من يطعن إسلام المغاربة في عقر دارهم؟

من يطعن إسلام المغاربة في عقر دارهم؟

في فرنسا، بلد المساواة والحرية والديمقراطية، يتحول المسلمون إلى أقلية «منبوذة»، ويُضرب حولها سياج من الموانع، ويصبح حق العيش في «جنة» فرنسا أو أوربا عموما مشروطا بـ«التنازل» عن مجموعة من الحقوق «الدينية» و«الدنيوية». قمة الدناءة والحقارة والتمييز العنصري والخرق السافر للحريات الفردية أن يتم طرد مغربيات وترحيلهن، في أقصى حالات قرارات التشدد في العقاب، لرفضهن خلع الحجاب. اللباس حرية فردية ومظهر ثقافي وحضاري وحق إنساني، لكن هذا الحق يتحول إلى «خرق» و«انتهاك» وخدش لفرنسا «العلمانية».

في فرنسا أو إسبانيا أو ألمانيا أو سويسرا أو فرنسا تُخرّب المساجد، لأنها رموز إسلامية، والإسلام في أوربا معادل للإرهاب!!

في فرنسا لا يقبل الفرنسيون رؤية مؤذن يعتلي «برج إيفل» ويرفع الأذان، لكن في المغرب، وباسم حقوق الإنسان والحريات الفردية والدفاع عن «عقيدة» الشذوذ الجنسي، تسمح جمعيات فرنسية أن تُنتهك حرمة مسجد حسان وتمارس فيها المنتميات لحركة «فيمن» شتى أشكال العري و«الستريبتيز» الجنسي، بدعوى الدفاع عن الأقليات الجنسية و«الشواذ»...

سياق هذا الحديث هو «تسونامي» الأحداث الأخيرة التي انشغل بها المغاربة، بداية من فيلم «الزين للي فيك» للمخرج نبيل عيوش الذي تطرق إلى ظاهرة الدعارة خارج سياقات السينما، مرورا بمشاهد الرقص الساخن بالقناة الثانية في حفل افتتاح مهرجان موازين، والمدافعين عن حرية الإجهاض وحق الإفطار في رمضان، وانتهاء بتعري نساء «فيمن».. وهو ما طرح بحدة سؤال الهوية.

المغاربة أثبتوا، في كل الأزمات التي اعترت هويتهم في الآونة الأخيرة، أنهم يتعاملون مع الهوية ليس باعتبارها كيانا منغلقا وثابتا، بل هي كيان حيوي يتم الالتفات إليه كلما حاول البعض «تنميطها» و«قولبتها»، والحال أنها تخضع للانفعال والتفاعل والتمدد والتجاوز بفعل الاختراق الثقافي الذي عرفه المغرب منذ قرون. وبإلقاء نظرة على أهم المحطات التي عرفت صراعا بين رؤيتين متعارضتين: الأولى أصولية منغلقة وماضوية تقوم على «المحظور العقائدي»، والثانية منفتحة ومتفاعلة مع المنجز الكوني في مجال حقوق الإنسان، يتضح أن المغاربة ليسوا كتلة منسجمة واحدة، وأنهم كيان تتعايش فيه الهويات والرؤى الفكرية:

- أولا: في نونبر 2007، أسال حفل ما يسمى بـ «زواج شاذين جنسيا بالقصر الكبير»، مدادا كثيرا، حيث نقلت إحدى الصحف خبر احتضان مدينة القصر الكبير لعرس زواج شاذين جنسيا على الطريقة المغربية، حضره أكثر من 50 شخصا من أبناء المدينة، إضافة إلى مدعوين من مدن مختلفة. ولما بلغ إلى علم العموم انه تعذر على السلطات إيقاف المعنيين بالأمر، بدعوى غياب سند قانوني لعدم وجود وثائق تثبت زواج الشاذين، انطلق محتجون يفوق عددهم الألف من أبناء المدينة من حي «الديوان» الشعبي بالمدينة القديمة حيث يوجد المنزل الذي شهد مراسيم الاحتفال بزواج الشاذين، وآثر عدد من المواطنين أن يقتصوا من الشواذ فى المدينة ومن يشجعونهم على سلوكات جنسية منحرفة وفى هذا الصدد هاجموا محل تاجر مجوهرات بشارع محمد الخامس يتهم صاحبه بتشجيع الشذوذ وانه من أصدقاء الشاذ الذي أقام حفل الزفاف المذكور وأنه يشجع الانحراف الجنسي.

