لما يعلن رئيس الحكومة، في محفلين اثنين متباعدين في الزمن وتوأم في الدلالة، أن "الله عفا عم سلف" مما سبق من.. التلف.
ويعلن في جلسة برلمانية، أمام غرفة المستشارين، أن الحرب على الفساد أو ضده، تكاد تكون مستحيلة، بل ربما هي مستحيلة، وأن النسبية في الإعلان عن ذلك هو اختيار استعاري أكثر منه حقيقة تنفي الواقع، ويعلن في الوقت نفسه أن الفشل هو النهاية في معالجة قضايا جوهرية، وقتها يحق لمن ما زال يؤمن بقدرة السياسة في بلادنا على اجتراح المعجزة أن يسأل: هل يمكن أن يصلح الرقم الأخضر ما أفسده الدهر وأفسده العجز الحكومي؟
- ما هي القصة؟
القصة يا سادة يا كرام هي أن وزارة العدل أطلقت خدمة الرقم الأخضر للتبليغ عن الرشوة، وقد قدمت هذه الخدمة الجديدة إلى جانب خدمات إلكترونية أخرى وتطبيق الخدمات القضائية الإلكترونية الخاصة بالهواتف الذكية والنسخة الجديدة لموقع الوزارة.
وقالت وزارة العدل في بيان أن هذه الخدمات تأتي لـ "تمكين المواطنين من آلية للتبليغ عن أفعال الرشوة بالسرعة والفعالية اللازمتين لضبط الجناة في حالة تلبس".
وأعدت وزارة العدل المغربية وصلة إعلانية ستبث عبر الإذاعة الوطنية وعلى قنوات التلفزة المغربية، كما سيتم توزيع مطويات بالمحاكم، تعرف بالرقم الهاتفي وتشرح الهدف منه وطريقة الاتصال به!
بالرغم من أن الجميع يعرف أن هذه الإجراءات تعرف تقدما بطيئا بسبب ضعف الإرادة السياسية، فحقيقة الأمر أن هذا تمرين صغير ضد الفاسدين الصغار من أصحاب الرشاوى التي يمكن أن يضبطها المواطنون لا غير، يريد به العدالة والتنمية الإسلامي تنزيل شعار "محاربة الفساد والاستبداد" الذي خاض به انتخابات 2011.
مشكلة الرقم الأخضر هي… بنكيران نفسه!
الذي قال إن "الله عفا عم سلف"
مما سبق من.. التلف.
ولم يفعل شيئا فيما أعلن أنه يعرفه من..العفن!
وإذا كان موقف رئيس الحكومة هو هذا، فما الجدوى في أن ينخرط المواطن في محاربة الرشوة وهو يعرف أن الأجهزة المكلفة أعلنت عجزها رسميا وعلانية من أية أفق لمحاربة الفساد؟
تابع المغاربة الذين يتوجه إليهم مصطفى الرميد اليوم باستعمال الرقم الأخضر لفضح الرشوة، رئيس الحكومة وهو يستعمل كل أنواع الأرقام وتحدث بألوان الطيف السبعة عن الفاسدين وعن الفساد، واتهم أناسا، ومسؤولين في الأحزاب وفي النقابات وفي الجماعات، وفي البأساء والضراء وحين البأس، كما وقع في طانطان وفي غيرها من الكوارث.. وسمع المغاربة من طنجة إلى الكويرة مكالماته العمومية حول الفساد والمفسدين..
وماذا كانت النتيجة، فهل ركب الرقم الذي يجب أن يركبه، الرقم الصحيح، أي النيابة العامة ويأمر بفتح تحقيق،عبر وزيره في العدل طبعا.
طبعا لا!!
لقد استعمل الرئيس، في بداية الحديث عن حربه ضد طواحين الفساد وعفاريت التحكم وتماسيح الاستبداد كل الألوان :
استعمل الرقم الأحمر
والرقم الأصفر
والرقم البني
واستعمل الرقم السري
وفي الأخير أعلن هدنة طويلة الأمد مع الفساد ومع الرشوة، ولهذا فلن نفاجأ إذا ما استعمل الرقم الأخضر في.. التبليغ عن حكومته!