الحِرباء شكلا معروفة عند أجدادنا وآبائنا وأمهاتنا،أما لونا فذلك حديث ذو شجون، وهي معروفة أيضا عند بعض الشباب الذين صادفوها في الطبيعة أو شاهدوها في البرامج الوثائقية التلفزيونية الخاصة بالزواحف، ويعرفها أيضا أطفال البوادي وتلاميذ المدارس العتيقة، فهي غالبا ما كانت تؤثث صفحة من صفحات الكتب المدرسية، ومعروفة أيضا في "فلك" الدجل، إذ بجولة في "أسواق" الشعوذة للتقصي والاستطلاع لا غير، يُمكن أن نسمع كلمة الحرباء "البوَّة"، ضمن مقادير وتركيبات غريبة، فاستعمالاتها "الخزعبلية" متخفية وغير مُعلن عنها، وعُرفَ عن المغاربة أنهم لا "يأكلونها" بتاتا..
فكيف يُمكن أن تنطلي عليهم حيَّلُ "الحِرباء" في المدن والقرى غداة فترة (أيها الناخب أيتها الناخبة) ؟؟؟.
لقد عُرِّفت الحرباء في القاموس العربي ( المعجم الوسيط والمعجم الغني ومعجم اللغة العربية المعاصر ..)، دُوَيْبَّة من الزَّواحف ذات قوائم أربعة، دقيقة الرأس، مخطَّطة الظَّهر، لها عينان كبيرتان، تحرِّك كُلّ واحدة في اتِّجاه يختلف عن اتِّجاه الأخرى، تستقبل الشَّمس نهارَها وتدور معها كيف دارت، وتتلوَّن ألوانًا مختلفة، ويُضرب بها المثلُ في الحزم والتلوّن " يتلوّن في مواقفه تلوّن الحرباء ... انتهى الشرح.
إن في صفات الحرباء الخَلقية الفريدة، ما يجعلها أحسن الرموز لقيادة حملة انتخابية، تبغي الظفر بكراسي وُجدت ليجلس بها من يُصطلح عليهم بممثلي الناخبين، والحديث هنا يشمل أولئك الذين لا همَّ لهم سوى الطلوع على ظهر قوَّستهُ نكبات الدهر، ولا ديدن لهم سوى الظفر بامتيازات دنيوية لتحقيق المآرب الشخصية، على حساب المصلحة العامة. فهؤلاء يا سادة يا كرام، ينصهرون في صفات "البوَّة"، ويتقاطعون مع شرحها وتفصيلها لغة واصطلاحا في القاموس العربي، فلنبدأ بأول جملة قاربت الشرح..
الحرباء : دُوَيْبَّة من الزَّواحف .. فكم من مرشح تلتقي صفته مع الذئب وليس الدويبة، ذاك الذي يختلط بالأغنام وقد يسوقها لتلقى مصيرها المعروف، وكما تزحف الحرباء لصعود الأشجار والأغصان، يزحف بعض الناخبين لتسلق السُّلم الاجتماعي في اتجاه الأعلى، على حساب من هم في الأسفل.
وفي جملة أخرى : الحِرباء، لها عينان كبيرتان، تحرِّك كُلّ واحدة في اتِّجاه يختلف عن اتِّجاه الأخرى، فكم من مرشح له عينان كبيرتان، لا تأتي القناعة من بين أهدابها، فهو يتوجس من الحاضر والمستقبل، تلعب عيناه داخل رأسه، ويحك كفيه كأنه أمام وليمة لذيذة، ولا تكون الوليمة سوى تحقيق أحلامه دون رجوعه إلى قراءة ثانية لبرنامج حزبه، - هذا إن كان لحزبه أصلا برنامجا قابلا لأن تراه عيون المصوتين على أرض الواقع - ..
إن مقاصد "المرشح البوَّة" واضحة منذ البداية ولا تنفكُّ عن المنزل الكبير والسيارة الفاخرة، وصكوك بنزين البراميل، إذ لا يكتفي بقارورة كل يوم.. بل يطمع في محطة وقود في اسمه واسم المقربين، وتحت تصرف أياديه اليُمنى، فهو كلما قابل عنصرا من جند حملاته العارفين بخبايا الأصوات والعازفين على أبواق الفقر، ينعته بـ - يده اليمنى -، كما يُغازله بماله ومال غيره، وترى المريدين المحظوظين، يُرابطون في صفوف الحاصلين على الفـُتات، ويتسابقون على اللهث وراء الهدايا والرشاوى الظرفية.. التي تنقضي بانقضاء أيام المشمش السبعة.
ولنقف عند جملة (الحِرباء تستقبل الشَّمس نهارَها وتدور معها كيف دارت)، فكم من "مرشح" يختفي في ليالي القهر والأزمة، ولا يظهر له أثر، إلا حين سطوع شمس حملة اصطياد الأصوات التائهة، وكم من واحد من الذين يبحثون عن تصدر لائحة انتخابية، يتحرك باتجاه شموس عدسات التصوير، يُصرِّح هنا وهناك.. ويقول في خصومه الذين ينعتهم بمخربي الشأن المحلي والعام، ما قاله الحجاج في خطبته الشهيرة (إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها..).. وبعدها لا يقطف سوى فواكه الانتخابات، شأنه شأن من كانوا مادة دسمة لخرجاته السابقة إبان حملات - صوتوا على الحِرباء -.
ومن غرائب الحرباء أنها ( يُضرب بها المثلُ في الحزم والتلوّن )، ومن عجائب بعض المنتخبين أنه يضرب بهم المثل في حزم الحقائب والسفر على حساب المال العام، وحزم رزم الأوراق النقدية وضخها في صناديق مصارف لتنمية اقتصاد دول أجنبية غربية، موضوعة في لائحة احتياط السفر قبل السقطة الأخيرة، نحو الضفة الأخرى ونسيان حساب الدار الأخرى.
وعن تلون الحرباء بألوان الفضاء الذي تتواجد فيه، فكم من مرشح تتلون إيديولوجيته بلون الأحزاب التي يقفز في اتجاهها كل مرة، كما تقفز الماعز في الجبال، فهو لن يستقر على لون، مادام قد ولج عالم السياسة لكي يلعب لعبة الحِرباء. فهل من يتلوّن في مواقفه تلوّن الحرباء، جدير بثقة الناخبين الفقراء!!؟؟.