فهو لم يفتح عالمه الأزرق إلا بعد أن كان زمن الربيع المغربي، قد أنضج ثماره.
وعبد الاله الذي ظل «يتنزه» في استعارة الربيع العربي «ما زال كايتسارى، كما كان يقول لنا وقتها »، كشف لنا أنه لم يعد له صفحاته وجدرانه لكى يكتب الشعارات المطالبة بالتغيير.
فعبد الاله بنكيران لا يستمع إلى العصافير ، التي تغني للثورة في الفايسبوك،إلا بعد أن ترفع عنها التهمة ، أو بعد أن .. تسكت!
فقد صنعت التغريدات ، في العالم الافتراضي ، الربيع في العالم الحقيقي. وبدا أن العصافير في جغرافيا شعوب الشرق الاوسط ، أصبحت، بعدها تمتثل لقصيدة محمود درويش وتهوى الغناء على سرير النائمين، أو القتلى من الذين تركتهم ثورات الفايسبوك على قارعة التاريخ.
لنبدأ من البداية: في عز الثورات العربية،كانت الإحصائيات تقول أن عدد مستخدمي فيس بوك في هذا الجزء من العالم ناهز 32 مليون مستخدم ، وكانت مصر هي الأولى في توظيف الموقع الاجتماعي في الإطاحة بالنظام، والاطاحة ايضا بأساليب الثورات القديمة في تبادل المعلومات. ،بدا أن طيور الصفحة الزرقاء، تفوق «الكاسيت» في قيادة ذلك التحول الاستراتيجي الكبير الذي قاده الخميني في 1979، بل لعلنا أعتقدنا أن التنظيمات السرية تولد وتكبر في حاضنة الصفحات الاجتماعية قبل أن تخرج إلى الشارع للاطاحة بالنظام والعودة مجددا الى المتاريس وراء الكومبيوترات لحماية مستقبل التغيير..
الواقع الشرس هي الذي نتعايش معه الآن، هو أن الاعداد المتزايدة من الملتحقين بمعابد الفايسبوك، لم تستطع تكوين جيش احتياطي لحماية الثورات، وفشلت هذه الاخيرة في الحفاظ على ما وعدت به في صفحات المواقع إياها.
فالفايسبوك، ساحة الثورات، القديمة عاد حائط المبكى الجديد ليهود التاريخ الجدد، العرب التائهين بين الضفاف وبين التوابيت، من العراق الى سوريا واليمن ..وفي افريقيا وجنوب الصحراء… والحالمين بالفردوس الذي ظنوا أنهم ملاقوه، على صفحات الكترونية، مصحوبين باسراب العصافير الزرقاء!
والحقيقة أن الجمهورية الفاضلة، التي وعدهم بها فلاسفة الثورات الجديدة، على غرار «أفلاطون» مع الشعراء في العالم القديم، كانت تهييء لهم الخروج منها، مخفورين بمواكب المنشدين والمغنين، الذين يرافقونهم إلى الحدود ليعيشوا ورائها، لأن الجمهورية قد عادت إلى صوابها العربي الحقيقي، وعادت إلى عقيدتها في الايمان بـ«الفيلسوف - الملك» الذي يسعى الى إسعادنا بالرغم من أنوفنا، لكنه يخشى أن نشوش عليه ونقوض أحلام جمهوريته الفاضلة… فيطردنا منها.
وحدث كما حدث لنا مع الثورات التي هزت العالم قبل، ولم تسقط فاكهته علينا إلا في جوانبها السطحية.
أين الثورة الزراعية، وماذا بقي لنا منها؟
هناك شعوب من الجوعى، ينتظرون حقهم من سلال أمريكا، وجيوش أصبحت هي المستثمر الأكبر في الحقول.. وأولها حقول النفط الريعية.
أين الثورة الصناعية وماذا بقي لنا منها؟
هناك بلدان من العمال اليدويين البئيسين،تحولت الى »اشتراكية للثكنات»، ولما ضاعت الاشتراكية إياها ضاعت الجيوش.. أو بقيت محافظة على حقول النفط وحدها، في التقاء تاريخي غير مسبوق بين الثورة الزراعية والثورة الصناعية في .. حديقة الجنرال!!
وكما لا نتذكر الأشياء الكثيرة عن الأحلام التي رافقت الثورتين السابقتين، فنحن لا نتذكر الكثير عن الأحلام التي راودت الثورة الحالية، إلا ما نراه يوميا أمام حائط المبكى الجديد و شعوب العرب التاريخية وقد جاءت تتضرع أمامه لعل السماء تعود إلى وظيفتها في إنقاذ البشرية ، عبر الدعوات وتوزيع صكوك الاستغفار ووصفات الرب في إسعاد البشر وإنقاد أرواح الرحل الهائمة في جحيم الخيبة..
الفايسبوك، بكل العالم ، اصبح الوسيط بين الناس وبين الاعلام، وهو يعوض رويدا روديا الاعلام نفسه في المعلومة والقراءة والتحليل، في حين سقط عندنا في الذي سقط فيه الإعلام في شرق المتوسط وغربه.. ويقول تقرير صادر عن استطلاع أجراه معهد رويتر البريطاني لدى 02 الف مستعمل من أوروبا وامريكا واليابان، إن 14% من الرواد، استعملوا الفايسبوك للوصول إلى المعلومة أو التعليق عليها أو اقتسامها ومشاركة الآخرين فيها.. وفي الوقت ذاته بقيت نفس العيوب التي تلطخ الاعلام الرسمي تتناسل عندنا، منها توظيفات المديح، واللجوء الى افتعال الاخبار، وغياب النقاش الحار الذي رافق الثورات، والخروج من دائرة القياس الدولية،حسب المعايير المتعارف عليها، وفي كثيرمن الأحيان وفي الكثير من الدول، تحول الفيسبوك إلى وكالة أنباء عربية مضادة للثورات!
والواضح أننا نأتي دوما متأخرين بثورة، لكننا سرعان ما نضيفها إلى ما سبقها لكي نتأخر.. أربع ثورات في ألفية واحدة!
وغير بعيد عن المجال، يلاحظ الباحث عن شعوب الشرق الاوسط أننا لم نعد تعديل الثورات الحديثة فقط، بل أعدنا أيضا إعادة تشكيل البنية المفهومية التي تأسست عليها هوية الشعوب في شرق المتوسط وغربه.
فإذا نظرنا إلى مؤشر السلام العالمي السنوي لعام 2014 الذي يصدره معهد الاقتصاد والسلام، مثلا، الواضح أن عدة دول عربية وضعت في ترتيب متأخر ، فكل الشعوب ارتقت إلا هذه الشعوب التي تراجعت في سلم الطمأنينة، وهي التي أشهرت في الناس:السلام عليكم!
وإذا نظرنا الى تقرير المقروئية، فالشعوب إياها لا تقرأ أكثر من دقيقتين في اليوم، كما لو أنها لا تقرأ أكثر من المدة التي يتطلبها ترديد أمر القرآن «إقرا»، مع بعض التمطيط الزمني فرضته الضرورة التاريخية !!
من سوء الخاتمة أننا لا نستطيع إعادة النظر في أنفسنا، نحن قبائل الرحل الجدد في عوالم الانترنيت، إلا إذا أعدنا النظر في كل شيء جميل حققته البشرية!
لا أحد يعرف ما الذي يشعر به رئيس الحكومة أمام جدران الفايسبوك، عندما يختلي بنفسه، لكن من الموكد لا أحد سيزعجه بالمطالبة بالنزول الى الشارع مجددا!