محللون: مهمة صعبة للرياض في اليمن وكان لا بد للسعودية من التصرف بحزم أكبر

محللون: مهمة صعبة للرياض في اليمن وكان لا بد للسعودية من التصرف بحزم أكبر

يرى ريتشارد هاس، مدير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية أن مجريات اليمن تجعل من مقارنته أحداث العالم العربي بما شهدته أوروبا في القرن السابع عشر من حروب أهلية صحيحة.

ففي مقال كتبه العام الماضي قال إن المنطقة العربية تشهد سلسلة من الحروب العنيفة والنزاعات السياسية والدينية في داخل حدودها وخارجها والتي قد تستمر لعقود طويلة وهو ما يذكر بحرب الـ30 عاما في أوروبا.

والحالة اليمنية كما يقول في مقال حديث نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" تؤكد فرضيته، فهذا البلد المبتلى بالفقر والانقسامات الداخلية – القبلية والدينية والسياسية والجغرافية يعيش اليوم حربا أهلية أطرافها ثلاثة وهي: ما تبقى من نظام عبد ربه منصور هادي وجماعة القاعدة والحوثيون.

وكما في كل الحروب الأهلية هناك لاعبون خارجيون يؤثرون في مسارها. فمن ناحية أقامت الاستخبارات الأمريكية علاقات عمل مع القوى الأمنية التابعة للحكومة لشن هجمات ضد تنظيم القاعدة بواسطة الطائرات من دون طيار، ولكن السياسة انهارت عندما تدهور الوضع الأمني بشكل كبير.

ومن جانب آخر، هناك اتهامات لإيران بتقديم الدعم للحوثيين على شكل أسلحة وتدريب وتمويل وهو ما أسهم في صعود الطرف الحوثي في اليمن. والآن دخلت السعودية على معادلة اليمن، حيث تداعت مع عدد من الدول منها الإمارات العربية والبحرين والمغرب والأردن لتقديم الدعم للحكومة الشرعية.

ويرى هاس أن هذا التدخل العسكري الذي تقوده السعودية سيكون أقرب إلى حالة تقليدية: عمل قليل ومتأخر، حيث لن تؤدي الغارات الجوية وحدها إلى استرجاع الأراضي الواقعة الآن تحت سيطرة الحوثيين أو القاعدة.

و لكن التحرك العسكري يعكس، كما يقول، اعترافا من السعودية ودول الإقليم أن دولة فاشلة في اليمن أو حكومة تسيطر عليها جماعة متحالفة مع إيران ستكون تهديدا مباشرا لمصالح السعودية والدول السنية.

وبالتأكيد سيقوي وجودها الرواية الإيرانية عن الزحف الإيراني على الدول السنية. كل هذا يعني أن اليمن أصبح آخر نقطة للصراع الإقليمي بين السعودية وإيران وبالضرورة الصراع السني – الشيعي.

و يشير الكاتب إلى ميدان آخر للصراع السعودي – الإيراني وهو البحرين، حيث قامت السعودية قبل 4 أعوام بحشد ألفي جندي وقمعت الانتفاضة في العاصمة المنامة. ولكن لا مقارنة بين الحالة البحرينية واليمنية، لا من ناحية الحجم أو الموقع. كما أن الحكومة في البحرين لم تفقد السيطرة على الوضع كما في الحالة اليمنية. وظل الأمر مقتصرا فيها على الاحتجاج لا الحرب الأهلية التي يعيشها اليمن.

و لهذا يقول الكاتب إن المهمة السعودية في اليمن ستكون أضخم، فإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد تحتاج مئات الآلاف من الجنود. وهناك قيود أخرى على العملية السعودية في اليمن. فليس لدى السعودية قوات برية قادرة على خوض معارك.

ويعني توغل السعوديين في اليمن تورطهم في مناطق لا يعرفون تضاريسها كما يعرفها الحوثيون. ولهذا ويجب على الرياض التفكير مليا قبل شن غزو بري، وعدم نسيان الجبهة الداخلية. وعليها أن لا تنسى الجبهة السورية حيث تلقى حكومة الأقلية العلوية التي يتزعمها بشار الأسد دعما من تحالف إيراني – روسي. وهناك العراق الذي تقوم فيه قوات الحكومة مدعومة بقوات الحشد الشعبي وهي الميليشيات الشيعية بمحاولة استعادة مدينة تكريت من تنظيم الدولة.