- ثانيا: في مارس 2009، اعتقلت قوات الأمن 25 شاذا حاولوا الوصول لمولد «سيدي علي بن حمدوش» الذي يقام سنويا احتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف، ووضعتهم داخل مدرسة قروية بانتظار ترحيلهم لسجن مكناس للتحقيق، كما صدت السلطات أكثر من 17 شاذا خلال اليوم الأول للمولد جاءوا من الدار البيضاء، وأجبرتهم على العودة، بحسب مصادر أمنية. ووضعت السلطات 6 حواجز أمنية في الطريق المؤدية إلى الضريح المقام في قرية لا يتجاوز تعداد سكانها 4 آلاف شخص وهي «جماعة المغاصين» بمكناس. وفضلا عن مراقبة الطرق، قامت قوات الأمن بحملات تفتيش على منازل القرية التي تشتبه باحتضانها للشواذ الذين استطاعوا الوصول إلى الضريح من خلال سلوك طرق فرعية لا تخضع لمراقبة الأمن.

- ثالثا: في يوليوز 2009، أطلق مدونون على الفيس بوك نقاشا ساخنا حول ما يعتبرونه الحق في الإفطار العلني نهارا خلال شهر رمضان، وسجلوا محاولة الإفطار الجماعية الأولى، في مدينة المحمدية، جنوب الرباط، قبل أن تتدخل القوات العمومية لمنعهم. وقد دعا نجيب شوقي إلى فتح نقاش هادئ، وعقلاني حول الحق في الإفطار في رمضان، ونفى القائمون على المبادرة أي دعوة من طرفهم للتخلي عن أي عقيدة، أو اعتناق دين جديد، ويعتبرون أن الحل هو الحرية للجميع، على حد قولهم. وقد دارت على صفحات الفايس بوك رحى حرب مواقف بين الداعين إلى الحق في الإفطار، وبين معارضي هذا الحق، من منطلق مسه بالشعور العام للمسلمين في رمضان، مع التنويه بأن المجتمع المغربي، يتغاضى بشكل جماعي عن الراغبين في الإفطار خلال الشهر الفضيل، في بيوتهم وبعيدا عن الأنظار. إلا أن أصحاب دعوة الإفطار العلني، يتشبثون بالحرية الفردية، غير الموجودة، في المغرب، في نظرهم، وينادون بالتخلص من سطوة المجتمع، نافين رغبتهم في أي استفزاز للآخرين.

- رابعا: في يونيو 2010، إثر اقتحام قوات الأمن من رتب مختلفة لمنزل الصحافية زينب الغزوي ، بدعوى البحث عن حاسوب مسروق، أثير حوله الكثير من النقاش ما دام الغرض، كما أوضحت الغرض، هو إثبات تهمة الفساد عليها باعتبارها ناشطة مدنية في صفوف حركة «مالي» التي تناصر الحرية الفردية في المغرب، بما فيها الحرية الجنسية والإفطار في رمضان وحرية العقيدة وغيرها، وليس البحث عن الحاسوب المزعوم حسب قولها..

- خامسا: في يوليوز 2011، فجر وزير التعليم الفرنسي السابق لوك فيري في برنامج تلفزيوني ما أطلق عليه إعلاميا «فضيحة مراكش»، وهي فضيحة من العيار الثقيل حول ضبط وزير فرنسي سابق بتهمة البيدوفيليا بمراكش، حيث فجر هذا التصريح غضبا شعبيا وحظي بمتابعة إعلامية متواصلة. وقال فيري: «نحن كلنا نعرف من يكون». وزاد هذا النقاش ضراوة حين برز اسم آخر كمرشح ثان في «فضيحة مراكش»، معروف بدوره بميولاته الجنسية الغريبة، شغل هو الآخر منصب وزير.

- سادسا: في يونيو2012، هاجم الشيخ عبد الله نهاري، في مقطع فيديو تم بثه على اليوتوب الصحافي المختار الغزيوي، رئيس تحرير جريدة الأحداث المغربية (آنذاك)، حيث نعته فيه بـ«الديّوث الذي يجب قتله»، وذلك على خلفية تصريحات الغزيوي أدلى بها في برنامج «العد العكسي» الذي بثته قناة الميادين الفضائية. وكان الغزيوي قد أكد، جوابا عن سؤال للإعلامية لينا زهر الدين، على ضرورة ضمان الحرية الجنسية وإلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي يُجرم العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة خارج إطار الزواج، حيث اعتبر العلاقات الجنسية حرية فردية لا يجب المساس بها.

