باحثة فرنسية: تطرف الشباب الأوروبي ضرب من العدمية الجديدة

باحثة فرنسية: تطرف الشباب الأوروبي ضرب من العدمية الجديدة

ارتفاع أعداد المتطرفين الفرنسيين الذين يتحولون إلى ميادين الصراع في الشرق الأوسط وأساسا إلى سوريا بعنوان “الجهاد” تحول إلى ظاهرة لافتة للانتباه، وهو ما أنتج قراءات متباينة ومتداخلة تبعا لتعقد الظاهرة ذاتها، إذ تنفتح على مسائل الهجرة والاندماج والعلاقة بين المسلم والآخر، وأسباب التحول من مواطن مسلم إلى “متطرف جهادي”. قضايا تحتاج قراءات متخصصة من قبيل الباحثة الأنثروبولوجية دنيا بوزار وهي تشرّحُ في هذا الحوار ظاهرة تطرف بعض الشباب الفرنسي، أسبابه وسبل التصدي له.

حادثة شارلي إيبدو جددت السجال، بأكثر حدة، حول أوضاع المسلمين في فرنسا ومدى اندماجهم في المجتمع الفرنسي واستيعابهم لقيم المواطنة، وهو سجال توسع وأفرز مواقف مختلفة حد التناقض بين من يعتبر وجود المسلمين إثراء وإغناء للمجتمع الفرنسي، وبين من يعده عبئا على القيم الحداثية الفرنسية، وفي سياق هذا السجال استعمل الوزير الأول الفرنسي مانوييل فالس مصطلح “الأبارتايد” أو التمييز العنصري في إشارة إلى أوضاع المسلمين المعيشية في فرنسا، وتفاعلا مع التوصيف قالت دنيا بوزار إنه “لا يمكن الذهاب إلى هذا التطرف في القول، ولكن آن الأوان للاعتراف بأن هناك بونا شاسعا بين الواقع السائد ومبادئ العدالة التي تبشر بها الجمهورية، إذ أن الكثير من الفرنسيين من الديانة الإسلامية ما زالوا ينتمون إلى الطبقات الشعبية الأكثر فقرا وهم مبعدون ومكدسون في أغلب الأحيان في أحياء الضواحي. وحتى وإن كان بعضهم متحصلا على شهادات، فسيجدون صعوبة في الحصول على وظيفة لأن السكن في تلك الضواحي أصبح يمثل عائقا كبيرا أمام اندماجهم”.

وتفاعلا مع مسألة تطرف بعض الشباب الفرنسي وتحول بعضهم إلى إرهابيين، وهي ظاهرة عصية على الفهم والتفكيك، عرجت بوزار بالقول أنه “ليس هناك أي سعي روحي من وراء هذه الظاهرة. نحن نواجه شبه دعاة ماكرين للغاية، يتحدثون ويفكرون بالفرنسية، وينطلقون من النقاشات والتجربة المعيشية في فرنسا بغية جذب الشبان بما فيهم غير المسلمين. لقد طوروا كثيرا من طريقتهم في التجنيد وباتوا ينتهجون تقنيات الجماعات الطائفية في بسط نفوذهم على عقول المراهقين والمراهقات. ولا يستغلون الدين سوى كذريعة من أجل إقناع الشاب بأنه إذا كان يشعر بصعوبة في التعامل مع الأولياء أو الأساتذة أو الأصدقاء فهذا يعني أن الله قد اصطفاه لإصلاح هذا العالم الفاسد. وهكذا يحوّل هؤلاء المجرمون مجرد شعور سلبي عادي ينتاب المراهقين والشباب إلى علامة قدرة واصطفاء. ويقطعون، شيئا فشيئا، من يقع في مصيدتهم من الشباب عن كل ما يحيط بهم من أصدقاء وأساتذة وهوايات وحتى عن عائلاتهم، بل يقطعونهم حتى عن ارتياد المساجد”.

