" شاي الله أمولاي عبد الله أمغار.. تسليم رجال لبلاد ". بهذه الجملة العميقة صافحت تلك المرأة الدكالية الطاعنة في السن رفقة زوجها الكهل تراب دكالة وهي تتبرك من تاريخ وجغرافيا المنطقة بعد أن ترجلت من تاكسي الأجرة الذي يربط بين سيدي بنور وجماعة مولاي عبد الله، امرأة لم تنقطع زيارتها للولي الصالح منذ نعومة أظافرها رفقة عائلتها أيام زمان قائلة " ملي نحصدوا وندرسوا و نجمعوا الصابة نوجدوا روسنا للزيارة ، ويتلقاو دكالة كبير وصغير في محرك الخيل والغناء والكرم ونتبركوا من مولاي عبد الله ، كل شي كان زوين وعندو مذاق واليوم يا وليدي كل شي بسال " .
من المؤكد جدا أن موسم مولاي عبد الله أمغار يرتبط ارتباطا وثيقا بملاحم الفروسية والفرسان بمنطقة دكالة خاصة والمغرب عامة، ويمتح من ذاكرة المنطقة على المستوى الجهادي والروحي والثقافي، لكن للأسف الكبير لم يعد ملتقى دكالة الوطني يشكل ذلك المتنفس الشعبي الذي يقصده آلاف المواطنين والمواطنات من أجل التواصل واللقاء وتقديم أطباق الفرجة للقبائل المتيمة والعاشقة لتراثها الأصيل (الصقور / التبوريدة / الغناء / قراءة القرآن / الألعاب الشعبية.....). نعم، للأسف تحول موسم مولاي عبد الله أمغار لسوق انتخابي تتحكم فيه لوبيات إقطاعية همها الوحيد هو الحفاظ على مكاسبها وغنائمها الريعية مستعملة كل الوسائل والسبل بما فيها صناعة القرار من داخل دهاليز السلطة، مما انعكس سلبا على الصورة الحقيقية لأقدم موسم يعتبر في المخيال الشعبي جد المواسم المغربية في عروض فن التبوريدة.
وقد عاشت مقاديم السربات و الفرسان وخيولهم فوضى عارمة داخل محرك التبوريدة، حيث أن القائمين على تنظيم فنون التبوريدة بملعب مولاي عبد الله لم يستوعبوا أهمية وضع تصميم هندسي للتحكم في السربات وفق تراتبية القرعة التي عرفت عدة اختلالات منذ البداية، علما أن عدد السربات التي تم تسجيلها وصل إلى 120 سربة، وعدد الخيول وصل حسب الإحصاء الرسمي إلى 1968 جوادا.
هذا وقد سجلت "أنفاس بريس" الغياب التام للجنة التنظيمية داخل المحرك مما صعب عملية تقديم المساعدة للفرسان أثناء وقوع اصطدامات بين الخيول أو سقوط بعد لوازم التبوريدة بأرضية الملعب، فضلا عن النقص الفظيع على مستوى مكبرات الصوت الباهتة التي يمكن أن تقدم خدمات تواصلية أثناء عروض التبوريدة، علاوة على المستوى الرديء الذي وسمت به عملية تنشيط عروض التبوريدة وتقديم مقاديم السربات الوافدين من مختلف مناطق المغرب، حيث تسببت هذه المنزلقات في نشوب خلافات بين الفرسان واختلط الحابل بالنابل خلال عروض التبوريدة دون مراعاة أدنى شروطها وعمت الفوضى بالمحرك، ووقع كر وفر بين سربات الخيل مما جعل الجمهور الغفير الذي حج لملعب التبوريدة للاستمتاع بخيول وفرسان المغرب يحتج مرة بالصفير ومرة بالشعارات إلى حد احتلال فضاء المحرك وإيقاف عملية التبوريدة واتهام القائمين على شؤون موسم مولاي عبد الله بمسؤولية ما يقع من تسيب وشوهة وسط محرك الخيل .
وقد احتج العديد من الفرسان على مستوى تقديم العلف الذي لم يفرج عن كمياته إلا يوم الثلاثاء 11 غشت، فضلا عن الكمية الهزيلة من مسحوق البارود والحبة، دون الحديث عن ضيق فضاء ملعب التبوريدة الذي لم يستوعب الكم الهائل من الفرسان والخيول، وعدم اتساع مدرجاته للجماهير الغفيرة المتعطشة والتي حجت من مختلف مناطق الوطن لإشباع رغبتها الجامحة من ينبوع طقوس فنون التبوريدة. جماهير ظلت خارج أسوار المحرك تبحث عن وسيلة ومنفذ للولوج للملعب الذي اكتظت كل مداخله وجنباته بالشباب والنساء والأطفال والرجال خلاف المحظوظين من المقربين من لوبيات الفروسية بالجديدة ....ألم تردد بصوتها الشجي إيقونة العيطة الفنانة فاطنة بنت الحسين وهي تؤكد على قوة حضور الجماهير خلال موسم مولاي عبد الله ( عندو تسعة شراجم / ثلاثة صادين بحر / ثلاثة صادين قبلة / ثلاثة لجرف لاصفر واللي هو مولوع راه الجامع تمة ) ، أو حينما قالت ( خلطنا لأزمور / باليا الجمهور / والوالي راك تشوف / حسبني من الزايرين ) .
هذا وطالبت عدة فعاليات مهتمة بالثقافة والتراث الشعبي بضرورة إحداث ملعب آخر للفروسية لتخفيف العبء عن الملعب الأصلي خلال السنة المقبلة بشروط تنظيمية ترقى بموسم مولاي عبد الله أمغار إلى مصاف المواسم القديمة التي تواكب شروط التحديث والجودة والاستثمار التنموي الشامل، ورد الاعتبار إلى الموروث الثقافي الشعبي لدكالة بعيدا عن الأهداف و الإنزالات السياسوية التي يغرق فيها اللوبي المتحكم في رقبة الولي الصالح.