- سابعا: في يوليوز 2012، أثارت مسرحية «ديال» للمخرجة نعيمة زيطان قضية الحدود الفاصلة بين النقد جماليا والرقابة الأخلاقية، ما دام موضوع المسرحية يتحدث عن العضو التناسلي للمرأة. وقد ووجهت المسرحية من طرف متحدثين باسم الدين والأخلاق قاموا بالتعريض على هذا العمل الفني. غير أن العلمانيين ذهبوا إلى أن حرية التعبير والرأي والإبداع في المغرب لا يمكن التراجع عنها، مؤكدين على ضرورة «الحفاظ على هذه المكتسبات وتوسيع مساحاتها لصالح المواطنين». إن الوقائع التي عرفها المغرب، وأثيرت فيهما قضية الهوية والحريات تضعنا في قلب الصراع بين تيارين: تيار يوجه نحو المستقبل برؤى كونية وحداثية، وآخر يصر على الانغلاق داخل تعاليم الدين أو ما يسميه «الأخلاق الحميدة». وهنا بالذات يعتبر القانون حجر الزاوية في تحصين الديمقراطية والتعددية والقيم الفنية وحرية التعبير والرأي، بغاية تمنيع المجتمع من أي ردة محتملة.

أحمد شراك، كاتب وعالم اجتماع

لا يمكن استغلال حقوق الإنسان كي تتدخل دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى

يتحدث أحمد شراك، كاتب وعالم اجتماع، عن اتساع الدولة المدنية لممارسة الحريات الفردية، معتبرا أن الهوية تعد فرملة لممارستها في المغرب والعالم العربي، مضيفا أن هذه الحريات الفردية هي كونية، ولا يمكن تجزيئها عن الحقوق الأساسية، بالمقابل، لا يمكن بأي وجه من الوجوه استغلال هذه الحقوق كي تتدخل دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى..

 

+ عادت من جديد مسألة الحريات الفردية في المجتمع المغربي، من قبيل، الإجهاض، والمثلية الجنسية، الإفطار في رمضان.. ما هي قراءتك لهذه الفورة الحقوقية في الظرف الحالي؟

- ما يجعل هذه الحقوق تأخذ بعدا إعلاميا، هو تلاحقها في وقت قياسي، وهناك قضايا أخذت نقاشا عموميا، من قبيل الحق في الإجهاض، إلى غيرها من الحقوق والحريات.. هي حقوق كونية فردية، ذلك أن المجتمعات الأوربية تضمن لمواطنيها التعبير عن كل الممارسات والهواجس الذاتية، وتدرجها في باب الحريات الفردية، انطلاقا من احترام حرية الفرد، من هنا أصبحت هذه الحقوق والحريات تأخذ بعدا كونيا، مع التذكير بأن الحقوق الفردية هي جزء من حقوق الإنسان المتعددة. المشكل في المغرب، والعالم العربي عموما، هو أن الحقوق الفردية تصطدم بمسألة الهوية، الهوية الثقافية، أو الإثنية الثقافية، حيث تصبح هذه الهوية فرملة للاعتراف بالحقوق الفردية، علما بأن المغرب يعترف دستوريا بحقوق الإنسان، بالجملة، لا بالتقسيط، ومشكلة الهوية والحقوق الكونية، مرتبطة بالذاتية الدينية والثقافية، لهذا تكون ردود الأفعال قوية تجاه ممارسة هذه الحريات أو التعبير عنها علنا، والحال أن المشكل ليس في هذا المستوى فقط، بل المشكل في ارتباط المسألة الثقافية بالمسألة السياسية، وتحديدا مسألة الدولة، هل ينبغي الاستمرار في دولة إسلامية، كما هو عليه الحال الآن؟ أم ينبغي البحث عن دولة بعنوان آخر، وبمفاهيم أخرى، وهي الدولة المدنية، هذه الدولة المدنية التي تسمح بممارسة هذه الحريات الفردية، بدون أن تشهر سكين الهوية، أو تضع الهوية كفرملة لهذه الحريات، انطلاقا من أن الشعب المغربي في أغلبيته مجبول على هذه الهوية، من هنا تطرح هذه الأسئلة وهي: هل نناقش البدهيات، بمعنى أن الأغلبية الساحقة من المغاربة ضد المثلية وضد الإفطار في رمضان وضد هذه السلوكات؟ لكن هل هذه الأغلبية تقبل بهواجس أقلية الأقلية في المجتمع، وبالتالي تعترف بهذه الحريات؟ وأنا هنا أتحدث عن الأغلبية المجتمعية وليس السياسية، التي هي ضد هذه الحقوق الفردية لأنها تخدش حياءها والموروث الثقافي والسلوك العام. لهذا، هل المغرب قادر على تقنين (من القانون) هذه الحريات التي تطالب بها أقلية الأقلية؟ أم نستمر في غض الطرف عنها، مادام أن المثليين والمفطرين في رمضان وغيرهم يمارسون حرياتهم ولو في الخفاء، بالمقابل على مستوى القوانين لا يعترف بهم..

