الإطار التربوي الحسن اللحية: هل تصورات اليسار المغربي للتربية والتكوين بخاصة و للتعليم بعامة متنوعة ومختلفة ومتعددة ؟(3)

الإطار التربوي الحسن اللحية: هل تصورات اليسار المغربي للتربية والتكوين بخاصة و للتعليم بعامة متنوعة ومختلفة ومتعددة ؟(3)

رأينا فيما سبق أن اليسار قدم تضحيات كبيرة، لكن تصوراته الفعلية والفعالة للقضايا التعليمية لم تكن في مستوى التضحيات.

إن اليسار المغربي يقدم نفسه متنوعا ومختلفا ومتعددا في يساريته، فهل هو كذلك في تصوراته للتربية والتكوين بخاصة، وللتعليم بعامة؟

جدير بالذكر أن هذا اليسار منشطر بين توجهات إيديولوجية كثيرة، نذكر منها  مايلي:

اليسار الشيوعي، هو  موروث عن الحزب الشيوعي الفرنسي، تمغربت شيوعيته بعد الاستقلال فأصبح حزبا شيوعيا بدون فكر شيوعي، وهو أقرب إلى الليبرالية الاجتماعية في تناول قضاياه، وبالتالي لن تكون مقارباته للتعليم تنطلق من منطلقات يسارية أو ماركسية أو شيوعية، وقد أتيحت له الفرص ليدير شؤون وزارة النعليم أكثر من مرة إلا أنه ظل حبيس التصورات التقنية والتجريبية.

اليسار الماركسي اللينيني، وهو يسار يتبنى الأطروحات الأشد ثورية، فهذا اليسار هو اليسار المغترب في الواقع لأنه يفكر في روسيا وهو يعيش في المغرب، إنه يسار  السير  واستنساخ التجارب. فهذا اليسار  يقيس الواقع المغربي على واقع روسيا في عهد لينين، حيث تجد معجمه السياسي مليء بما كان يدور في تلك الفترة، بل إنه يفكر على غرار لنين؛ هناك المناشفة والبلاشفة، هناك التحريفيون وغيرهم ...إلخ. إنه يسار نصي لا يرى الواقع المغربي إلا بالمرور عبر نصوص لينين، وتلك أولى أزماته الفكرية.. إلخ. وباختصار غن معارك لينين وأعداؤه هم أعداء هذا اليسار ومعاركه (منطق التسليم ).

فمثل هذا اليسار أضحى يسارا يؤمن بتاريخ لا تاريخ له أو يؤمن بتاريخ فوق التاريخ كالفقهاء في تراثنا العربي الإسلامي. هناك قياس يحضر دوما، قياس على التجربة اللينينة، على السيرة اللينينة، والغريب في الأمر أن معتنقي هذا التصور لم يجتهدوا في التعليم كي يبينوا لنا كيف بنى لينين المدرسة الروسية فيقيسون عليها في تناولهم للتعليم في المغرب، وهو الأمر الذي لم يحدث بالمرة.

اليسار الذي يتبنى الاشتراكية العلمية، وهو يسار  يرى العلم في العلوم الاجتماعية من خلال الاشتراكية (العلمية)، ويدافع على علمية الماركسية ويعلي من شأن ذلك دون تفكير في تاريخ العلم الذي يتطور ويقطع مع ماضيه الخاطئ كما قال باشلار. فهذا اليسار الذي يريد أن يكون علميا في تحليله للواقع الملموس لا يدرك معنى العلم ابستيمولوجيا، ولا يفكر  في التحولات التي أصابت العلم ذاته؛ إذ ظل حبيس تصور القرن التاسع عشر للعلم، وبالتالي فإنه لم ينتج أي اجتهاد في قراءاته (العلمية) لواقع التعليم في المغرب، وبالتالي للتعليم في المغرب.

اليسار الاشتراكي الديمقراطي. فهذا اليسار لا يميز نفسه بمرجعيات نظرية محددة، فهو يحب التعميم والخلط والضبابية في الإحالات المرجعية حتى لا يلزم نفسه بتصور ما، فهو الوجه الآخر لليبرالية الديمقراطية أو لليبرالية الاجتماعية بعامة؛ فلن تجد لدى هذا اليسار أي تحديد لما تعنيه الاشتراكية الديمقراطية في العدل والصحة والتعليم..

يسار الرصاصة، وهو اليسار الذي كان يؤمن بأن الحل كل الحل يكمن في حمل السلاح مستلهما التجربة الغيفارية أو الماوية أحيانا بتأويل ما، وبتعبير آخر أن حل مشاكل المغرب ستنتهي مع إطلاق الرصاصة على الحاكم، فحالما سيصل هذا اليسار إلى الحكم بالرصاص سيبحث فيما بعد عن الحلول للصحة والتعليم والفلاحة.. إن الحلول لدى هذا اليسار بعدية، مرجأة إلى ما بعد القضاء على الحاكم. ويمكن تسمية هذا اليسار بالمرجئة اليسارية، فعوض أن يحمل تصورات وبرامج يحمل البندقية ويعد الناس بالخلاص بعد القضاء على الحاكم.

يسار اللحظات أو اليسار العابر، هو كل يسار انتعش بشكل أو  آخر في هذه المدينة أو تلك، أو في هذه المؤسسة الجامعية أو تلك كالتروتسكيين و الماويين والبرنامج المرحلي..

فمثل هذا اليسار كثير السجال والمناظرات، ويخيل إليك أنه يصارع من أجل امتلاك الحقيقة لا من أجل المساهمة بالتحليل والقراءة في بناء تصورات يسارية فكرية (وهنا تجب دراسة حالات العنف بين الفصائل وتحليلها سيكولوجيا) للقضايا المطروحة. وباختصار فهو يسار المجابهة والمواجهة.

إن هذا اليسار كان يسمي مواجهته للإصلاح في التعليم عرقلة الإصلاح، وهو تعبير يختزل أزمة تصوراته، وبالتالي لن تجد لهذا اليسار أي اجتهاد يذكر – وهو الذي يعيش في المؤسسات التعليمية والجامعية-  تجاه التعليم إن لم يختزل نفسه في الاحتجاج والرفض والمطالب،وبلغة أخرى فإن هذا اليسار  أقرب إلى المطالب النقابية من غيرها.

هناك أنواع أخرى من اليسار، منها اليسار القومي العربي الذي كان يستلهم التجربة الناصرية، وهو اليسار الأكثر إنتاجية من الناحية الفكرية إلا أنه كان غريبا عن (خصوصيات) المغرب ثقافيا ولغويا، وبلغة أخرى فهو يسار الماكرو، ويسار  العرق القومي العربي. وقد  فكر في التعليم من هذا المنطلق وظل يحاور المبادئ الأربع التي طرحت مع الحركة الوطنية في بداية الستينيات من القرن الماضي (الجابري نموذجه البارز). فهذا اليسار الإيديولوجي بامتياز لم يكن تهمه المدرسة المغربية في خصوصياتها ، ولا يهمه التعليم المغربي إلا في سياق تصور وحدوي قومي عربي.