مغربيات صنعن التاريخ: لالة فاطمة زوجة السلطان محمد بن عبد الله

مغربيات صنعن التاريخ: لالة فاطمة زوجة السلطان محمد بن عبد الله

هذه سلسلة من الكتابات التاريخية بصيغة المؤنث لمغربيات صنعن التاريخ، وبصمن مشوارهن من خلال عملية البحث والتنقيب وقراءة الوثائق التاريخية عبر أغلب مجالات الجغرافيا، وإعادة تشكيلها بقلم الأستاذ الباحث مصطفى حمزة، الذي أغنى الخزانة المغربية بإصداراته المهمة، والتي تناول فيها مسار شخصيات كان لها الحضور القوي على مستوى التاريخ الجهوي والوطني.

ولتقريب القراء من هذا النبش والبحث المضني، اختارت "أنفاس بريس" عينة من النساء المغربيات (25 شخصية نسائية) اللواتي سطرن ملاحم وبطولات وتبوؤهن لمراكز القرار والتأثير فيها فقهيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا.

- لالة فاطمة زوجة السلطان محمد بن عبد الله: امرأة متيمة بالتبرك بأولياء الله

لم يخطر ببال لآلة فاطمة، زوجة السلطان محمد بن عبد الله، وابنة عمه، وهي التي كانت «ذات شخصية قوية النفوذ بين نساء محمد الثالث»، يقول مؤلف كتاب "المغرب عبر التاريخ"، والمعروفة برزانتها واكتساب ثقة زوجها، حسب "جورج هوست"، والمتيمة بالتبرك بأولياء الله وزيارتهم وبذل الصدقات، كما يقدمها الناصري، لم يخطر ببالها أنها ستجرد في أخريات أيامها من أموالها وسترحل إلى مكناسة حيث توفيت بالغصة، كما يشير الضعيف في تاريخه.

فقد سجل التاريخ «لأم أبو الحسن علي، (الابن البكر للسلطان محمد بن عبد الله) والمأمون، وهشام، وعبد السلام»، حسب الناصري، مساهمتها إلى جانب السلطان في حل بعض القضايا السياسية.. إذ ساهمت في تمتين العلاقات الدبلوماسية ما بين المغرب وإسبانيا، وهو ما يترجمه خطابها: «إلى الأميرة ماريا لويسا، التي صارت فيما بعد زوجة كارلوس الرابع الإسباني، كجواب على طلب هذه الأخيرة بشأن الأسيرات المسيحيات»، يقول الأستاذ حركات إبراهيم.

ففاطمة بنت الأمير سليمان بن إسماعيل «ربة الدار العالية»، حسب صاحب الإعلام، و«المرأة الرزينة، ذات الذكاء الحاد وحسن التدبير...»، كما يصفها "جورج هوست"، اكتسبت ثقة زوجها بعدما أقنعت ابنها المأمون بعدم تجاوز أوامر والده.. فقد كان للأمير المأمون نديم يهودي يدعى موسى بن بيهي، جمع ثروة من بيع النبيذ إلى المسلمين وإلى المأمون نفسه، فأخبر السلطان بالأمر، فأمر باشا مراكش بحبس اليهودي، وعندما علم المأمون بذلك قصد الباشا وسدد مسدسا إلى صدره، فحرر اليهودي من سجنه، فلجأ إلى مكان مقدس، ولما علمت فاطمة بنت سليمان بما حدث، نبهت ابنها إلى عواقب تصرفاته، فأعاد اليهودي إلى حبسه، فاكتسبت بذلك ثقة زوجها السلطان، الذي كان يستشيرها في قضايا مهمة جدا، وكان يخاف عتابها ويقدرها كثيرا، يضيف "جورج هوست".

ويشير العديد من المؤرخين المغاربة، إلى أن المولاة فاطمة بنت سليمان، زوجة السلطان محمد بن عبد الله، كانت متيمة بالتبرك بأولياء الله وزيارتهم وبذل الصدقات.

ففي سنة 1179ھ، يقول الناصري: «قدمت ربة الدار العالية... من مراكش إلى فاس بقصد الزيارة.. فركبت ذات ليلة إلى ضريح المولى إدريس، وضريح الشيخ أبي الحسن علي بن حرزهم، وضريح الشيخ أبي عبد الله التاودي، فطافت عليهم وتبركت بتربهم وذبحت أكثر من مائة ثور، وأخرجت صدقات كثيرة، ثم خرجت بعد ذلك إلى مدينة صفرو فزارت ضريح سيدي أبي سرغين، وضريح سيدي أبي علي، وذبحت وتصدقت وعادت إلى فاس، ثم ذهبت إلى زيارة الشيخ عبد السلام بن مشيش، فصحبها في ركابها أعيان فاس وأشرافها وعلماؤها، ولما كانت بأثناء الطريق اعترضها قواد الغرب بهداياهم وبشاراتهم وزيهم، ووفاها قواد الثغور بضريح الشيخ عبد السلام في مواكبهم وخيلهم ورجلهم، وذلك عن أمر من السلطان».

ولما قضت المولاة فاطمة أرب الزيارة، يضيف الناصري، فرقت الأموال على الأشراف من أهل جبل العلم، وغمرت الناس بالعطايا... وكان فعلها هذا من الآثار العظيمة والمناقب الفخيمة.

لا نعرف بالضبط سر هذه العلاقة التي كانت تربط «ربة الدار العالية»، كما يشير إلى ذلك العباس بن إبراهيم، بأولياء الله، ولا سر مساهمة السلطان محمد بن عبد الله فيها كما يؤكد ذلك الناصري.

وبالرجوع إلى السياق التاريخي لهذه الزيارات، والثقافة التي كانت سائدة آنذاك، كما يترجمها أحد العلماء الموسوعيين، الحاج التهامي الحمري، نستشف سر العلاقة التي كانت تربط أم المأمون بأولياء الله، كما نستشف سر مساهمة السلطان فيها، فـ «كرامة أولياء الله لا تنقطع بموتهم»، يقول الحاج التهامي الحمري، وقول صاحب المدخل «... مازال الناس من العلماء والأكابر مشرقا ومغربا يتبركون بزيارة قبورهم ويجدون بركة ذلك حسا ومعنى...»، يضيف صاحب الخل المواطي.

لا يعرف بالضبط سبب قسوة السلطان محمد بن عبد الله على سيدة القصر الأولى الشريفة فاطمة بنت سليمان في أخريات أيامها، فقد رحلها من «مراكش بحيلة على أنها تذهب للشرق، فتشفع فيها أهل مراكش، فأبا واعتذر بأنه أراد أن تتبرك ببيت الله الحرام، فلما حملت ما عندها وخرجت احتوى على ما عندها وبعثها لمكناسة وبها توفيت بالغصة»، يقول الضعيف.

ويوم وفاة الشريفة، ألم بالسلطان كرب عظيم... فقد استحضر خصالها الحميدة... واستحضر سبب قسوته عليها...، فالطموحات السياسية لسيدات القصور، والدسائس التي توظف لتحقيقها، كثيرا ما تفسد للود قضاياه.