بخلاف الاعتقاد السائد بخصوص العلاقات المغربية الفرنسية من كونها تتوتر كلما صعد اليسار إلى السلطة، فالتوتر لا يتصاعد فقط حين يعتلي اليسار هناك سدة الحكم، بمعنى أن المنحنى البياني لا يرتهن بمنسوب الشحن الإيديولوجي بين طبيعة نظام البلدين. بل إن التوتر يظل ملازما لهذه العلاقات، سواء حل هناك اليسار أو اليمين بفرنسا بسبب ما يمكن اعتباره عقدة تاريخية بين بلدين: واحد مستعمِر لا يزال حكامه مسكونين بمركب الهيمنة والتبعية رغم انتهاء زمن الاستعمار القديم، وثان يسعى إلى تأسيس خطوه الخاص بما يضبط مخاضاته الداخلية، وتأثيرات نخب اليمين واليسار داخله، دون القدرة على حسم تردده إزاء نزوع هيمنة الآخر.
يقول المغاربة كناية عن العوج الأصلي «من الخيمة خرج مايل»، وهو ما ينطبق بالضبط على تحليلنا لواقع العلاقات المغربية والفرنسية. والأصل هنا تاريخي، إذ يعود إلى سنة 1955، تاريخ إقرار استقلال المغرب عقب اجتماعات «إيكس ليبان» التي لم تكن مؤتمرا حقيقيا، كما يسجل ذلك بعض من عايشوا وأرخوا لتلك الحقبة، لكنه كان لقاءات منفصلة بين كل طرف من أطراف الوفد المغربي غير المتجانس (وطنيون وباشوات وقواد)، وممثلي السلطات الفرنسية. وقد أفضت هذه الاجتماعات إلى خلاصة مركزية تفيد بأن لا حل للأزمة يومها سوى بعودة الشرعية، وإقرار استقلال المغرب. فهذه الخلاصة كانت بالنسبة إلى الطرف الفرنسي الشر الذي لا بد منه، في حين كانت بالنسبة إلى الأطراف المغربية الحل المثالي، دون أن يمنع ذلك من أن تظل تيارات فرنسية تحن إلى زمن المستعمرات في ظل معطف دوغول الذي كان مهووسا بضرورة التفرغ إلى حل الأزمة الجزائرية، مخافة أن تضيع منه «فرنسا ما وراء البحار». ولذلك ظل التجاذب المتوتر مهيمنا على العلاقات الثنائية طيلة العقد الأول من الاستقلال إلى أن جاءت قضية اختطاف المهدي بنبركة عام 1965 لتبرز بالملموس هشاشة هذه العلاقات.
ونتذكر بهذا الخصوص كيف أن الدولتين المغربية والفرنسية لم تتوفقا في إيجاد مخرج للأزمة المستعرة بينهما. فرنسا دوغول ومغرب الحسن الثاني وجدا نفسيهما في ورطة زاد من غموضها عجزهما معا عن إيجاد تدبير مشترك. بل إن الحادث قد حول الأمر إلى صراع شخصي بين قائدي البلدين، وليس فقط صراعا سياسيا. وقد انعكس كل ذلك على مستويات التعاون الاقتصادي بين البلدين دام تجميده سنتين (بالضبط من 1967 إلى 1969). وظلت العلاقات فاترة عقب وفاة دوغول، وطيلة الحقبة القصيرة للرئيس جورج بومبيدو، لا فقط لأن الأمر يتعلق بفترة انتقالية عقبت أحداث 1968 وتنحي الزعيم التاريخي، ولكن لأن بوصلة القرار المركزي لم تكن تستقر على موقف حاسم.
في سنة 1974، أفرزت الرئاسيات الفرنسية صعود يميني آخر، فاليري جيسكار ديستان، الذي تزامن مع اندلاع مشكل الصحراء. هذا التغير في أعلى هرم السلطة بفرنسا لم يخفف من آثار التوتر والبرود، في الوقت الذي كان المغرب يبحث عن مؤازر دولي من عيار فرنسا التي كانت ترسي توازناتها المصلحية مخافة أن تفقد جزائر بومدين. ولذلك وجد المغرب نفسه مدججا بالحق الشرعي في صحرائه دون سند فرنسي واضح.
