عمر المدن: المطلوب شيء من المصداقية في معالجة الأزمة اليمنية

عمر المدن: المطلوب شيء من المصداقية في معالجة الأزمة اليمنية

"كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين"(الآية 64 من سورة المائدة)

لا يتعلق الأمر هنا، بادعاء امتلاك حقيقة، أو سلطة تحديد أي من الفريقين المسؤول عما يحدث من أعمال قتل وتدمير باليمن. فمشعلو الحريق بأرض بلقيس، هم أنفسهم من أحال بلاد الشام، وموطن عمر المختار إلى خراب، وساحة اقتتال، وتطاحن دموي كريه، ما زال مستمرا حتى الآن.. والذريعة الجاهزة، هي ذاتها بشكل مقلوب: في حالة الحرب على سوريا (ربيع 2011)، طالب متزعمو التدخل الخارجي، من الرئيس بشار الأسد، التنحي عن الحكم، نيابة عن الشعب السوري، وكأن هذا الأخير منحهم "تفويضا" للتحدث باسمه.. بينما في الحالة اليمنية، جرى الركوب على مقولة "إعادة الرئيس الشرعي" المنتخب، هادي منصور، إلى الحكم، في مواجهته للحوثيين، مع أن جزءا كبيرا من الشعب اليمني نزل إلى الشارع، مطالبا برحيل رئيسهم.. فكيف يستقيم "الإجراء السعودي-الخليجي" على صنعاء، بالحفاظ على رئيسها الحالي، ولا يستقيم على حاكم دمشق؟.. أقول هذا، ليس دفاعا عن هذا الأخير، وإنما لكشف التناقض الحاصل في هذا الشأن.

لذا، فالحرب الدائرة هناك، ليست من أجل عودة "الرئيس الشرعي" لليمن، فحسب، بل هي "حرب استباقية" للجم إيران، واقتلاع نفوذها من منطقة الخليج بكامله.. ومع ذلك، فالحوثيين ولاؤهم لليمن، أكثر منه لإيران.

هذه الحقيقة البديهية، يعرفها -للأسف- أغلب من يشتغلون في المجال الإعلامي.. لكن بعض ما شاهدناه، وما قرأناه من تغطيات وروبورتاجات عن الأزمة اليمنية حتى الآن، يفتقد للكثير من المصداقية، وتسمية الأشياء بمسمياتها، من قبيل العناوين، والمانشيتات التالية، كنموذج فقط: "ميليشيات الحوثيين تخير اليمنيين بين أن تحكمهم، أو تهدم البلد على رؤوسهم"، "مغاربة أوروبا بين جحيم الشيعة وجهنم داعش".. فلم كل هذا الانحياز، وأين ذكر الدول والأطراف الأخرى، الموقدة لنار الفتنة والصراعات المذهبية والطائفية في المنطقة؟ ولماذا حشر الشيعة في الجرائم التي يرتكبها عشرات، بل مئات الحركات التكفيرية، المشبعة بالفكر الوهابي-الإخواني، إلى حد وضع الشيعة، حسب المقالات المنشورة عنهم، سواسية مع تنظيم الدولة الإسلامية  بالعراق؟ أليس "الخوانجية"، بمختلف تنظيماتهم، هم من اغتالوا الدكتور حسن الذهبي، وزير الأوقاف المصري السابق والمفكر فرج فودة، وعمر بن جلون، وغيرهم كثير، من مثقفين، وصحفيين، وفنانين، ورجال دين، عرب ومسيحيين، في مختلف أرجاء العالم؟ أليس أشباه هؤلاء القتلة، هم من قام بذبح وإحراق الرهائن لديهم، والإلقاء بأشخاص من النوافذ، وتدمير عشرات المساجد والأضرحة، والكنائس، والمتاحف؟ هل الشيعة قاموا بمثل هذه الأعمال الشنيعة؟.. من الممكن أن تكون ثمة أفعال شيعية  محدودة، هنا وهناك، وفي العراق بالذات، على يد ميليشيات مقتدى الصدر، إبان الاحتلال الأمريكي، ضد السنة، المقربين من صدام حسين.. ما عدا هذا، فإن الذراع الإجرامية للقاعدة وداعش، وحركة الشباب الصومالية، والنصرة، وأنصار بيت المقدس، وجماعة بوكو حرام، وبقية فرق الموت الشبيهة لهم، لا تتورع في قتل الأبرياء... ومن الظلم مقارنة الشيعة بهم، بأية حال من الأحوال، ولا ينبغي أن تصل حساسية البعض تجاه إيران، إلى حقد أسود، وتعميمه على الشيعة.