الدرس الذي ألقاه أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أمام أمير المؤمنين الملك محمد السادس يوم 18 يونيو 2015 بالقصر الملكي بالرباط في مستهل الدروس الحسنية، اعتبره مراقبون بمثابة استعادة الوزير التوفيق لوعيه التاريخي.
فالدرس (الذي اختار موضوعه الملك محمد السادس) تمحور حول أحد أعلام المغرب المشهورين، ألا وهو العلامة أبو العباس السبتي، دفين مراكش، حيث تناول الوزير المحاضر موضوع: "أبو العباس السبتي ومذهبه في التضامن والتوحيد".
ولما قلنا بأن الوزير التوفيق «يستعيد وعيه التاريخي» فلأننا كنا (وسنظل) نندد بكل من يسعى إلى إحداث خصومة مع موروث المغاربة ومحو ذاكرتهم ونسف وسائطهم (أشراف، زوايا، أحزاب، جمعيات) لتحويل المغرب إلى مجرد ذيل للوهابيين بالسعودية أو للإخوانيين بمصر أو للشيعة بإيران أو للجهاديين بالشام والعراق.
إن أبا العباس السبتي، وغيره من الأعلام المغاربة الذين لم يحظوا بالاهتمام والتعريف، من الرجالات الذين قعدوا لأسس التضامن بمجتمعنا، بدليل أن معظم الأفرنة والمخبزات وبائعي الإسفنج مازالوا إلى يومنا هذا يهدون «الطرحة الأولى» من الخبز والإسفنج للفقراء والمحتاجين وعابري السبيل، كما أن معظم الأندية الرياضية المغربية في الأحياء الشعبية مازالت إلى يومنا هذا تهدي الشوط الثاني من المباريات بالمجان (العباسية) لأبناء الطبقات الفقيرة التي لا تملك ثمن تذكرة ولوج الملعب لمشاهدة المباراة.
إن أبا العباس السبتي من الرجالات الذين أسسوا لتصوف مغربي وظيفي ومنتج، وليس ذاك التصرف القائم على التواكل. كما أنه من الرجالات الذين أشاعوا قيم الجمال في المجتمع. فالمتصوف عندهم ليس ذاك الذي يرتدي خرقة بالية متسخة، بل هو ذاك الحريص على أناقة هندامه لأنه يستحضر كل الأبعاد: بعد الجلال وبعد اللقاء مع الله عز وجل، فينتصر بذلك للجلال والجمال، كما أن أبا العباس السبتي ينتمي لمدرسة ترى الخير في المستقبل، وليس من أولئك الرجال المشدودين دوما للماضي. وبالتالي فالسبتي يغذي الأمل وليس اليأس، والخير عند أبو العباس لا ينظر إليه عند السلف فقط بل هو موجود عند أمة سيدنا محمد (ص) أينما كانت ومتى كانت.
فلو شطبنا على فقهاء الظلام ومنظري السواد القادمين من المشرق من مكتباتنا ومدارسنا، وفسحنا المجال لطلاب وتلاميذ المغرب بالتعرف على أبي العباس السبتي وغيره من رموز الفكر والتصوف المغربي، لربحنا أجيالا مشبعة بتهذيب الذوق والنفس بدل الإيمان بجز الرؤوس وقطع الأيادي.
فرأسمال المغرب اللامادي كاف لإشباع احتياجاتنا في التضامن وفي التربية الخلقية وفي السلم الاجتماعي، ولا نحتاج إلى استيراد ذلك من الخارج.
فالذين يحتقرون أعلام المغرب ورموز المغرب ويحرصون على حشو ذاكرةالمغاربة بفقهاء الشرق، إنما يهدفون إلى هدف واحد، ألا وهو أن تبقى الدولة المغربية ضعيفة ليستمروا في الابتزاز و«المصان» والاستفادة من الريع.
إن رد الاعتبار للعلامة أبو العباس السبتي خطوة محمودة أحدثت رعشة وطنيةفي الجسم السياسي المترهل، والأمل أن يتم السير في هذا المنحى إلى أبعد مدى، لأن موروثنا المغربي لا يخدم إلا أفق التدافع المدني، وذاكرتنا التاريخية لا تخدم إلا تليين الصراع السياسي وتنبذ التدافع بالقتل والتفجير الإرهابي.
فيا يحيى خذ الكتاب بقوة، ولنحرص على رد الاعتبار لكل أعلامنا وفقهائنا ومفكرينا المناصرين للتدين المغربي.