وتعمقت المشاكل أكثر مع صعود اليسار إلى قصر الإليزي بدءا من سنة 1981. ففي حين صفق اليساريون المغاربة لصعود فرانسوا ميتران نكاية في نظام خصمهم التاريخي الحسن الثاني، وتعبيرا عن الطموح في أن هذا الصعود قد يرفع درجات الضغط على المغرب من أجل مكتبسات ديمقراطية حقيقية، ضيق الخناق على النظام المغربي. وتماما كما كان منتظرا فقد انبرت دانيال (زوجة الرئيس ميتران) إلى اتخاذ موقف معاد وصريح للمغرب بخصوص ملف الصحراء، وإلى الطرح الشخصي لملف المعتقلين السياسيين المغاربة آنذاك. وبموازاة مع ذلك، صب جيل بيرو الزيت على النار بإصدار كتاب «صديقنا الملك»، سنة واحدة بعد التتويج الرئاسي الثاني لميتران. الأمر الذي حوله الحسن الثاني إلى مسألة شخصية ووطنيه جعلت المغرب الرسمي كما لو كان في حرب حقيقية مع فرنسا ميتران. ولذلك لم يرتح الحسن الثاني إلا مع وصول رونالد ريغان إلى البيت الأبيض، حيث سعى الوافد الأمريكي الجديد، خلال فترة ولايته (1981 - 1989)، إلى تطوير العلاقات بين البلدين، لا حبا في عيون المغاربة، ولكن في إقامة نوع من التوازن الجيو ستراتيجي في الحوض المتوسطي، خاصة مع بروز موجة يسارية إسبانية معادية للقواعد العسكرية الأمريكية بإسبانيا، وهو ما ضخ الكثير من الأنفاس في رئة المغرب الخارجية.
ولم تهدأ أنفاس الملك الراحل تماما إلا حين انهزم اليسارالفرنسي بصعود جاك شيراك (1995)، وبعودة اليمين إلى الحكم. ومع ذلك فهذا الهدوء لم يجن منه المغاربة سوى تعميق ما هو شخصي (بين شيراك والحسن الثاني) في العلاقات البينية. أما على صعيد المكتسبات الموضوعية بالنسبة للمغرب فقد ظل الأمر في المستوى العادي، مع فارق بسيط يتجلى في انخفاض مستوى التوتر العلني بين البلدين.
في سنة 2007 يواصل اليمين الفرنسي إقامته في قصر الإليزي بعد الانتخابات التي بوأت رئاسة نيكولا ساركوزي الذي اختار، في يوليوز من نفس السنة، زيارة الجزائر ضمن أول سفر له إلى بلدان شمال إفريقيا في حين لم يزر المغرب إلا في أكتوبر، ليعود مرة ثانية إلى الجزائر في دجنبر التالي. وهو الأمر الذي أثار حفيظة المغاربة الذين يرون أن التراث الديغولي مستمر في لعبة الالتباس، وفي تبديد فكرة أن ما يعتبر المشترك اليميني بين المغرب وفرنسا هو مجرد وهم لأن ما يضبط السياسة هي المصالح، وليست الإيديولوجيا.
يستمر جدل اليسار واليمين هناك دون أن تحدث خلخلة للتوتر في ما صار من حكم الثابت في العلاقات بين البلدين.
