كلما زارت "الوطن الآن" دولة الإمارات العربية المتحدة إلا وتصطدم بالجديد وبالجدية في إدارة الشأن العام بهذا البلد العربي بما يرفع من منسوب جودة العيش لسكان الإمارات العربية وللمقيمين والمستثمرين فيها. هذه الجدية تصيب المغربي بالرغبة في التقيؤ على المسؤولين المغاربة كلما قارن بين واقع الحال في أبو ظبي أو دبي والوقع بالبيضاء والرباط ومراكش وباقي عواصم الجهات.
وإليكم الحجة الدامغة على سرعة الإيقاع بالإمارات العربية والتكلس البيروقراطي بالمغرب الحبيب:
في أبو ظبي أصبحت مدة الترخيص للقيام بنشاط تجاري لا تتجاوز 10 دقائق من تقديم الطلب الذي يستوفي الشروط المطلوبة من طرف السلطات الإماراتية، في حين أن المرء الراغب في فتح محل تجاري أو خدماتي بالمغرب عليه المرور من "جحيم" إداري رهيب. هذا الجحيم يستوي فيه الصغير والكبير، لدرجة أن بنك "التجاري وفا" (وهذا مجرد مثال) إذا رغب في فتح وكالة بنكية في حي شعبي عليه انتظار سنة كاملة وما يزيد للحصول على التراخيص اللازمة، علما أن بنك "التجاري وفا" هو ثالث مصدر للمداخيل الضريبة في البلاد (بعد الفوسفاط واتصالات المغرب). وإذا كان هذا حال أكبر بنك بالمغرب فما بالنا إذا تعلق الأمر بطبيب يريد فتح عيادة أو لحام يريد فتح ورشة للحدادة أو مكتب استشارة يريد ممارسة عمله في إطار قانوني أو مستثمر يرغب في فتح مطعم أو نادي رياضي إلخ...
الجدية والحزم الصارم في تبسيط المساطر بأبو ظبي كان لهما وقع إيجابي على جاذبية الإمارة في مؤشر تحسن بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار بأبو ظبي، بدليل أن حصيلة عام 2014 كانت جد مشرفة بالتوقيع على تراخيص 2536 نشاط جديد في المجال التجاري لوحده مع ما يستتبع ذلك من رواج اقتصادي وخلق فرص جديدة للشغل.
المثال الثاني من دبي التي ستحتضن بعد خمسة أعوام حدثا كبيرا يتجلى في "إكسبو 2020". فتحضيرا لهذا الحدث سطرت سلطات دبي سقفا لإنجاز خط ثان من الميترو لربط معرض "إكسبو" بباقي تراب الإمارة (15 كلم). وهذا السقف تم الكشف عنه للرأي العام الدولي وفق جدولة محددة تتجلى في الآتي: فطلبات التأهيل لإنجاز الخط الثاني من ميترو دبي حدد لها يوم 31 ماي 2015، واختيار لائحة التحالفات (تجمع الشركات) لتنفيذ المشروع حدد لها يوم 30 يونيو. أما الإعلان عن مستندات المناقصة فحدد له يوم 2 يوليوز، فيما سيتم استلام العروض من الشركات المتنافسة يوم 6 دجنبر 2015. وبتاريخ 28 يناير 2016 سيتم الإعلان عن الشركة الفائزة بالصفقة، على أن تنطلق الأشغال في إنجاز الميترو في الربع الأول من عام 2016 ليكون المرفق جاهزا وكاملا في الربع الأول من السنة القادمة. والويل ثم الويل للمسؤولين بدبي إن لم يحترموا هذا الجدول الملتزم.
في المغرب، لتهيئة "رومبوان" (مدار طرقي بسيط) أو لتزفيت طريق أو لإنجاز مرفق عمومي معين، لا تكلف الحكومة أو البلدية أو الولاية نفسها عناء الالتزام بجدول ومراحل إنجاز المشروع ليكون المغاربة على بينة من الأمر بخصوص الصفقة ومراحل تنفيذها وآجال كل مرحلة. بل "التجرجير" هو سيد الميدان بالمغرب والارتجال هو شعار المسؤولين المغاربة. فهل نحتاج للبرهنة على ذلك؟ وهل نحتاج للقول إن بناء قنطرة صغيرة فوق السكك بعين حرودة مازال المكتب الوطني للسكك الحديدية يتلكأ في إنجازها منذ خمس سنوات، فأحرى أن نحلم بإخراج "تي جي في" في الوقت المعلن عنه؟ وهل نحتاج إلى استحضار قنطرة مرجان بالبيضاء (طريق مراكش) التي مازال المجلس البلدي للبيضاء "ناعس" عليها منذ أزيد من خمسة أعوام؟ وهل نحتاج إلى الاستشهاد بفضيحة فتح حديقة مقر عمالة عين السبع في وجه العموم التي تقررت في عام 2011 ولم تفتح إلى اليوم رغم أنها "كاملة ومكمولة"؟
يا وزراء المغرب، يا ولاة المغرب، يا عمال المغرب، يا عمداء المدن بالمغرب، يا مدراء المؤسسات العمومية بالمغرب، ارحمونا واخرجوا من مكاتبكم لتسترشدوا بتجارب أسيادكم في دول أخرى كانت إلى عهد قريب أكثر تخلفا من المغرب، فأصبحت هذه الدول تعطي الدروس للمغرب في كيفية تحسين وتجويد أداء المرفق العام.
ارحمونا واحترموا ذكاءنا أو ارحلوا عنا.