+ في نظرك هل التعبير عن هذه الحريات بشكل علني يندرج في ممارسة الحقوق أم لأغراض سياسية، منها إحراج الدولة والمجتمع في هويتهما؟

- لنتفق بداية على أن هذه الحقوق هي كونية، ولا يمكن تجزيئها عن الحقوق الأساسية، ولا يمكن بأي وجه من الوجوه استغلال هذه الحقوق كي تتدخل دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، بمعنى لا نقبل حركة حقوقية أجنبية تدخل للمغرب وتعبر عن احتجاجها الحقوقي، لأنه بكل بساطة، المغاربة قادرون على التعبير عن حقوقهم والمطالبة بها. أنا أناقش الآن، الحريات الفردية الموجودة في المجتمع المغربي، ولا شك سيأتي وقت كي تصبح هذه الحريات ضمن النقاش العمومي..

+ لكن في نظرك، هل انتهينا من كل القضايا والحقوق الأساسية كي نطرح قضايا الشذوذ الجنسي، والإفطار في رمضان، والإلحاد..؟

- هذه مشكلة أخرى، أي أولوية للحقوق ومن لها الأسبقية في الطرح العمومي؟ هل قضايا التنمية والشغل والسكن، وهي حقوق أساسية؟ أم قضايا المثلية الجنسية والإجهاض، وهي ضمن الحريات الفردية؟ أم أن حقوق الإنسان، وحدة متكاملة لا يمكن تجزيئها لحقوق من الدرجة الأولى والثانية؟ طبعا الأولوية للحقوق المجتمعية التي تدخل في الهموم الاجتماعية والاقتصادية، أما الحقوق الثقافية، فمازالت تتلمس طريقها في مسار الحقوق بالمغرب، وتطرح العديد من الإشكالات. وعشنا مؤخرا شوطا من هذا النقاش حول مهرجان «موازين»، وفيلم عيوش، وحركة «فيمن».. وأن تكون هذه الحريات ضمن الحقوق الثقافية لا يعني أن يتم إقصاء المطالبين بها، بل تحتاج منا لتنظيرات ومطارحات ومقاربات، ومزيدا من الديمقراطية، لكن في النهاية، الأولوية لحاجات المجتمع الأساسية..

+ هل طرح مثل هذه الحريات الفردية، له ارتباط بطبيعة الحكومة الحالية، ومحاولة إحراجها، خصوصا مع طرح مسودة القانون الجنائي، الذي يعاقب في بعض مواده على الجهر بهذه الحريات؟

- طبعا هناك سياق سياسي، الغرض منه مشاكسة هذه الحكومة الملتحية، التي تشكل أغلبية سياسية، من خلال طرح أسئلة متوترة عليها، وهناك من يعتبر أن مسودة القانون الجنائي المطروحة للنقاش، تعرف تراجعا وتلبيسا إيديودينيا للقانون بنوع من الصرامة والتشدد، وهذا النزوع «المتطرف»، لتشديد العقوبات على بعض الحريات الفردية، يؤدي بردود فعل قد تكون بدورها «متطرفة»، للتعبير عن نفسها، وأحيانا تكون بطرية سينمائية من أجل جلب الأنظار لحضور هذه الأقلية في المجتمع..

لحسن العسبي، صحافي

الله يدوز رمضاننا ورمضانكم على خير!!