فبعد حكم ساركوزي على امتداد ولايتين (من 2007 إلى 2012)، يلج الاشتراكي فرانسوا هولاند قصر الإليزي بعد أن سرى نوع من الانطباع القدري بأن التغيير في سدة الحكم الفرنسي لا يعني تغيرا أوتوماتيكيا في مستوى العلاقات، مع فارق جوهري يفيد أن فترة هولاند تميزت بتبخر خرافة دفاع وزراء حكومة هولاند ذوي الأصل المغربي الذين لم يلعبوا أي دور في تجسير العلاقة بين البلدين (عكس ما كانت تقوم به رشيدة داتي في حكومة ساركوزي)، في حين تمكن الفرنسيون ذوو الأصل الجزائري المؤثثين لبلاط فرانسواهولاند من توجيه بوصلة هذا الأخير نحو الجزائر نكاية من جديد في المغرب، بل وشهدت العلاقة بين باريس والرباط، في عهد هولاند، أسوء المنحدرات في العلاقات الثنائية، سواء على مستوى تعقد الملفات الكبرى، أو على المستوى الذي أصبح إهانات شخصية تجاه المسؤولين السامين المغاربة، خاصة واقعة تنقل رجال الأمن الفرنسي، في فبراير 2014، إلى مقر السفارة المغربية بباريس بدون احترام الأعراف الديبلوماسية والمساطر المتبعة في مثل هذه الحالات لإبلاغ استدعاء إلى عبد اللطيف حموشي (مدير مديرية مراقبة التراب الوطني) للتحقيق معه بدعوى تورطه المزعوم في «تعذيب» أشخاص مغاربة، وواقعة «بهدلة» وزير الخارجية والتعاون صلاح الدين مزوار الذي أخضعته سلطات مطار شارل دوغول إلى التفتيش المهين في مارس من السنة نفسها رغم أنه يمثل المغرب. الأمر الذي أجج سعير التوتر وأفضى في ما بعد إلى وقف التعاون القضائي بين البلدين.
نخلص من هذا الجرد إلى تسجيل ثلاث ملاحظات:
ـ الأولى: تفيد أن العلاقات بين المغرب وفرنسا لا تحكمها بالضرورة نزوعات الاعتبار الإديولوجي أو صعود اليمين أو اليسار هناك، ولكن الأمر يتعلق أولا وأخيرا بهاجس الدفاع عن مصالح الشركات الفرنسية والتقيد ببوصلة المصالح، وبالبراغاماتية الخالصة التي تجعل السياسة فن الممكن المصلحي بامتياز.
ـ الثانية: لقد حافظت فرنسا على المسافة في العلاقات مع الجزائر والمغرب على حد سواء، بحفاظها على موقف اللعب من الصراعات بين الجارين واستغلال التوتر المفتعل حول موضوع الصحراء للرقص على الحبال في علاقة باريس مع الرباط والجزائر، علما بأن فرنسا (المستعمر السابق) تعي جيدا أن حدود المغرب كانت تمتد إلى وهران شرقا وإلى نهر السينغال جنوبا قبل أن تنقض القوى الاستعمارية عليه وتقضم ترابه وتنتهك سيادته. ومما زاد الوضع التباسا أن وضع فرنسا كقوة عظمى صاحبة حق النقض داخل مجلس الأمن يجعلها تلعب بورقة الصحراء لإطالة «وصايتها» على المغرب.
ـ أما الخلاصة الثالثة فتفيد أن المغرب مطالب بأن يعي بأن المصالح هي التي تحكم العلاقات، وليست الأفكار والعواطف والعناق والقبل. وفي هذا الإطار فهو مدعو إلى تعميق مساره الديمقراطي، وإلى تفعيل حقيقي لمقتضيات الدستور، وإلى إقرار آليات محاربة الفساد ومحاربة اقتصاد الريع وإقرار العدالة الاجتماعية.
إن ذلك هو السبيل إلى إخراج فرنسا من دائرتها المتعالية والمترددة تجاه المغرب، خاصة أننا نسجل تفوقا للمغرب على الجار الجزائري (كوريا الشمالية الإفريقية) القابع مجمدا في جبة «الثورة» منذ بداية الستينيات، وعاجزا عن التفاعل الإيجابي مع نداءات التغيير، مستمرا في وضع مقعد ورهينة بيد «جثة» في قصر المرادية، غير معني بالتفاعل مع متطلبات الشعب الجزائري إقليميا وعربيا ودوليا.
