة للحزب وتحمل المسؤوليات، ليستعد في الثلاثينيات للاستوزار وتسيير الشأن العام.بينما في المغرب تجد شخص عمره 26 سنة ولم يسبق له أن ولج حزب ما أو لا يزال يترنح في الشبيبة في الوقت الذي من المفروض أن تعطى له الفرصة على مستوى الحزب والترشح للانتخابات ترشحا من الدرجة الأولى وليس الترشح النضالي الذي أعتبره شخصيا مسمومة أو سما في العسل.
وحان الوقت للقيادات الحزبية الحالية أن تسلم المشعل عن طيب خاطر للشباب فلا يمكن للشخص أن يستمر في قيادة الحزب لمدة 20 أو 40 سنة، فهذا أمر غير ديمقراطي يعكس التعامل بمنطق الضيعة الخاصة ونظام التوريث.
خلاصة القول، الانتخابات مدخل أساس نحو التغيير والديمقراطية، وهي مسؤولية الجميع على رأسهم الشباب، أمل المستقبل، وعلى الأحزاب أن تفهم الدرس درس الحراك العربي وأن تلعب دورها الطلائعي التاريخي لانتشال المجتمع من الفقر والهشاشة الاجتماعيىة... ومواجهة ناهبي المال العام ومحتكري الثروات...وإلا فالاستقرار الهش بالمغرب، سيتحول للتصدعات والتوترات الشعبية والشعبوية الاجتماعية، فالتاريخ يؤكد على سقوط لوبيات الفساد مهما طغوا وتجبروا في البلدان، والكرة في ملعب الأحزاب الآن.
صحيح أن الواقع مر والأفق مسدود، لكن أيعني هذا الاستسلام وتربيع الأيادي؟ سؤال موجه للشباب في إطار منطق المشاركة والمقاطعة.