قضية فيلم نبيل عيوش ليست بالسهولة التي يعتقدها البعض، وليست مسألة أخلاقية بالمرة، بل فنية تماما، تتداخل فيها عناصر متشابكة.
من جهة: هناك حرية الفنان في التعبير عن مواقفه مهما كانت حادة، ومهما كانت مؤلمة لنا، كما أنّ السينما تختلف عن التلفزيون ومساحتها حرة أكثر ويحضر فيها عنصر الاختيار -فنحن ندفع المال ونتوجه إلى القاعة مختارين- عكس التلفزيون الذي يراعي مساحات خاصة، ولهذا تكون مساحة الحرية في السينما غير مؤطرة تقريبا.
لكن من جهة أخرى هناك عناصر لا بدّ من التذكير بها وطرح الأسئلة بصددها.
أولا: ما هي الوسائل والطرق التي يتمّ بها تمويل الأفلام المغربية؟ وهل السينما الحالية (بتمويلها الحالي) تعبّر عن الهوية المغربية والثقافة والعمق المغربي فعلا بلغتيه العربية والأمازيغية؟ ألا يجدر بالجهات الرسمية الداعمة التي تمنح الملايير من مال الضرائب وميزانية الدولة أن تحدد شروطا للاستفادة من الدعم، من بينها التركيز على العنصر المحلي والاستفادة من النص الجيد للكُتاب المغاربة وتعميق معرفة المغاربة ببلادهم عبر سينما وطنية لم تكتشف بعدُ الأطراف، وكلّ همّها هو إعداد ملف الدعم؟
ثانيا: حتى ولو سلّمنا بكون الحرية هي المبدأ فإن تصريف هذه الحرية عبر منتوج ما، جماهيري، في عالم بسيط التلقّي، قد يساهم في بناء صورة نمطية حول بلد ما، فالمغرب بلد تنتشر الدعارة في مدنه فعلا، لكن ذلك يحصل في غيره من البلدان العربية والأوروبية، فلماذا سيتم التركيز في أفلام كثيرة على مواضيع مثل هذه وكأن المغرب ماخور كبير؟ ولماذا لا يتمّ التركيز على عناصر أخرى؟
ثالثا: يجدر بنا فتح نقاش حقيقي حول قضايا السينما المغربية خارج التقاطب المجاني بين ليبرالي فجّ يهدف إلى "الستريبتيز" وينظر إلى الحرية من جوانبها الضيّقة؛ ولا ينتبه إلى الحرية من جهة التفكير والتعبير والاختيار والمساهمة في بناء الوطن. وبين تيار محافظ فَقَدَ شرعيته في مجال الاجتماعي وخسر المواقع وأصبح يبحث عن حروب ثقافية يصنع بها شعبيته لأنّها تُدغدغ العواطف.
والحل: انتقاد الفيلم فنيّا، وتشجيع الثقافة السينمائية الحقيقية القائمة على تطوير وعي وخيال المتلقي وغرس السينما في المدرسة والحي ودار الشباب، وبذلك سنخلق جيلا واعيا يتصدّى للإسفاف (الفني) ويتعامل معه بذكاء خارج التقاطبات التي ستشغل الناس عن قضاياهم الحيّة وعن ضرورة الفن خارج كلّ تصنيف.
لم أشاهد الفيلم، وأنا أتكلم بشكل عام، أما مسألة رفع دعوى ضد فيلم فمجرّد بروباكاند سخيفة.
ففي المغرب ليس لدينا نظام الحسبة الذي يُعطي الحقّ لأي مواطن في رفع دعوى ضدّ منتوج ثقافي أو فني.. لقد حاول البعض قبل هذا محاسبة الداودية على أغنيتها فلم تنجح المحاولة، وكانت مجرد تسخينات سياسوية لربح تعاطف الجمهور العريض. محاسبة فيلم أو تعبير ثقافي أو أدبي مهما كانت تفاهته تتم بالأدوات الثقافية والتربوية وليس بالزجر أو المنع من العرض لأنّ ذلك سيأتي بنتيجة عكسية تماما.