كل هذه الخلاصات تتفاعل مع معطى مغربي خالص يفيد أن هذا التراوح الحاصل في العلاقات البينية بين اليسار واليمين يعكس تراوحا في النخبة المغربية النافذة في صنع القرار الاقتصادي والمالي والإعلامي والاجتماعي والتربوي، بما يخدم مصالح فرنسا بالمغرب في حالة التوتر والهدوء على حساب مصالح 30 مليون مغربي.
في هذا الإطار تتمتع فرنسا بالموارد الرمزية الهائلة للنخبة التقنية المقررة في المجالات الرسمية المتعلقة بتوجهات التخطيط والاقتصاد والإعلام الذين يعتبرون فرنسا المرجع، بل ويعتبرونها «الالاه المقدس» (لنستحضرمثلا فضيحة رشيد بلمختار وزير التعليم الذي مجد لغة فرنسا ودنس العربية لغة المغاربة ولغة أهل الجنة)، وهؤلاء(أي مناضلو حزب فرنسا بالمغرب!) يزدهرون في حالات الارتخاء والانسياب في العلاقات بين الدولتين، مثلما تتمتع فرنسا أيضا بالخيرات الرمزية لنخبة اليسارالمغربي التي (أي النخبة اليسارية المغربية المفرنسة) ترى في انتصار نظيرتها في فرنسا انتصارا ذاتيا بحكم أنها مازالت مسكونة بهواجس سنوات الرصاص وصراعها مع الحسن الثاني، ناسية (أو متناسية) أن من كان يخاصم الحسن الثاني فالحسن الثاني قد مات، ومن كان يعشق المغرب فالمغرب باق إلى أن يقضي الله أمرا كان مقضيا.
السؤال الذي نطرحه في هذا السياق يروم نقد هذه العلاقات بما يجعل الجنوح المغربي نحو بناء علاقات متوازنة مع فرنسا (أو غيرها من القوى العظمى) انتصارا لمغرب التحول، لا لحزب فرنسا بالمغرب: سواء الذي تجسده النخبة التقنية المهووسة بجشع الرأسمال، أو النخبة اليسارية الباحثة عن حليف إيديولوجي لتصفية حسابها مع النظام بأي ثمن، أو النخبة الإعلامية التي استلهمت نموذج «المحميين».
هذا هو طموحنا سواء سكن الإليزي مسؤول يميني، أو يساري، أو يميني متطرف كما تهددنا بذلك فرنسا اليوم.
ستيفان لوفول، وزير الفلاحة والناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية
العلاقة مع المغرب ذات أهمية بالغة في مكافحة الإرهاب
بالنسبة لستيفان لوفول، وزير الفلاحة والناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية، فالأهم هو تجاوز الجدالات لمعرفة هل تتوتر العلاقة مع المغرب كلما صعد اليمين أو اليسار، بقدر ما ينبغي في نظره التوجه لبناء المستقبل بشكل ثنائي. المسؤول الفرنسي، الذي التقى «الوطن الآن» في مكتبه بباريز، استند إلى مرتكزين بخصوص تفاؤله: التعاون في المجال الأمني وتقوية الشراكة الفلاحية مع المغرب
- «الوطن الآن»: كلما تولى اليسار الحكم في فرنسا كلما توترت العلاقة بين فرنسا والمغرب. ما هو رأيك؟
+ ستيفان لو فول: أعتقد المغرب العربي رهان كبير بالنسبة لفرنسا، كما أن المغرب تربطه علاقة قوية وقديمة مع فرنسا.
وبعيدا عما يمكن أن يكون قد قيل من كلام والتعليقات التي يمكن أن يكون قد أدلي بها، هناك استمرارية في العمل الدبلوماسي لفرنسا.
علينا أن نتجاوز هذه الجدالات التي لا أهمية لها، وأن نفكر، على وجه الخصوص، في تمتين علاقتنا، التي تعكسها مشاركة مزدوجي الجنسية في الحياة العامة لبلادنا. إذن، فالرابط الذي يوحدنا يتجاوزعمليات التناوب السياسي.