وبحثا عن الأسباب التي تدفع بعض الشبان الفرنسيين للالتحاق بساحات الصراع في سوريا، عللت دنيا بوزار ذلك بأن “دعاة الجهاد ابتدعوا لكل فرد طريقة خاصة لاصطياده وتحفيزه للالتحاق بجماعاتهم. وقد وفرت الإنترنت لكل شاب إمكانية إيجاد سبب يقتنع به شخصيا؛ غالبا ما تنضم الفتاة وتسافر لأنهم أقنعوها بأنها يمكن أن تنقذ أطفالا من بطش بشار الأسد ومساعدة المسلمين في البقاء على قيد الحياة. ولكن وبعد فوات الأوان تكتشف الشابة الحقيقة بمجرد وصولها وترى أن كل ما سمعت كان مجرد افتراءات وتجد نفسها متزوجة غصبا عنها ومحتجزة مثل كثيرات. أما الذكور، فيلتحقون بداعش وهم يتصورون أنهم سيعيشون مغامرة يمكن أن يشعروا فيها أن لهم دورا ما في الحياة، والثأر للمسلمين المضطهدين في العالم، وتطهير صفوف المسلمين والقضاء على الكافرين، بمعنى الآخر الذي لا يفكر مثلهم”.

وتفاعلا مع تصور أوليفييه روا، المتخصص في دراسة الحركات الإسلامية، ومفاده أن الشبان المتعصبين دينيا في أوروبا وفرنسا هم مجرد “عدميين جدد”، علقت دنيا بوزار بأن الأمر “أكثر تعقيدا من هذا الطرح، فالعدميون أسهل للتحفيز، ولكن بالنسبة لهؤلاء فهم يصبون للقيام بمهمة ويستطيعون حتى اختيار مهمتهم بأنفسهم. وفي غضون شهرين، يستطيع دعاة الجهاد تجنيد شاب كان مواظبا على دروسه وناجحا في علاقاته مع غيره ومتفائلا بمستقبله”.

وخلصت إلى القول أنه “سيكون من المطمئن لو كان الأمر متعلقا بالعدميين فقط”.

وحول سبل مساعدة هؤلاء على التخلص من أفكار التطرف والتكفير رأت بوزار أنه “لا جدوى من استعمال الحجج العقلية والمعرفية مع شاب تمت أدلجته من قبل الدعاة، لأنه، ببساطة، مقتنع بأنه كائن مصطفى يملك الحقيقة وهو أكثر بصيرة من كل البشر الآخرين. لقد حذره خطاب داعش بأن الآخرين، أي الكفار والمنافقين والضالين، أي كل الذين لا يفكرون مثله، يريدون زرع الشك في عقله وقلبه، ومن هنا لا يمكن أن نتحدث ونتناقش معهم، ليس لأن ذلك لا يجدي نفعا فحسب، وإنما لأنه يزيد المتطرف إيمانا بما حُذّر منه. ينبغي البدء بالتأثير عاطفيا عليه بهدف زعزعته ومساعدته على التفكير كفرد، والتخلص من وضعية الخضوع للجماعة التي تفكر بدلا عنه، وتحدد ذاكرته وتملي عليه سلوكه وحتى طريقة فهمه للخطاب الإلهي. يجب أولا محاولة انتشاله من قبضة المجموعة”. وقالت أنها ستنشر قريبا كتابا بعنوان “سبل التخلص من قبضة الجهاديين” وستخصصه لاستعراض تجاربها في هذا الصدد.

وردا على بعض القراءات التي تقول أن “الإسلاموية” خرجت من رحم الإسلام ذاته، أشارت بوزار إلى أن “من يقول ذلك يجهل حتما ما يحدث على أرض الواقع لأن الرد عليه بسيط، 50 بالمئة من المغرر بهم ينتمون إلى عائلات فرنسية ذات توجه إلحادي ولا علاقة لها بالهجرة والمهاجرين. أما الــ50 بالمائة المتبقية فهم من ثقافات متنوعة إذ هناك آسيويون وألمان، وشبان من عائلات ذات مرجعية كاثوليكية، وهناك حتى بعض اليهود. ومن النادر أن يسقط شاب مسلم ملتزم دينيا في فخ دعاة الجهاد».

 

العرب اللندنية