اقترحت القناة الثانية على متتبعي برامجها في رمضان هذا العام مسلسلا دراميا عنوانه "حبال الريح"، سيناريو "توفيق حماني" والإخراج لـ "إدريس الروخ،" الذي شخص أيضا دورا تمثيليا داخل هذا العمل التلفزيوني في دور "ساق الشيح". يرى العديد من المتتبعين أن هذا المسلسل لم يتعرض لنقد لاذع، شأن بعض الإنتاجات الرمضانية الأخرى خصوصا الكبسولات الكوميدية، كما اعتبره البعض نقطة مضيئة داخل برامج تلفزيون رمضان هذا العام، التي خيبت انتظار الجمهور ونعتها بعض النقاد بالارتجالية والتسرع و وصفها رواد مواقع التواصل الإجتماعي بـ "الحموضة" كناية على افتقادها للجودة. "أنفاس بريس" التقت بـ "ادريس الروخ" مخرج "حبال الريح" وكان معه هذا الحوار.
تشخـِّصُ دور "ساق الشيح" إضافة إلى مهمة الإخراج داخل مسلسل "حبال الريح". كيف يمكن أن توفق بين الإخراج والتمثيل خصوصا في مسلسل درامي يتطلب تركيزا وجهدا كبيرا على مستوى الإخراج والتمثيل؟.
المسألة ليست سهلة وليست صعبة في نفس الوقت بالنسبة لي، الأمر يتطلب أن تكون متحكما في أدواتك الإخراجية والتمثيلية، بمعنى آخر يجب أن يكون هناك استعداد كبير في وقت كاف، لفهم السيناريو ودراسته من كل الجوانب على مستوى التقني والفني والتاريخي، أيضا على مستويات أخرى تمكن من تحقيق التحكم في آليات وميكانيزمات الجمالية "الاستيتيقية" من ملابس وأكسوسوارات وديكور... الاستعداد هو مرحلة طويلة تمكن حين الاشتغال بشكل جدي من أن تكون مرتاحا في بلاطو التصوير، وهذا لا يعني أن التصوير يكون سهلا، لكن مرحلة الإستعداد هي الحاسمة من خلال قراءة ومراجعة السيناريو وإعادة الكتابة مع السيناريست لضبط المفاهيم اللغوية والإشارات الموجودة في السيناريو، مع فريق العمل من مساعدين مثل "السكريبت"، هذه المرحلة مهمة جدا وتمكن من الدخول في لحظة من اللحظات لبلاطو التصوير للإخراج والتمثيل في نفس الآن، على أساس أنك فهمت الصعوبات التي يُمكن أن تواجهها، وهناك مسألة ثانية متعلقة باختيار دور لا يجب أن يكون كبيرا، يُمكن أن يكون دور، بطولة لكن مساحته ليست كبيرة بالمقارنة مع الشخصيات الأخرى وهي مساحة تعطي الوقت للتواجد أكثر خلف الكاميرا أكثر من أمامها. لكي تتحكم في إخراج وإدارة مشاهد التمثيل بطريقة سهلة.
لكن دور "ساق الشيح" دور مهم ومؤثر ويتطلب التركيز..
بحكم أني ممثل منذ مدة طويلة، لدي أدواتي وطريقتي في إيجاد الشخصيات، والغوص في معالمها، أظن أنني عندما أجد الشخصية وأشتغل عليها منذ مدة على المستوى الجسدي والنفسي والتواصلي، في هذه الحالة أتغلب على الصعوبات، فمنذ الصباح خلال التصوير أقوم بالإعداد للاندماج في شخصيتي داخل المسلسل وألبس ملابسها، وبالتالي أستطيع أن أوازي بين المهمتين التمثيل والإخراج بطريقة سلسلة ليس فيها أي إزعاج لا بالنسبة لي ولا بالنسبة للجمهور.
لنتحدث عن البعد الزماني والمكاني لمسلسل "حبال الريح". المسلسل كما تمَّ التوضيح قبل عرضه تدور أحداثه في فترة زمنية غير محددة المعالم، لا زمان ولا مكان، هناك من سيقول أن غياب الضبط التاريخي جعلكم تلتجؤون لهذه المسالة إن على مستوى السيناريو أو على مستوى الإخراج .. فكيف ترد؟.
أولا هذه المسألة لم تُذكر، مع ذلك فقصة المسلسل كُتبت من الأول يعني منذ سنتين ونصف أو ثلاث سنوات، بلا زمان وبلا مكان، ففي كتابة الحلقات الأولى وبالنسبة أيضا للفكرة لصاحبها توفيق الحماني، كان ضروريا أن تكتب القصة بطريقة لا تؤرخ لمرحلة زمنية معينة.
ألا ترى أن عدم تحديد الزمن والمكان، يجعل الاشتغال على أحداث المسلسل سهلة، في ظل عدم التقييد بفترة زمنية مضبوطة تستوجب الإعداد والانتباه لأدق التفاصيل على مستوى الأحداث والملابس والأكسوسوارات؟.