سأنطلق من تابتين تواصليين، أولهما أن تكرار الموضوع، الغاية منه ترسيخ مضمونه. وثانيهما، أن لكل مجموعة ثقافية مفاتيحها الخاصة في خلق التأثير المرغوب من ذلك الموضوع. وفي ما يخص موضوعنا هنا، فالمجموعة الثقافية (بالمعنى الإنسي للمصطلح) التي هي مجال اصطخاب النقاش هي: المغاربة. وأداته هوياتية بامتياز. ما المقصود من هذا الكلام؟ إن الأساسي في ما أتصور، هو ضرورة امتلاك قليل من فلسفة الشك، وقلق السؤال، حتى ندرك معنى هذا التوالي الذي نساق إليه في وعينا العمومي المغربي، الخاص بسؤال «الأخلاق». مع ما يصاحبه من إصرار على ربطه بخلاصة أن تلك الإساءة لمعنى «الأخلاق العامة» للمغاربة، هي إساءة لهويتهم الدينية والحضارية. إننا حين ننتبه، بغير قليل من حق الشك، إلى التوالي التواصلي لأحداث معينة في المشهد القيمي للمغاربة خلال الأسابيع الأخيرة (ونخمن أن الأمر سيتصاعد أكثر خلال شهر رمضان القادم، لأن الواضح أن ثمة ملامح مخطط لذلك)، منذ تسريبات مشاهد فيلم «الزين للي فيك» وتوجيه النقاش حولها وجهة أخلاقية، بدلا من الحكم على الفيلم أنه تافه وضعيف فنيا. ثم ما أثاره النقل المجاني في قناة عمومية لحفل فني لفنانة استعراضية أمريكية شهيرة، ذات صيت عالمي من قيمة جنيفير لوبيز، معروف أسلوبها الاستعراضي المحكوم بثقافة استهلاكية لمنظومة مجتمعية أخرى. ثم استفزاز تعري عضوتين من حركة «فيمن» (التي يا سبحان الله تذكرت المغرب في هذه الأيام بالضبط، واختارت موقعا أثريا له رمزية الدينية والوطنية). ثم نشر صور مسافرة مجهولة بمحطة القطار بالدارالبيضاء وهي شبه عارية، دون أن يعلم أحد متى تم ذلك بالضبط وهل الصورة حقيقية... كل هذا يقدم الدليل على أن ثمة غاية تواصلية من ذلك، وأن ثمة رسالة ما توجهها جهة ما لخدمة غاية ما. ولعل الغاية هي استثارة ردود فعل في مجتمع لا يزال سؤال الهوية عالي الذبذبات فيه. ويكفي تأمل تجارب مجتمعية مشابهة لمجتمعنا، فإن الذي أجج سؤال القلق عندها، ليس الأزمات الاقتصادية ولا حتى الأزمات السياسية (خرق حقوق الإنسان مثلا) بل سؤال الهوية الثقافية، والإحساس بمخاطر استهداف كرامتها في تصالحها مع الصورة التي تحملها عن ذاتها. هذا يعني، بسبب توالي هذه «الأحداث» مغربيا، أن ثمة استهدافا جديا من جهة ما لمسار مغربي في ممارسة الحياة، يحقق تراكما آمنا في محيط مضطرب غير آمن. وأن السؤال الطبيعي هنا هو: من المستفيد من ذلك؟. إننا أمام سنتين انتخابيتين، والظاهر أن النقاش المراد فيهما ليس نقاشا سياسيا، مشاريعيا، اقتصاديا، عقلانيا، بل نقاشا أخلاقيا هوياتيا. هنا الأمر خطير، عكس ما يتصوره البعض، لأنه قد يفيد تاكتيكا سياسيا آنيا، لترويض الرأي العام صوب رؤية معينة، لكنه غير مضمون في فتحه باب جهنم تطرفات استراتيجيا، بالشكل الذي لا قدر الله سيقوض مشروع بلد بكامله، مثل المشروع المغربي للتحول والانتقال الديمقراطي. جديا، لنحذر هذا اللعب الصغير، الذي ليس غريبا على أن له امتدادات مصلحية مع بعض الخارج. الله يدوز رمضاننا ورمضانكم على خير!!

