مضى أكثر من أسبوعين على برامج تلفزيون رمضان لهذه السنة. وككل سنة تنقل المشاهدون المغاربة عبر "الروموت كنترول"، بين قنواتهم المحلية لمشاهدة ما تقترحه عليهم إدارة القنوات على مستوى المسلسلات والسيتكومات والكبسولات الفـُكاهية وغيرها، وككل سنة ومنذ اليوم الأول من البث يكثر النقاش والجدال حول برامج رمضان ومدى استجابتها لتطلعات دافعي الضرائب. والجديد في برامج رمضان هذا العام هو النقاش والانتقاد الكبير ، فغالبا ما تحصد بعض البرامج الفكاهية المقدمة في رمضان سخطا شعبيا كبيرا، يعزيه البعض إلى ضعفها على مستوى الفكرة أو الطرح ويعزيها بعض آخر إلى غياب الجودة والاحتكام إلى أعمال "الكوكوت مينوت"، التي يتزامن تصويرها مع بثها. يجمع الكثير من متتبعي الشأن السمعي البصري ببلادنا، على أنه رغم صدور دفتر التحملات لتنظيم القطاع التلفزيوني بالمغرب، لازال المغاربة يشاهدون في رمضان نفس الطينة من الأعمال الضاحكة ونفس الوجوه، ونفس شركات الإنتاج التي تحتكر كعكة التلفزيون. واقع يؤثر بشكل مباشر على جودة الأعمال التلفزيونية المقدمة في رمضان، لأن الارتجال والسرعة وعدم التنسيق هي السمات الكبرى التي تنجز داخلها أعمال تلفزيون رمضان المقدمة في فترة الذروة..."أنفاس بريس" تدرج تصريح ورد في العدد الحالي لأسبوعية "الوطن الآن"، خاص بالممثل والباحث في المجال الفني "أنس العاقل".
بداية أسجل الضعف الكبير الذي يعتري أغلب الأعمال الكوميدية المعروضة في رمضان، لأنها تفتقر لمقومات الصناعة الكوميدية التي تنقسم إلى مجموعة من الأقسام نوجزها فيما يلي: الكوميديا اللغوية، كوميديا الموقف، الكوميديا الحركية، كوميديا الطبائع، وكوميديا العادات. إذا ما حاولنا تحليل الأعمال التي تصنف تعسفا ضمن الكوميديا فسنجد بأنها لا يمكن تصنيفها ضمن أية خانة من الخانات السالفة الذكر، حيث نلمس بأنها تقوم بالأساس على الارتجال الذي يذكرنا بتلك الارتجالات الرديئة التي يقوم بها دارسو الفن المسرحي في سنواتهم الأولى عندما يرتجلون بدون خارطة طريق. هناك إسقاط لبعض الشخصيات النمطية التي سبق للممثلين أن أدوها في أعمال سابقة، وهناك تسابق من أجل الإضحاك بدون الاستناد على أسس بناء الموقف الكوميدي، والذي يشبه لعبة الكرة الطائرة، حيث هناك من يعد الموقف، وهناك من يؤزمه، وهناك من يقوم بخرقه فتكون النتيجة أننا نضحك نتيجة للإعداد الجيد للموقف بالدرجة الأولى. ما نراه مجرد تهافت على الإضحاك بأية طريقة وبدون تنسيق، الشيء الذي يحس به المتلقي فلا يتجاوب مع تلك الأعمال. بالنسبة للأعمال الكوميدية التي أرادت أن تشتغل على المحاكاة الساخرة أو الباروديا فقد أخفقت في الأمر بشكل كبير، لأن التقنية التي قامت على أساسها تلك المحاكاة الساخرة والمتمثلة في خلق مفارقة بين المتن التاريخي والحمولة الثقافية للدارجة المعربة استهلكتها أعمال سابقة خصوصا تلك التي كانت تحاكي أخبار القناة الأولى، أو بعض البرامج الفنية. بالنسبة للأعمال التاريخية المعروضة على القنوات الوطنية، فيمكننا أن نسجل ضعفا كبيرا على مستوى السيناريو وأداء الممثلين في سلسلة ألف ليلة وليلة، وذلك راجع بالأساس إلى مشكلة تتعلق بالكاستينغ، الذي ركز بالدرجة الأولى على الشكل الخارجي للممثل أو الممثلة أكثر من التركيز على ملكاته الفنية. لكن هناك نقطة ضوء تتمثل في سلسلة حبال الريح للمخرج ادريس الروخ، حيث نلاحظ اجتهادا كبيرا على مستوى إدارة الممثلين، وغنى اللقطة على المستوى التركيبي أو على مستوى التدرج اللوني، وهناك تحكم كبير في حركة الكاميرا إذ نجدها استعملت كمفردة تعبيرية من طرف المخرج. كان بإمكان العمل أن يكون تحفة لو لم تكن هناك مشكلة على مستوى حبكة السيناريو. بالنسبة للأعمال الاجتماعية المعروضة فيمكننا أن نسجل تفوق سلسلة "وعدي" التي توفرت فيها العديد من مقومات الصناعة الدرامية، ابتداء من الابتكار على مستوى الجينيريك، ثم جدة القصة داخل السياق الدرامي المغربي، وجودة الحبكة والأداء المتميز للممثلين. الملاحظة الوحيدة التي أسجلها بخصوص هذه السلسلة هي أن هناك تفاوت في مستوى الحلقات، حيث نجد بعض الحلقات متوسطة وأخرى جيدة. كما أسجل تميز سلسلة "حميمو" على مستوى القصة والأداء التمثيلي بالدرجة الأولى، وهذا ما يهم المشاهد المغربي قبل كل شيء. إن الحصيلة على العموم مخيبة لأفق انتظار الجمهور المغربي، وذلك يعود بالدرجة الأولى للاستسهال الفني، والتسرع في الإنجاز، وعدم الاستعانة بالممثلين المحترفين والمتمرسين. ويمكننا أن نرجع ذلك إلى ضعف العملية الإنتاجية التي تضع نصب أعينها الربح السريع على حساب الجودة، وغياب الوعي الفني لدى أغلب منتجي الدراما المغربية.