الاشتغال على مسلسل دون تحديد الحقبة الزمنية، مسألة صعبة، أولا : يجب أن لا تسقط في مراحل تاريخية معينة، وهذه مسألة وجب ضبطها، لذلك قبل الشروع في العمل أجريت بحثا تاريخيا، بشكل كبير في مجموعة من المراحل التاريخية التي مرَّ منها المغرب، وأيضا المراحل التي مرَّ منها الجنس البشري حتى في القرون الوسطى، وقبلها وبعد ذلك والعصور الذهبية إلى غير ذلك..
ثانيا : لكي أتجنب السقوط ولو بشكل عفوي في حقبة زمنية معينة، حاولت أن أبتعد عن ذلك كليا على مستويات (الديكور، الملابس، الحكي، الأحداث، والشخصيات وأسماءها..) وبالتالي كان ضروريا قبل إنجاز العمل أن نقوم بجرد هذه الأمور حتى لا نسقط في الفخ، لأنه فخ أن تتناقض وتتداخل الحقب الزمنية دون تبرير، وبالنسبة لي الأعمال المُحددة (الزمن والمكان) لن أقول أنها سهلة، لكن تكون موجهة، وبالتالى يجب الدراسة والبحث في بعض المراجع التاريخية لتتوضح لك معالم الفترة الزمنية. ومن خلالها تحاول أن تقارن وتقارب كل ما وقع من أحداث في تلك الفترة الزمنية التي تتناولها القصة التاريخية، لكي يكون هناك توافق ما بين القصة وزمانها ومكانها والعمل الفني،
كيف يُمكن إذن أن نصنف مسلسل "حبال الريف" هل هو عمل تاريخي بدون زمان ولا مكان؟.
عندما نشتغل في المجال الفني تلفزيوينا أو سينمائيا على قصة لا زمان لها ولا مكان، معنى ذلك أننا ندخل بحرا في ليلة مظلمة وبدون قارب، وبعدها يجب أن نجد أمكانيات وأدوات لكي نجدف ونخرج لبر الأمان وهي مسألة صعبة جدا. ومع ذلك استطعنا أن نبتعد ابتعادا كليا عن التأريخ، عن المرحلة، وعن المكان، وأن ندخل في ما يسمى بالأسطورة أو الحكاية الأسطورية، وكأنها حلم.. يعني فلتة فنية، تعطينا على الأقل صورا قريبة شيئا ما من الواقع وبعيدة في نفس الآن، فالعمل أيضا تأسس من خلال كتابة فلسفية، فالحوارات والشخصيات منسوجة ومكتوبة بعمق كبير، وعندما نتحدث عن السلطة (التي يشتغل عليها المسلسل وعلى أثرها في النفوس والعلاقات الانسانية والأحداث) في أي زمان ومكان وفي اللازمان واللامكان، فهي حاضرة في وجدان الإنسان منذ القديم وإلى الأبد.
مسلسل "حبال الريح" يجعلنا نتذكر الفترة التي كانت فيها التلفزة المغربية تعرض مسلسلات عربية (سورية) مثل "الكواسر" و"البواسل". كيف ترى مستقبل الدراما المغربية في هذا الإطار وهل يمكنها أن تضاهي مثل هذه المسلسلات؟
رجوعا إلى الوراء من خلال المسلسلات العربية التي شاهدناها، وإذا قارنا بين أعمالنا وتلك المسلسلات، أظن أن المستوى المغربي هو أيضا مستوى كبير، على مستوى التقنيات والديكور، وعلى مستوى أداء الممثلين والتقنيين، نحن في الطريق الصحيح، لا يجب أن نقلل من شأننا بأنفسنا، نحن أيضا لنا إمكانيات لكي ننجز أعمالا كبيرة جدا، نحن نفكر أن نكون أكثر قوة لكي نضاهي الأعمال الغربية وليس فقط العربية، المسألة تتعلق بالإمكانيات الكبيرة جدا أيضا، للقيام بهذه الأعمال وأن نخصص لها الوقت اللازم، لدينا كل ما يحلم به المبدع، الإمكانيات البشرية والتقنية والفنية، هناك كتاب متمرسين في المجال ومع الممارسة يمكن أن يسمو المستوى إلى الأفضل، يجب توفر العزيمة والإرادة وأن تكون لنا قدرة للتغلب على ضعفنا بشكل أو بآخر، هذا لا يعني أننا في هذه المرحلة لا نستطيع ذلك، نحن نعيش مرحلة انتقالية حول دراما تلفزيونية كونية. شخصيا أطمح إلى الاشتغال على مجموعة من المواضيع التاريخية لكي نعطي صورة واضحة وجميلة حول تاريخنا المغربي (العربي أو الأمازيغي)، لدينا تاريخ كبير يجب أن نضعه في الصورة اللائقة به، لكي يشاهده المشاهد العربي والأجنبي، لأن الأعمال الفنية التاريخية تغني الحوار وتعطي قيمة إضافية لتاريخنا المغربي.