عادل الزبيري، كاتب وصحافي

«الفاتحون الجدد» في حقوق الإنسان

أولا، إثارة قضايا الحريات الفردية في المغرب هو ظاهرة صحية، وهي تنتمي إلى الجيل الثالث من حقوق الإنسان أي الحقوق الثقافية والاجتماعية.. لكل القضايا مكانتها في المجتمع المغربي كما للخبز وللزيت وللدقيق مكانته، وقضايا مثل فيلم عيوش ولوبيز.. أيضا أهميتها. أعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي حاليا في المغرب تنقل الآراء بسرعة وتمكن بالتالي المتلقي من التعرف عليها.. مادام أن الأمر يبقى في إطار النقاش الصحي وبروح رياضية فلا مشكل بتاتا، ولكن إذا تجاوز الأمر إلى إقصاء الآخر أو رفضه أو تكفيره أو إلغائه، عندها يمكن أن نجد أنفسنا أمام حالات تطرف في الاتجاهين السلبيين أي إلغاء الآخر لأنه ماجن أو الآخر لأنه كافر، أي سنكون إما تكفيريين أو ظلاميين.. تاريخيا، النقاش بقي مفيدا في المغرب وأنتج إطارات قانونية لامتصاص هذه النقاشات وتحويلها إلى طاقة إيجابية لتطوير القوانين والأنظمة.. بالنسبة لتضخم مسألة الحريات الفردية في المغرب، أعتقد أن هذا تراكم طبيعي، لأن المغرب تجاوز الحقوق الأساسية في فضاء النقاش العمومي، ما يعني أن هذه النقاشات حول الحريات الفردية تأتي في سياق تراكم زمني طبيعي، وأيضا لتأثر المغرب دوما بنقاشات أوروبا وما يجري فيها، ولرغبة الأوروبيين في أن يرخوا بظلال نقاشاتهم على المجتمع المغربي، فناشطات «فيمن» ينظرن إلى المغرب نظرة قاصرة ودونية، أي أن المغرب بلد يحتاج إلى فاتحين في حقوق الانسان، ولكل مجتمع سياقاته، فإذا كان الأوروبيون اليوم يحاربون كل لباس إسلامي مثل الحجاب أو التنانير القصيرة، أعتقد طبيعيا أن نرفض في المغرب استفزازات ناشطات «فيمن» بالمطالبة بحقوق المثليين، لأن القانون أسمى ما يتم الاحتكام إليه يرفضها ويجرمها، وهذا سياقنا وتاريخنا وتطورنا ومن لم يعجبه فليعبر عن رأيه دون أي استفزاز لنا.. في النهاية نحن محكومون بالتعايش وذلك بتجنب الاصطدام ما أمكن.

فتيحة أعرور، كاتبة وفاعلة حقوقية

حذار من صرف الاهتمام عن الجوهر

توجهت أنظار الرأي العام إلى كثير من الأحداث التي عرفتها البلاد في الآونة الأخيرة. فهذه القضايا، على أهميتها، لا ترقى إلى أهمية قضايا أخرى تتعلق بغلاء الأسعار وتدني القدرة الشرائية للمواطن، إلى جانب الهجوم على حرية الصحافة والجمعيات الحقوقية وارتفاع وتيرة الاعتقالات في صفوف النشطاء السياسيين والمدافعين عن حرية الرأي والتعبير. لا حظنا كيف تسارعت الأحداث بعد خروج فيلم عيوش، وحفلة جنيفر لوبيز التي أثارت الكثير من الجدل، ثم زيارة ناشطات «فيمن» للمغرب، واعتقال شابين قالت السلطات إنهما «مثلي الجنس قاما بفعل مخل بالأخلاق». تلى ذلك قيام مجموعة من الأفراد بتنظيم وقفة احتجاجية أمام بيت واحد من هذين المعتقلين حملوا فيها شعارات تنطوي على خطاب عنصري وتمييزي اتجاه فئة مثليي الجنس، الأمر الذي ينطوي على إحراج كبير لصورة المغرب الحقوقي أمام العالم. إن الوقفة السابقة الذكر تحيلنا على المسيرة العنصرية ضد المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء التي نظمت قبل أشهر بمدينة طنجة. أعتقد أن صمت السلطة حيال ما حدث ويحدث فيه نوع من الخطورة تتعلق بسلامة الناس وأمنهم. كل ما يجري جعل الكثيرين يعتقدون بأن الأمر غير بريء، وربما يكون تسارع الأحداث هذا جزءا من استراتيجية مدروسة من أجل تمرير قرارات لا شعبية لا تخدم مصلحة عموم المواطنين. في وضع مثل هذا يصعب أن تعارض نشطاء الحريات الفردية في الدفاع عن حقوقهم التي هي جزء لا يتجزأ من قيم حقوق الإنسان. فتلك واجهة للنضال يعتبرونها أولوية الأوليات بالنسبة إليهم وهذا حقهم. أعتقد أن كل الحقوق مهمة حتى وإن اختلف التقدير في مسألة الأولويات. لكن ما يجب أن نعيه وألا يغيب عن أذهاننا هو ألا ننجرف وراء فقاعات الأحداث وينصرف اهتمامنا عن القضايا المهمة والسياسات التي تطبخ في الدهاليز بعيدا عن إشراك الرأي العام ليتم إنزالها في ظرف معين كالقدر المحتوم بحيث يجد المواطن نفسه أمامها بلا حول ولا قوة.

