فوجئت المعارضة السياسية في الجزائر برسالة الدعم والتأييد التي وجهها نائب وزير الدفاع الوطني وقائد أركان الجيش الفريق قايد صالح، للرجل الأول في الحزب الحاكم عمار سعداني، واعتبرتها نكوصا خطيرا عن حياد المؤسسة العسكرية تجاه الأحزاب السياسية، ولاسيما أنها كشفت عن انحياز غير مسبوق في تاريخ الجزائر المستقلة لصالح حزب بعينه ولحساب فئة معينة من الجزائريين على حساب جزائريين آخرين، وهو ما يدق حسبها آخر إسفين في نعش الحريات السياسية ويغلق اللعبة لصالح السلطة.
وخاطب قائد أركان الجيش، أمين عام الحزب الحاكم بـ”الأخ”، حسب ما جاء في رسالة له نشرت جريدة “لوسوار دالجيري” مقاطع منها.
وكتب قائد أركان الجيش في رسالته “إنه لمن دواعي سروري أن أتقدم إلى شخصكم بخالص التهنئة وأطيب التمنيات بالصحة والرخاء بمناسبة تزكيتكم، بالإجماع، أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني، وندعو الله أن يكون في عونكم ويرعاكم لأداء مهامكم التي تتطلب كثيرا من التضحيات”.
وأشار قائد أركان الجيش إلى مكانة حزب جبهة التحرير الوطني في الساحة، حيث يبقى، حسبه، “القوة السياسية الأولى في الجزائر دون شك، بالنظر إلى رصيده الثوري والتاريخي وقاعدته الشعبية الواسعة التي تضم فئات اجتماعية متنوعة”.
واعتبر قايد صالح أن حزب جبهة التحرير الوطني يبقى عنصر توازن في الساحة السياسية، حاملا لهاجس خدمة المصالح العليا للوطن، مضيفا أن “الحزب يبقى أكثر من أي قوة أخرى حاملا لذكريات تاريخنا المجيد، وتضحياته الجسيمة”.
وتأتي رسالة قائد أركان الجيش إلى سعداني، بعد تلك التي تلقاها من الرئيس بوتفليقة في اليوم الأول للمؤتمر العاشر، ومنحه فيها ورقة بيضاء لقيادة الأفالان والمضي في مشروع “التجديد والتشبيب”.
وأثارت الرسالة التي يصر أنصار القيادة الحالية للجبهة على وصفها بـ”البروتوكولية”، كغيرها من رسائل التهنئة التي تلقاها سعداني من بقية كبار مسؤولي الدولة جدلا في الأوساط السياسية.
وتلقت الأحزاب السياسية المعارضة، الرسالة باستياء واستغراب شديدين، كونها أبانت انحيازا غير مسبوق في تاريخ العسكر لصالح تشكيلة سياسية بعينها، رغم الحياد الذي تردده في خطاباتها وتعاطيها مع المشهد السياسي.
ووصف المسؤول الإعلامي لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عثمان معزوز، الرسالة بـ“الانقلاب”، وقال “إنها تهز بمصداقية ونزاهة المؤسسة العسكرية في خطابها المحايد أمام الأحزاب السياسية، وانحياز مفضوح لصالح حزب السلطة بشكل يوحي بطبيعة الترتيبات التي تعكف عليها أجنحة السلطة، من أجل إنهاء مرحلة بوتفليقة والتحضير لخليفته في المرادية”.
وأضاف “ما أقدم عليه قائد أركان الجيش هو سابقة غير معهودة في تاريخ المؤسسة العسكرية، وانحراف عن مضمون المهام والوظائف المحددة في الدستور”.
ويرى مراقبون سياسيون في الجزائر، أن رسالة الفريق قايد صالح للرجل الأول في جبهة التحرير الوطني، تحمل عدة دلالات تتمحور حول تصفية الحسابات في هرم السلطة بين جناح الرئاسة والاستخبارات، فإذا سبق لسعداني في صائفة 2013 أن فتح النار لأول مرة على من كان يوصف بـ “رجل الظل القوي”، مدير جهاز الاستخبارات الفريق محمد مدين (توفيق)، بما أنه كان يشكل العائق الأكبر لجناح الرئاسة لتحقيق أهدافه في السلطة، فإن رسالة قايد صالح المحسوب على جناح المرادية، تستهدف الإيحاء بنهاية نفوذ “رجل الظل” وبالانسجام بين العسكر وحزب السلطة.
وتؤشر الرسالة في رأي هؤلاء على طبيعة التغييرات التي تنوي أجنحة السلطة تنفيذها تحسبا لمرحلة ما بعد بوتفليقة، وتندرج في سياق ترتيب الأوراق في مختلف زوايا النظام، بشكل يقدم السلطة في حالة من التوافق والانسجام بين مؤسسات الدولة، بدءا من الحكومة إلى مؤسسة الجيش ومرورا بأحزابها السياسية، ولاسيما جبهة التحرير الوطني، التي أزاحت كل رموز المعارضة والحرس القديم من هياكلها
وسبق للفريق قايد صالح أن شدد في افتتاحيات سابقة في مجلة الجيش الناطقة باسم المؤسسة، على حياد الجيش ونزاهته والتزامه بالمهام الدستورية، وذلك لما ارتفعت عدة أصوات سياسية، من أجل تدخله لفك حالة الانسداد السياسي والمساهمة في تحقيق انتقال ديمقراطي هادئ في البلاد، وأكد في أكثر من مناسبة على عدم التدخل في الشؤون السياسية، داعيا حينها إلى عدم الزج بالمؤسسة في تجاذبات الطبقة السياسية.
واعتبر رئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان، الرسالة ا حلقة من سلسلة بدأت في أبريل 2014، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية التي زكت بوتفليقة لعهدة رابعة.
وقال “ما قام به قائد أركان الجيش، هو استمرار لمسلسل الانتخابات الرئاسية التي فرضت على الجزائر رئيسا مقعدا وغير قادر على أداء مهامه الدستورية”.
وقال رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) عبدالرزاق مقري “رسالة قائد الأركان قايد صالح لجبهة التحرير هي خطوة غير مسبوقة في الساحة السياسية الجزائرية، لم يسبق للمؤسسة العسكرية أن تدخلت بشكل علني في الشأن الحزبي، ويعتبر هذا الموقف قد أخْرج للعلن ما كان يُحاك في السر لترتيب المشهد السياسي بواسطة الدعم غير العلني لحزب السلطة”.
العرب اللندنية