- الوطن الآن: لكن لما زال التوتر، تم تسليط كشافات الضوء على الجوانب القضائية والأمنية فقط في العلاقات بين المغرب وفرنسا، في حين تراجعت جوانب أخرى إلى الدرجة 3 أو 4. هل التحدي الذي تعرفه فرنسا وأوروبا حاليا هو الذي فرض هذا الأمر أم أن هناك تفسيرات أخرى؟
+ ستيفان لو فول: اليوم، تكتسي مكافحة الإرهاب أولوية بشكل تدفع جوانب أخرى من التعاون إلى الخلفية. وقد اتخذت هذه الأولوية صبغة خاصة بعد الأحداث المأساوية، في بداية هذا العام (الاعتداء على مقر صحيفة شارلي إيبدو - المحرر). أفكر بصفة خاصة في الأحداث التي عرفتها فرنسا والدنمارك، وأفكر أكثر في القتل وقطع رؤوس 21 مصريا في الآونة الأخيرة.. إن العلاقات مع المغرب ذات أهمية بالغة في هذه المعركة، وتحديدا بخصوص الاستخبارات.
خارج هذا التحدي، هناك، ومن أجل المستقبل، تحديات ذات أهمية للزراعة التغذية في حوض البحر الأبيض المتوسط. فالحوض المتوسطي الكبير فضاء مهم: من الناحية الديموغرافية، من الناحية الغذائية، من الناحية الفلاحية. ولهذا السبب، انخرطت منذ تعييني في شراكات اقتصادية، مثل تنمية الشعب الحيوانية، تكوين البياطرة، أو المساعدة التقنية في إطار مخطط المغرب الأخضر. ولكي ننجح، يجب علينا أن نضع في اعتبارنا أن التنمية الفلاحية تساهم في استقرار المنطقة الجغرافية كلها ..
- الوطن الآن: هناك بعض المراقبين يتساءلون كيف يمكن بناء تعاون صحي ومتين بحوض البحر المتوسط، علما أن دول هذا الحوض تنتج نفس المنتجات الفلاحية؟
+ ستيفان لو فول: أولا، الحوض المتوسطي يعرف نموا ديموغرافيا كبيرة للغاية. والطلب على المنتجات الزراعية الأساسية كبير. فضلا عن ذلك فالضفة الجنوبية للمتوسط معروف عنها بكونها مستوردة للحبوب. وهذا شرط من شروط الأمن الغذائي بالنسبة لهذه البلدان. وعلينا أن نستحضر أن الثورات العربية، وخاصة في تونس، بدأت مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وهذه هي السيرورة نفسها التي عرفتها أيضا أوروبا تاريخيا. فالثورات الكبرى كانت مسبوقة بالزيادات في أسعار المواد الغذائية الأساسية.
- الوطن الآن: لكن الرهان، ليس اقتصاديا فقط، بل سياسيا أيضا..
+ ستيفان لو فول: طبعا، وهذا ما أؤمن به بشكل عميق. من الضروري أن نجد دينامية اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار التحدي الديموغرافي. علينا أن نكون قادرين على تأمين إمكانية الحصول على الغذاء، لأنه شرط للاستقرار السياسي العام من جهة، وشرط للتنمية الاقتصادية والتشغيل من جهة ثانية. هذه قناعتي، فالاتفاقيات التي أبرمناها، وخاصة في مجال التعليم والبحث، تعتبر حاسمة. إنني أشعر بالرضا عندما أرى أن ندوة البحث الزراعي فرنسا والمغرب العربي المنعقدة بتونس تمكنت من جمع الدول الأربع (الجزائر، فرنسا، المغرب وتونس)، لأن هذا رهان للتعاون. هذه الندوة كانت حدثا كبيرا، يعزز استراتيجية وأولويات المركز الدولي للدراسات العليا في المجال الزراعي بالمتوسط (CIHEAM) الذي يعتبر حجر الزاوية في مجال الأبحاث والدراسات الزراعية في الحوض المتوسطي.
