أبو أيمن الفارح: السيد مدني أو نضال الظل

أبو أيمن الفارح: السيد مدني أو نضال الظل

مع اقتراب حلول مواعيد الإنتخابات، تطفو على السطح الإعلامي أجسام تنتمي أو هكذا تتوهم، إلى مجتمع يدعي التمدن والمدنية. بعد بيات، يطول ويقصر وفقا للمناسبات والفصول السياسية تخرج من الظل، ليس بمفهوم الظل كما هو حال حكومات الظل في المجتمعات المتمدنة حقيقة، ولكن بمعنى الظل الذي تمنحنا إياه شجرة وارفة أو بناية أو واقية.

تخرج هذه الكائنات بلون شاحب حتى أنها لا تقوى على فتح أعينها والنظر إلى الأشياء وإلى ما حولها بسبب الضوء الذي افتقدته طويلا، ويزيدها عمى كاشفات الضوء ووميض آلات التصوير والكاميرات. كل الأبواق الإذاعية والشاشات على اختلاف أنواعها مفتوحة في وجوهها والهدف واحد: المواطن الذي يجب أن يعلم بأن الدستور يعطيه الحق في التكوين السياسي والتأطير وإن عليه أن يبرهن عن مواطنته ويمنح صوته للآخر بدل الاحتفاظ به لنفسه، فلا هو انتفع ولا الآخر انتفع حوارات نمطية، مملة لا حياة فيها، تدفع إلى النفور. المواطن هو المسؤول عما يقع له وللآخرين وللوطن، إنه لا يحسن الاختيار على الدوام، يغريه المال فيبيع صوته أو تنطلي عليه ألاعيب "الشناقة" والسماسرة أو يخاف الفاتحة التي شارك فيها أو لن يحنث وعدا منه لزعيم القبيلة أو للجار، والجار كما تعلمون، كاد أن يكون وريثا، أو بكل بساطة قد لا يوفق في الاختيار.

يذكرني هذا ب <تربلينكا>. في مفترق الطرق يتحمل رب الأسرة قرار الاختيار بين طريقين: واحد يؤدي إلى النجاة والآخر يؤدي إلى الفرن، والأب يجهل بأن الاختياران يؤديان كليهما إلى نفس المصير، إلى الجحيم. عذاب ضمير لا يمكن تصوره ، يلاحقه إلى آخر رمق ، لقد أخطأ الاختيار، لم يكن في مستوى المسؤولية. الآخرون ما ذنبهم؟.

في زمن النضال والعمل المدني الحقيقي كنا نطرق الأبواب بابا تلو الباب، نقرا برنامج التنظيم للعمال والفلاحين، كنا نتحدث عن المستور في الدستور، لكن لم يكن الدستور كل شيء بالنسبة لنا، لم نكن نهرب للدستور من الدستور في الدستور إلى الدستور. بريطانيا غير بعيد لها ما يلزم من الدستور للتطبيق وليس للتعليق. كان النقاش في الأسواق والساحات وفي كل مكان، نتنقل بين الدواوير ومن قرية إلى أخرى، يمدنا السكان البسطاء بالخبز والماء قبل أن يطردنا المقدم والشيخ والمخازنية والدرك. في المدينة كانت مضايقات المخزن كبيرة لكن الأمور أسهل على مستوى التواصل والمواصلات. كان العمل ميدانيا ومباشرا  وكان تطوعيا.، كنا نعمل في ظل القمر وفي عز الظهيرة ، وتحت البرق والرعد والمطر "والبوليس خيط من السما".

نحن اليوم أمام نوع جديد من النضال، نضال الظل، والفهلوة السياسية على رأي إخواننا المصريين، ولكي تكون مؤهلا له، يجب أن تتوفر على حد أدنى من امتلاك لغة الـ< ية> بحيث تكون قادرا على صناعة القافية السياسية  وتعرف بعض أسماء الأحزاب وبعض أسماء الكتاب حتى وإن كانوا عموميين، وأن تعرف البسملة والحولقة وأن تكون عارفا باللحي والشوارب، قادرا على التمييز بين لحية ماركس والخميني ولحية "هرتزل" و"السديس" و"القرضاوي" ولحية "الكتاني" و"الفزازي" و"المغراوي". والأهم أن تكون لديك رسالة من امرأة أو من رجل، لا يهم، فلكل نفر في هذا البلد سيد أو مولاة.

سطر برنامجا، استورده، أخلق الحاجة إلى شيء، إليه، إلى أخيك، أختك، إلى أبناء عمومتك أو قبيلتك وخذ ما يكفي، فمالنا سائب يا سيدنا المدني.