حنان رحاب، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي

بلغنا سن الرشد الفكري ولا حاجة لنا إلى أوصياء

بداية لابد من القول إن القضايا التي أسالت المداد وفتحت شهية النقاش والجدل مؤخرا من قبيل مشاهد فيلم «الزين اللي فيك» ولباس «جينفير لوبيز» في مهرجان «موازين»، وأيضا تعري ناشطتي حركة «فيمن» بمحاذاة صومعة حسان بالرباط، (قضايا) متباينة ولكل واقعة على حدة تشخيصها وتقييمها. والمجال هنا لا يسع للخوض في كل منها علي حدة. ولا أحد ينفي أنها أصبحت حديث الرأي العام وأيضا النخبة السياسية والمثقفين والمبدعين عموما وتتباين التقديرات حسب موقع كل طرف. إن فتح نقاش حول تلك المواضيع هو في حد ذاته أمر صحي، ولا يهم هنا أن يقنع طرف الآخر بوجاهة وسداد رأيه، لكن المهم أن في بلدنا هناك رأي عام حي يقظ ومتتبع، وليس كما يقال إن الأغلبية صامتة وعازفة وتهتم بالحياة اليومية ولا يهمها ما يجري في المحيط، لأن مثل تلك التحليلات يدحضها النقاش المفتوح حاليا في وسائل الإعلام بكل مستوياتها وفي المقاهي والبيوت وصالونات النخبة، وهذا يبين أن المغاربة أصبحوا يفكرون ليس فقط في المشترك بل في المختلف فيه، وهذا المستوى له أهمية في الدفع بالثقافة السياسية والنقد إلى مداه. لكن الأخطر وغير المسموح به هو دعوات التطرف والتكفير والمس بحياة الأشخاص. ألا يكون هذا الجدل حول نقل حفل عبر التلفزيون المغربي خطوة إلى الوراء، خطوة باتجاه إغلاق إمكانات التنوع الفكري والقيمي والجمالي؟؟ ألا يرتبط هذا بالردة عن الديمقراطية وتعددية الأصوات لا في المغرب فحسب، بل في منطقتنا المنكوبة بداعش وأخواتها بالكامل؟ هل تعتقدون أن إيقاف بث هذا الحفل لن يتبعه منع ومنع ومنع؟ المنع، أو الوصاية على عقول الناس، سيجعلنا جميعا قصر على الدوام. الأصل في الأشياء الإباحة. نحن بلغنا مبلغ الرشد الفكري والقيمي ولا حاجة بنا إلى أوصياء على عقولنا. ولا أعتقد أن هناك توجيها للرأي العام أو مؤامرة ضد المغاربة، والأكثر أؤكد أن الخطر هو فرض الوصاية الإيديولوجية والأخلاقية من طرف من يدعون الطهرانية والتقوى الزائفة على حرية التعبير والإبداع والحجر على فكر المغاربة ومحاصرة الفن والإبداع، لأن النقاش العمومي يجب أن يبتعد عن نزوعات بث سموم الكراهية والعنف والتكفير. وهنا أشير أن النقاش يجب أن يحتدم حول على الإشكاليات السياسية والمجتمعية الحقيقية، والسياسات العمومية التي من شأنها أن تجيب بالملموس عن انتظارات المغاربة في مختلف المجالات من صحة وتعليم وتشغيل، لأنها هي السبيل لحفظ حقهم في العيش بحرية وكرامة وتعددية، وهنا لابد من التحذير من استغلال بعض القضايا الهامشية للتقليل من شأن الأشخاص والمؤسسات خاصة الخصوم السياسيين. ولابد من التأكيد أيضا أن هناك تيارا جارفا من المتطرفين يتربصون وينتظرون كل فرص للظهور بمظهر المدافعين عن القيم المجتمعية، لكنهم في الحقيقة لا يريدون سوى فرض نموذج منغلق للإبداع وتقييد الحريات، وخاصة حرية الإبداع، لأن بلدا مثل المغرب له من المؤسسات ما يمكن من الحد من أية انزلاقات محتملة أو مس بمشاعر المغاربة دون استهداف الحقوق والحريات التي يعد الفن والإبداع والحريات الفردية جزءا من منها، ولا يجب الانصياع لسوى لصوت العقل دون فتح المجال للتطرف الأسود للزحف على مجتمعنا المتسامح والمنفتح.