علاوة على ذلك، أنا فخور جدا بمبادرة «ميد أمين» (Mediterranean Agricultural Market Information Network) التي قام بها المركز الدولي للدراسات العليا في المجال الزراعي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو). ويهدف برنامج «ميد أمين» إلى تعزيز التعاون وتبادل تجارب معلومات الدول حول الأسواق الزراعية. وتضع هذه الشبكة على رأس أجندتها في البداية للحبوب، أي الانتاج الاستراتيجي للأمن الغذائي في بلدان البحر الأبيض المتوسط.
ومنذ وصولي إلى هذا المنصب، جعلت هذا الخيار حاسم بالنسبة لفرنسا، وبالنسبة لأوروبا، وبأن نحافظ على علاقتنا مع المغرب العربي، ومع المغرب بطريقة أكثر تميزا.
وقد شجعنا أصدقاءنا الأتراك بأن يدمجوا أثناء قمة مجموعة20 بتركيا محور خاص لقضايا الزراعية والغذائية.
- الوطن الآن: أصبح المغرب منصة (HUB) جوية ومالية نحو إفريقيا، ومؤخرا أصبح منصة في مجال التعليم العالي. بعد فتح فرع المدرسة المركزية الفرنسية في الدار البيضاء وافتتاح فرع معهد INSA في فاس، غير أننا حتى الآن لا نتحدث عن إحداث منصة فلاحية (HUB). ما هي المعوقات التي تحول دون الاستثمار المشترك بين فرنسا والمغرب في هذا المجال؟
+ ستيفان لو فول: من الآن فصاعدا، علينا أن ننظر إلى أفريقيا كقارة نامية ستكون لها احتياجات مهمة للغاية فيما يتعلق بالغذاء، وأفكر لاسيما في غرب أفريقيا.
وتعتبر بلدان شمال أفريقيا، وخاصة المغرب، بالفعل مراكز ومنصات يمكن انطلاقا منها أن تتوفر على محطات للذهاب إلى الدول الكبرى بالساحل وجنوب الصحراء، وليس الدول الفرانكفونية فقط. أفكر خصوصا في نيجيريا.
أنا شخصيا مع استراتيجية مشتركة للتنمية بين فرنسا والمغرب وبلدان غرب أفريقيا، تتجاوز الأسئلة البسيطة التي يطرحها التبادل التجاري للمواد الزراعية.
هذا هو المعنى الذي يندرج في إطاره المشروع الذي انخرط زميلي وصديقي عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، والقاضي بإنشاء صندوق للتنمية الزراعية في أفريقيا جنوب الصحراء. ويسمح تعاوننا، وخاصة بالنسبة لفرنسا، بنشر مشروعها حول الزراعة الإيكولوجية، والاستجابة للتحدي الغذائي والتحدي المناخي.
- «الوطن الآن»: ما هي ضمانة تحقيق هذه الرؤية، إذا استحضرنا العراقيل التي يضعها الاتحاد الأوروبي أمام المنتجات القادمة من المغرب؟
+ ستيفان لو فول: تم التوقيع على اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وأوروبا. ونحن نقوم بتثبيتها الآن. قضينا بضعة أشهر نتناقش حول التأويل السليم للاتفاقية، وخاصة حول سعر الولوج إلى السوق الأوروبية. الأمر جاهز الآن للتنفيذ. وقد تحدثت مع زميلي السيد أخنوش حول هذا الموضوع في مكناس. وأعتقد حقا أن الأمور بدأت تتم تسويتها. أنشأنا لجنة مشتركة فرنسية مغربية، وخاصة على مستوى قضية البواكر والحوامض لمناقشتها بين المهنيين.
- «الوطن الآن»: شدد الائتلاف ضد الإسلاموفوبيا في تقريره الأخير على التباين بين الخطابات الرسمية والواقع. ويعاتب الفرنسيون المعتنقون للدين الإسلامي السلطات العمومية على عدم التعامل معهم كاليهود الفرنسيين فيما يتعلق بمسألة توفير الحماية.
