إبراهيم أبو الهدى، مقدسي سبعيني، رجل التحديات والمغامرات بامتياز، رمز المقاومة والنضال، دائم الابتسام رغم محنه مع سلطات الاحتلال الاسرائلي، ودائم التفاؤل بأن النصر قريب.
التقته صدفة بمقهى المصرارة الشهير بشارع صلاح الدين بالقدس، وتجاذبت معه الحديث حول أسفاره ولقاءاته مع كبار الشخصيات العالمية. بلكنته الفلسطينية المميزة قال أبو الهدى أنه دخل الولايات المتحدة الأمريكية 26 مرة بكوفيته الفلسطينية التي يرفض أن يتخلى عنها في لقاءاته وجلساته لأنها رمز للتراث والنضال الفلسطيني، وأنه خلال مقامه بها زار 44 ولاية أمريكية، وشارك في مظاهرات لوقف الحروب وإعادة الجنود إلى بيوتهم، فحصل بذلك على جنسية الشرف ولقب ب"الأب تيريزا"، وتسلم عام 1995 تكريما له كسفير Shelby contry tennessee مفتاح مقاطعةسلام خلال مؤثمر منحه فيه عمدة الولاية مفتاح المقاطعة.
وصلت شهرة ابراهيم ابو الهدى شرقا وغربا، ويتذكر أن جمعية هندية طلبت مساعدته حين غرق قس هندي في البحر الميت، فنقله دون تردد إلى مستشفى هداسا في محاولة لانقاد حياته لم تكلل بالنجاح، فألبسه بذلة وحذاء ووضعه في تابوت، حسب التقاليد الهندية، وأوصله إلى مسؤولي الجمعية في الهند، ليجد هناك في انتظاره حشد كبير من الهنود على ظهور الخيل والجمال والفيلة محملين بأكاليل الورد، وأردف ضاحكا، لم أعد أقوى على المشي من كثرة الأكاليل التي وضعت في رقبتي، ولا على رد التحية على كل فرد من جموع المستقبلين.
وأضاف أبو الهدى، أنه استقر في الهند ستة أسابيع، شارك خلالها في مؤثمر سلام كبير حضره أكثر من مليون و نصف مليون شخص، تحدت أمامهم عن السلام بين الشعوب والديانات والحضارات ودوره في تحقيق الاستقرار والأمن والمحبة بدل التنافر والعنف والكراهية.
وعلى عادته منذ خمسين سنة، يقول أبو الهدى، استقبلت في بيتي ضيوفا من كافة أنحاء العالم دون أن أحدد للزائر جنسية أو لونا أو عمرا، يزوروني في بيتي عربا وعجما، يدخل الزائر البيت فيختار الغرفة التي يود الإقامة بها ويأكل من الأكل العربي الذي أعده له، ويقوم بغسل صحنه وهندامه كأنه في بيته، و ل لا يتسلم منهم أية مبالغ مالية نظير الإقامة والتغذية.
وقال أبو الهدى، إن كثرة زوار بيتي دفعني لإضافة طابقين حتى يتسع لأكبر عدد منهم، لكن بلدية القدس أجبرتني على دفع غرامة مخالفة (250 ألف دولار)، هذه الغرامة الثقيلة كانت وراء إصابتي بجلطة دماغية توقف على إثرها نصف جسدي عن العمل، لأمضي شهرين على كرسي متحرك، وثلاثة أشهر أخرى مستعملا عكازا.
وكشف أبو الهدى، أنه ورث عن أبيه عشق التعرف على البشر وحضاراتهم، وعمل معه على إطعام وسقاية زائري جبل الطور وسكانه. يبدأ يومه عند الثالثة فجرا من حظيرة تملكها العائلة، يشعل النار ويغسل الأبقار تم يحلبها ليقدم حليبها لراهبات دير مسكوب اللواتي علم منهن اللغة الروسية. ومع اجتياح إسرائيل لفلسطين عام 1948، أنهك الفقر الفلسطينيين، فكثف والد أبو الهدى من مساعداته للأسر المحتاجة، وكنت أتساءل، يقول أبو الهدى، لماذا كان والدي يقوم بهذه الأعمال أليست هدرا لماله ولقوت عياله، وفي ذات الوقت عشقت عمله وساعدته في توزيع الطعام على أبناء شعبنا، وفهمت أن أعماله هي أعمال البر والإحسان، وشعبنا يستحق أن نفديه بأنفسنا وأرواحنا وليس فقط بالمال والطعام.
وقبل توديعنا لارتباطه بموعد مع ضيوف هولانديين قرروا زيارة بيته الشهير، نوه أبو الهدى بجهود بالمغاربة الدؤوبة لخدمة القضية الفلسطينية ونصرة إخوانهم في مدينة القدس الشريف، كما أشاد بإنجازات وكالة بيت مال القدس في قطاعات الصحة والتعليم والرياضة والتخييم، وأثنى على ما تقدمه من مساعدات مالية وعينية للأسر المقدسية المحتاجة، وقال إن أقرب شعب إلى قلوبنا نحن الفلسطينيين هو الشعب المغربي الرائع المتشبع بقيم التعايش والمحبة والانفتاح والاعتدال.