مولاي الحسن تمازي، أستاذ جامعي بسطات

الغرب يقود حربا باردة جديدة ضد الإسلام

مسآلة الحريات الفردية، وارتفاع منسوبها العلني في هذه الأسابيع، ليست حديثة، أو مرتبطة فقط بالنقاش العام حول مسودة مشروع القانون الجنائي، إنما تدخل في إطار ضرب الدين الإسلامي والهوية الوطنية، وهي قديمة جدا، وتعود لفترة الحروب في القرون الوسطى بين المسلمين والنصارى، وكيف كان النصر حليف المسلمين في غزوتي الزلاقة والآرك، وكيف شكلت هذه المعركة الأخيرة، تحولا في فكر النصارى اتجاه المسلمين، حيث آقسموا على عدم خلع ملابسهم، حتى يثآروا لأنفسهم. لكن لأن الانهيار يأتي بعد الازدهار، انقلبت موازين القوى لمصلحة النصارى في معركة العقاب في الأندلس، وبدآ التخطيط الغربي لاستعمار الدول الإسلامية بخلفية دينية، وضرب الإسلام والهوية والمقومات الحضارية، وزاد ذلك عند انهيار المد الشيوعي، فآصبح الغرب يعتبر الإسلام العدو رقم واحد. فكانت محطة 11 شتنبر، انطلاقة العدة لمحاربة الإسلام في عقر داره، وخلال هذه المرحلة نشطت عدد من المنظمات غير الحكومية والإعلامية، وحاولت تثبيت الحوار مع الإسلام كما تراه وكما تتصوره أمريكا، ضمن خطة تطويع الدين الإسلامي وفق مصلحة الغرب، فتوالت التصريحات الرسمية باستعمال الحرب الباردة ضد الإسلام، كما كانت ضد الشيوعية، فأصبحت مصطلحات «الإسلام المدني»، «الحوار الإسلامي العلماني».. تجد لها مكانا في المشهد السياسي والحقوقي والثقافي.. وبدآ تقديم الدعم المادي والمعنوي للإسلاميين المعتدلين والحداثيين، وتم تكوين «شبكات إسلامية معتدلة»، وتشجيع التصوف والروحانيات.. من كل هذا فإن هذا التنازع الحقوقي له خلفية دينية، وللأسف فإن هؤلاء الشباب يخوضون صراعا بالوكالة، سواء عن قصد أو عن جهل، فهذه أفكار غربية، تتنافى والموروث الديني والثقافي للمغاربة، بل هو ضرب لروح الدستور الذي يتحدث عن إسلامية الدولة، وهنا أتساءل هل الفكر الفلسفي الغربي وقوانينه الوضعية تتحدث عن حرية فردية مطلقة؟ ليس هناك حرية مطلقة، ويكفي الرجوع لـ «جون جاك روسو» وغيره، لندرك أن «حرية الآخر تقف عند مساسه بحريتي»، أكثر من ذلك فالدستور الفرنسي نفسه يتحدث عن احترام الأديان، وعليه فإن أي مساس للحرية بدين المواطنين، هو مساس بحريتهم ومعتقداتهم.. وعلينا أن نتوقف عن رد الفعل فيما يخص الحريات الفردية، ونقوم باستباق حقوقي، من أجل تكريس والدفاع عن حقوق المسلمين في أوربا وعموم الغرب..