+ ستيفان لو فول: هذا نقاش حساس. هناك فرنسيون مسلمون، فرنسيون مسيحيون، وفرنسيون يهود. كل واحد له الحق في أن يؤمن أو لا يؤمن. ولكن يتوجب على الجمهورية حماية جميع مواطنيها.
هكذا قررت الحكومة، بعد أحداث 11 يناير، أن تحمي جميع الأماكن الحساسة، والمساجد كما المعابد اليهودية. فعندما تم الاعتداء على مسجد «لومان» بإقليم «سارت»، توجهت إلى عين المكان. وأنا أؤكد، وأكرر التأكيد، بأن الحكومة تحمي وستحمي جميع المواطنين، بصرف النظر عن عقيدتهم.
المحامي الفرنسي ريبيكي: علينا أن لا نعطي الدروس للمغرب بل علينا تعلم الدرس من المغرب
خصصت قناة «كنال بلوس» الفرنسية يوم الأحد 1 مارس 2015 – في شخص برنامجها «ملحق»(supplément) - حلقة خاصة بالعلاقات المغربية - الفرنسية التي عرفت عاما من الفتور بعد استدعاء القضاء الفرنسي لمدير مراقبة التراب الوطن عبد اللطيف الحموشي من طرف الأمن الفرنسي للتحقيق معه على خلفية اتهامات تزعم بتورطه في التعذيب، وهي المزاعم التي فندها محامي المغرب، إيف ريبيكي.
«هذا غير صحيح إطلاقا. لقد قدمت شكاوى تستنكر هذه الإفتراءات بفرنسا. لم يكن هناك أي تعذيب. السيد الحموشي لم يسبق له أن كان شريكا أو حتى محرضا على أي فعل تعذيب كيفما كان نوعه» يصرح إيف ريبيكي ل «كنال بلوس».
بالنسبة لريبيكي، هذه «الشكاوى بممارسة التعذيب» هي جزء من نهج مزدوج «محاولة لإعادة الحكم في قضايا جنائية تتعلق بالقانون العام» والتي تم الحكم فيها بالإدانة، ومحاولة «زعزعة استقرار أحد كبار الفاعلين في مكافحة الإرهاب».
كما دعا ريبيكي إلى الإطلاع على القانون الجنائي والنظام القضائي المغربي الذي اعتبره أكثر تقدما من نظيره الفرنسي. وأضاف «كما ترون ليس لدينا فقط دروس نقدمها بل أيضا دروس ينبغي أن نستفيد منها.»
من جهته حذر المحامي رالف بوسيي، من عدم وجود أية أدلة تتبث الإتهامات المعلن عنها من قبل القضاء الفرنسي. البرلماني الإشتراكي مالك بوطيح أشاد هو الآخر بالتطور الحاصل بالمغرب، حيث قال في بلاطو «كنال بلوس»: «المغرب عرف تقدما كبيرا»، مذكرا بما حصل خلال سنوات الرصاص، وأشار البرلماني الإشتراكي بأن المغرب «بلد تطور بشكل كبير لابد من مساعدته للذهاب بعيدا. .. «وقال أيضا» صراحة، المغرب بلد تطور بشكل إيجابي.»
وبالنسبة لرئيس معهد العالم العربي جاك لانغ، فالأمر يتعلق ب «سلوك غير مرغوب فيه من طرف قاضي كان مصدر نزاع قانوني - دبلوماسي» بين فرنسا والمغرب.
«شخصيا صدمت لموقف القاضي تجاه سفير المملكة المغربية» يصرح جاك لانغ. نفس الموقف دافع عنه الخبير في العلاقات الدولية قادر عبد الرحيم، حيث أشار إلى أن فرنسا والمغرب لهما «مصالح مشتركة ينبغي حمايتها وحماية مواطني البلدين» في مواجهة الإرهاب والتطرف.
وأضاف قائلا : «اليوم، نحن بحاجة الى قطب للإستقرار، والمغرب هو القادر على لعب هذا الدور. إنه أمر ضروري بالنسبة للمغاربيين وفرنسا» .