ها هم سكان الدار البيضاء بدأوا يسددون ضرائب تعمير الهمزة التي طالما حذرت أصوات الشرفاء من تبعاتها السلبية جدا.
فالمنصورية التي تعتبر المتنفس السياحي الساحلي للبيضاويين أضحت مقبرة تدفن فيها آمال كل مواطن وتحولت هذه الجماعة إلى محرقة يكتوي بلهيبها كل مستعملي الطريق. ذلك أن الدولة وفي إطار انبطاحها لحزب المنعشين والمتحكمين في الخريطة العقارية والمالية بالبيضاء، حولت ساحل المنصورية كله إلى عمارات وإقامات ذات السكن الكثيف بدون أن يصاحب ذلك تخطيط حضري عقلاني يستجيب لضوابط المدن المتحكم فيها وذات البعد الإنساني. إذ ما تحكم في تهيئة المنصورية هو "اللعاقة والحبة" التي لهفها تجار العقار الماسكون بخيوط القرار السياسي والمالي والتعميري بالمغرب.
فلا الطرق هيئت؛ ولا القناطر أنجزت؛ ولا بدالات الطريق السيار رأت النور؛ ولا المرافق العمومية نهضت أساساتها من الأرض؛ بل الأخطر أن الاستعمار كان أرحم من المخطط الحضري في عهد الإستقلال. إذ أن الطريق الوحيدة التي تربط المنصورية بالمحمدية عبر الشاطئ بناها المستعمر ولم يعمل مسؤولو عهد الاستقلال إلا على استغلال الهمزات العقارية دون توسيع الطريق الموروثة عن عهد الاستعمار وبناء منشاة فنية على الأوطوروت على الأقل لامتصاص جزء من الاختناق المروروي الرهيب الذي تعرفه هذه الطريق.
ففي يوم الخميس 30 يوليوز 2015 عاينت "أنفاس بريس" ازدحاما كارثيا لدرجة أن طوابير السيارات (من صفين) امتد لمسافة فاقت 3 كيلوميترات بشكل أدى إلى احتقان وتوتر السائقين الذين اضطروا إلى قضاء ما يناهز الساعة والنصف ساعة لاجتياز هذا الصراط الأليم.
فهل سيعمل المسؤولون الحاليون على التدخل لتصحيح جرائم التعمير بالمنصورية وإلزام المنعشين الذين استفادوا من كل الامتيازات دون أن يساهموا في تمويل البنى التحتية بالمنطقة؟ أم سيستسلمون لديكتاتورية أباطرة الإسمنت ليدكوا ما تبقى من ماء وجه الدولة ويمرغوا سمعتها في الأرض؟
إن الوطنية والخيانة لاتهم ملف الصحراء فقط؛ بل هي غشاء يلف كل ملفات المغرب وترابه.
نعم للثروة؛ نعم للنماء؛ نعم لمراكمة الرأسمال. لكن ليس على حساب "السميك" الإنساني والحضري والعمراني.
ففي أوج الربيع الأصولي والحراك الإجتماعي بالعالم العربي؛ لم ينهض لحماية ثوابت المغرب إلا المغاربة المنتمين لأسفل السلم، أما مصاصي دم المغرب والذين حلبوا المغرب وثروة المغرب وأصحاب الهمزات العقارية والمالية والصناعية فاصطفوا إلى جانب كل من يحمل معاول هدم الدولة المغربية وثوابتها.
وإن لم يحاكم هؤلاء على خيانتهم -بعد أن تحول الربيع العربي إلى خريف أصولي- فعلى الأقل على الدولة المغربية أن تسترجع كلفة البنيات التحتية بالمنصورية وغيرها، من كل من اغتنى على حساب الشعب مستغلا مدفئة السلطة وعطف السلطة وتواطؤ السلطة في العهد الماضي.
فالملك قال: "إما أن تكون مغربيا أو خائنا..". والخيانة تبدأ من استغلال الهمزة العقارية إلى استغلال القضية الصحراوية. والمنعش الذي يبيع عقارا غير مجهز بالمرافق والبنيات التحتية لا يختلف في الخيانة عن من يبيع دم شهداء الصحراء. فكلاهما أعداء الله والملك والوطن.
فماذا ننتظر لتطهير المغرب من الخونة؟