و يقول إن الولايات المتحدة لم تقدم الغطاء الجوي عندما قادت إيران والميليشيات الشيعية الحملة في قلب مدينة سنية. فالسنة ومعهم الأكراد لن يقبلوا بلدا تهيمن عليه إيران. كل هذا يؤكد رأي الكاتب عن حرب الـ30 عاما التي شهدتها أوروبا في القرن السابع عشر، حيث كانت الحروب تنتهي بطريقة أو بأخرى.

فقد كان يقوم طرف بفرض النظام أو يتوصل طرفان لتسوية أو تتفق عدة أطراف على حل بسبب الإجهاد. وفي الوقت الحالي لا توجد سيناريوهات كهذه للشرق الأوسط. فالمشهد الحالي خاصة في اليمن مرشح للتوسع.

و يظل التدخل السعودي في اليمن مدعاة للخوف من توسع الحرب، حيث نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن جون جون جينكز، السفير البريطاني السابق في الرياض والمدير التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية والشرق الأوسط قوله: "أرى طريقا نحو التصعيد، خصوصا وأن المسار السياسي ليس واضحا"، وأضاف: "لا نعرف إلى أين سينتهي هذا".

و تقول صحيفة "الغارديان" إن الإيرانيين فوجئوا بالتحرك السعودي. فقد ظلت طهران ترى في التمرد الحوثي نزاعا قليل الكلفة يؤثر في السعودية ويضغط عليها. ولكن اليمن سيدخل ضمن الدول العربية التي تعيش حالة الصراع بين الدولتين.

وبعيدا عن المخاوف من الحملة، فالتحرك السعودي يعبر، كما يقول نواف عبيد الأستاذ الزائر والمحاضر في مركز بلفر للعلوم والعلاقات الدولية في جامعة هارفارد، عن التغيرات التي شهدتها المملكة العربية السعودية، مما يشير إلى تحول كبير في سياسة المملكة الخارجية وستكون له تداعيات جغرافية سياسية.

وباتت الرياض تعتمد على فريق شاب وديناميكي من العائلة المالكة والتكنوقراط لتطوير عقيدة جديدة للسياسة الخارجية تتعامل مع النزاعات الطويلة في المنطقة.

ويشير الكاتب إلى تخلي أمريكا في عهد إدارة أوباما عن مسؤولياتها التاريخية في المنطقة، وبالتالي عن هيبتها في الشرق الأوسط، كان لا بد للسعوديين من التصرف بحزم أكبر.

وبناء على مسؤولية قائمة على قاعدة المملكة الدينية المحافظة وإرثها العربي القبلي الفريد، وقرنت المملكة هذا بـ150 مليار دولار من النفقات العسكرية لتطوير الإمكانيات لمواجهة العدو في جبهتين في آن واحد دون الحاجة للاعتماد على المساعدات الأجنبية في حماية البلاد.

و يرى الكاتب أن العقيدة الجديدة تعيد السعودية إلى حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي عندما انخرط السعوديون في حل مشاكل المنطقة وعملوا على وقف الحرب الأهلية في لبنان، فبعد 15 عاما من الحرب تم التوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989. و يتوقع أن تدفع السعودية لاتفاقات شاملة كحلول للفوضى التي تعم سوريا وبؤر الصراع الأخرى في المنطقة.

ويرى الكاتب أن الملفات التي تواجه القيادة السعودية نابعة من إيران وسياساتها التوسعية في اليمن وسوريا والعراق ولبنان.

ويعرف السعوديون وحلفاؤهم السنة أنه لا يمكن منع طموحات إيران التوسعية إلا بوجود كتلة موحدة من الدول التي تفكر بنفس الأسلوب ولذلك بدأ السعوديون في التواصل مع الدول السنية الرئيسية ومنها تركيا ومصر وباكستان لبدء عملية المصالحة المعقدة.

ورغم صعوبة الملفات إلا أن الكاتب يتحدث عن بوادر عهد جديد في الشرق الأوسط فإيران بالرغم من التصريحات القوية لقادتها إلا أنها تعاني من ضغط العقوبات الأممية وهبوط أسعار النفط والتي قد تؤثر على استقرار الدولة الإيرانية.

 

مجلة ( العصر)