"جنوب إفريقيا تفوز على المغرب في سباق احتضان منافسات كأس العالم لعام 2010"، إنه الخبر الذي تقبله المغاربة وقتها بصدر رحب برغم مرارة تجرعه، مستسلمين لقرار اعتُقد، أو هكذا يفترض، كونه صدر من جهة تتمتع بكل شروط المصداقية والأمانة، ولا يجب مجرد الشك في تقاريرها باعتبارها الأدرى والأكثر اطلاعا على جميع ملفات البلدان المرشحة، وأن أي نية في الاحتجاج ربما قد تُؤول على نحو خاطئ، أوله التستر على ضعف الملف، هذا إن لم يؤد عدم الانصياع لحكم السيد بلاتير ومن يدور في فلكه، إلى خلق حزازات من شأن تداعياتها أن تولد حقدا وبوادر انتقامية يبقى بلد عربي إفريقي محدود قوى الدفاع مثل المغرب، في غنى عنها. فكان ما كان، ودون أن يجرؤ أحد على وضع أولئك المسؤولين النافذين في موضع ريبة فبالأحرى موقع الاتهام أيا كانت طبيعته. إنما وكما يقول المثل المصري "يا خبر بفلوس بكرى ببلاش". فدقت ساعة الحقيقة وانكشف المستور دون جهد أو دعوة الغير لبذله. لتتكلف وزارة العدل الدولية بالموضوع وتزيل اللثام على أكبر فضيحة عرفها تاريخ "الفيفا"، ليس على المستوى الأخلاقي فحسب، وإنما فيما يتعلق أيضا بقيمة مجموع الأغلفة التي ابتلعتها جيوب المتهمين، والمقدرة في 150 مليون دولار صرفها من صرفها، واغتنى بها من اغتنى، ودفع ثمن تأثيرها من الضحايا من دفع. علما أن ما حققته هذه الصفقة على حساب المغرب، ومرورها بردا وسلاما على المتلاعبين فيها، شجعهم على تكرار فعلتهم خلال مونديالي 2018 بروسيا و2022 بقطر أيضا. هذا قبل أن تكون لهم مغامرات فساد أخرى امتدت على مدى عقدين من الزمن، وتحديدا لمدة 24 سنة.
العجوز بلاتير إذن، والذي باع حفاوة المغاربة به، وكؤوس شاي الترحاب بمليوني ونصف دولار للصوت، أي ما حصيلته 10 ملايين دولار مقابل الأربع أصوات التي وضعت جنوب إفريقيا في ممر مشبوه قبل أن يكون متقدم على المغرب، وضيع عليهم فرصة قلما تتاح لبلد كم كان تواقا وشعبه للظهور عالميا من باب أكبر تظاهرة كونية، بما توفره من نقلات اقتصادية وتنموية قد تختصر عمل سنين ومجهود أجيال.
العجوز بلاتير إذن، سقط في مستنقع قذر كما سقط من عيون كل من يكرهون الفساد والمفسدين، وأولهم الواقعين ضحيتهم، لتفتح صفحة أخرى بمعطيات مغايرة تقلب الرؤى السابقة رأسا على عقب، وتنذر بأن لا حقيقة أو يقين دون شك في كل ما قام به الرجل وهو متسيد مملكة "الفيفا" لعشرات السنين دون أن يجد من يقلعه من عرشها. مانحا الدليل على أن ليس كل من عَمَّر في منصب تكون الكفاءة سنده، وإنما يحتمل كذلك أن يكون مصدر الاستقواء أشياء أخرى.
العجوز بلاتير إذن، شوهته اللحظة على مسمع ومرأى ملايير مواطني العالم، فهل بمقدوره الشك من جانبه في اتهامات وزارة العدل الأمريكية؟. أم أنه سيركع "بلا جاوي" لما حاصرته به أقوى دولة في العالم؟ ويختار الطريقة التي يعاقب بها كأفضل ما يمكن أن يعامل به مسؤول ظالم ومؤتمن خائن، وإن كانت الإطاحة به أتت أثناء الوقت الإضافي، على أساس أن تكون السقطة المدوية بالركلات المضادة للفساد الخبيث.
وحتى لا يبقى الرادار مصوبا في اتجاه واحد بعد أن ضبط معتقله بالجرم المشهود، ألا يخول لنا ذلك التساؤل حول ما يعتزم مسؤولوا بلدنا ليرد الاعتبار لدولتهم وشعبهم. أم أن الأمور ستترك على نحو الاكتفاء بدور المتفرج ولسان الحال يقول "اللي جات من الخير".