رغم أن الإنترنت دخل رسميًّا إلى المغرب سنة 1995 ومنذ هذا التاريخ والشباب المغربي يتعامل مع الشبكة العنكبوتية. إلا إن الجسم السياسي المغربي من مسؤولين وأحزاب ظلوا بعيدين عن هذا العالم إلى حدود 2011 أيام الحراك العربي، باستثناء إنشاء بعض المواقع الإلكترونية الرسمية والكلاسيكية تابعة لهيئات سياسية وحزبية.
وببحث بسيط في المنصات الاجتماعية وعلى الخصوص تويتر وفيسبوك سنجد أن حسابات معظم الشخصيات السياسية من وزراء وأمناء أحزاب وغيرهم تم إنشاؤها في نفس السنة. وطبعًا كان السبب وراء هذه الخطوات كما يعلم الجميع هو الدور الذي لعبته هذه المواقع الاجتماعية خلال الأحداث والتغييرات السياسية التي عرفتها المنطقة العربية.
طبعا كنشطاء شباب ومتتبعين وخبراء بالمجال، الجميع يعلم أن أغلبية هذه الشخصيات السياسية التي وجدت نفسها فجأة مجبرة على الدخول إلى عالم الإنترنت والشبكات الاجتماعية نسبة عظيمة منها لا تعرف أبجديات التسجيل وإنشاء حساب وتسيير صفحة، وبالتالي فمن رحمة ربك فقط يعلم كيف يتعامل مع جمهور هذه المنصات.
طبعا التعامل مع جمهور معظمه من الشباب بمنصات التواصل الاجتماعي ليس سهلًا. فهذا الجمهور أو سكان هذا الفضاء الإلكتروني لديهم مزاج معين، أغلبهم يعترفون بعدم ثقتهم في الانتخابات والكثير منهم يعترف بالمقاطعة وعدم التصويت، والأهم أن لهم ذاكرة قوية تساعدهم في ذلك وسائل متنوعة كالفيديو والصور والمقالات والتدوينات التي تظل مسجلة وببحث بسيط يمكن استرجاع أرشيف أي سياسي. وهذا يُمكِّنُ المتتبع من مقارنة الوعود مع الإنجازات، هذا إذا وجدت. كما يقارن إذا ما غير السياسي من آرائه و توجهاته وقناعاته قبل الحملات الانتخابية وبعدها.
لذا فالظهور الآني لعدد كبير من السياسيين في المواسم الانتخابية كما يحدث هذه الأيام في غمرة حمى الاستحقاقات الجماعات المحلية استعدادًا لاقتراع شتنبر/ أيلول المقبل من السنة الحالية. يعتبر نوعًا ما مضحكًا لعدد كبير من مستعملي مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنهم يعرفون جيدًا من بقي على تواصل منذ الحراك وبعده انتخابات 2011 ومن يسير صفحته بشكل شخصي، فالتواصل الظرفي لهؤلاء السياسيين عبر صفحات خاصة تم إنشاؤها على موقع فيسبوك أو تويتر يكون معروفًا أنها مسيرة من قبل أشخاص آخرين، أو حتى اعتماد هذه الصفحات على معجبين وهميين باستخدام برامج خاصة ومعروفة، ويقتصر دورها فقط على نشر صور من هنا وهناك لمهرجانات خطابية أو أعمال خيرية أو ما شابه، لن يؤثر ذلك الأثر العظيم الذي يعتقده بعض السياسيين غير العارفين بخبايا عالم مواقع التواصل الاجتماعي وجماهيره.
فدول كأمريكا مثلًا، لعبت فيها مواقع التواصل الاجتماعي دورا مهمًّا بالانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي أدت إلى إعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما لولاية ثانية، ونفس الشيء حصل في بريطانيا في بداية السنة لاختيار أعضاء البرلمان والحكومة، فقد كان الاعتماد كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي للدعاية الانتخابية في محاولة للوصول لأكبر عدد من الناخبين. لكن يبقى الفرق بيننا وبين هذه الدول التي قطعت أشواطًا مهمة في طريق الديمقراطية أن المرشح السياسي يخبر متابعيه على هذه المواقع إذا كان هو من يدون على حسابه أو صفحته أو أن الصفحة يسيرها مكلف بذلك لأنه يحترم ذكاء متابعيه، فيكون التواصل دائمًا ومستمرًا ولا يعتمد فقط على الصور الدعائية أو التدوينات الخشبية ومقاطع فيديو من لقاءات خطابية. لأن جمهور الشباب الذي أصبح يعتبر هذه المواقع جزءًا من حياته اليومية لديه لغة خاصة ويحتاج إلى معاملة وتأطير سياسي وعلمي، بعيدًا عن الارتجال ورفع بعض الشعارات المستهلكة عديمة التأثير.
لهذا كان على بعض السياسيين الذين ظهروا في 2011 واختفوا أو كان حضورهم بطريقة ميكانيكية خاليًا من أي تواصل حقيقي، ثم عادوا للظهور مرة أخرى في 2015 بمناسبة الانتخابات، لو أنهم استغلوا كل هذه السنوات في التدريب وتطوير أنفسهم سواء على أيدي خبراء مختصين أو عبر التطوير الذاتي المتوفر عبر الإنترنت على كيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي ومستعمليها من شرائح الشباب؛ لربحوا الكثير بدل الأخطاء الكارثية على مستوى التواصل والخطاب السياسي وحتى الديبلوماسي.