مغربيات صنعن التاريخ: لالة رقية زوجة السلطان مولاي الحسن

مغربيات صنعن التاريخ: لالة رقية زوجة السلطان مولاي الحسن

هذه سلسلة من الكتابات التاريخية بصيغة المؤنث لمغربيات صنعن التاريخ، وبصمن مشوارهن من خلال عملية البحث والتنقيب وقراءة الوثائق التاريخية عبر أغلب مجالات الجغرافيا، وإعادة تشكيلها بقلم الأستاذ الباحث مصطفى حمزة، الذي أغنى الخزانة المغربية بإصداراته المهمة، والتي تناول فيها مسار شخصيات كان لها الحضور القوي على مستوى التاريخ الجهوي والوطني.

ولتقريب القراء من هذا النبش والبحث المضني، اختارت "أنفاس بريس" عينة من النساء المغربيات (25 شخصية نسائية) اللواتي سطرن ملاحم وبطولات وتبوؤهن لمراكز القرار والتأثير فيها فقهيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا وعسكريا.

- لالة رقية زوجة السلطان مولاي الحسن: المرأة التي كانت وراء تعيين ابنها ملكا

يربط الكثير من المؤرخين خلافة المولى عبد العزيز لوالده السلطان الحسن الأول، بالحاجب باحماد، الذي كان «معروفا بطموحه الشديد، الذي لا يعرف الشبع أبدا، وكان على استعداد لفعل كل شيء لإرضاء رغباته، بحيث لم يكن يتكهن بحدود لمؤامرته، إذا ما أهمه أمر من الأمور»، كما يصفه  گابرييل فير، دون أن يستحضروا دورلآلة رقية  والدة المولى عبد العزيز في ذلك.

كانت لآلة رقية «الأمة العزيزة» كما كان يحلو للسلطان المولى الحسن أن يناديها «سيدة شركسية اشتهرت بقوة الجمال، وكان السلطان مولاي الحسن في السنوات الأولى من حياته، مغرما بها»، حسب گابرييل فير، وكانت «مفضلة عنده على سائر نسائه»، يضيف لويس أرنو.

لم تكن قوة الجمال هي السمة الوحيدة التي طبعت مسار لآلة رقية والدة مولاي عبد العزيز، «سويداء قلب الحسن الأول»، كما يصفه إدريس منو، بل ما عرفت به كذلك من رجاحة عقل وعفاف، توجهما ما عرفت به من سخاء وجود، مما جعلها «ذات حظوة ونفوذ عند مولاي الحسن...»، يقول صاحب كتاب في صحبة السلطان.

فقد استطاعت أم المولى عبد العزيز، بما كان لها من رجاحة عقل وعفاف، أن تثني المولى الحسن عن سجن قائد متوگة، «لقد كان مولاي الحسن يفكر في سجن قائد المنطقة الحاج مسعود الذي بدأت أهميته تتنامى بشكل بارز، وبوصولنا إلى دار القائد... فوجئنا، باستقبال كبير مدهش كثيرا، لقد كان مقامنا في هذه القصبة كله أفراح وحفلات لا تنسى، وعندما جاءت القبيلة بالهدية في اليوم الموالي، لاحظنا ضمن أشياء أخرى، صفا من الرجال مرتدين ثيابا بيضاء، مصطفين... يحملون على ظهورهم أكياسا ثقيلة من (الدوروات) بالإضافة إلى تقديمهم 10 أو 15 بغلة جيدة...، و25 إلى 30 فرس جميل وقوي، مزينين كلهم بالذهب والفضة... بالإضافة إلى الأثواب والزرابي... ثم تقدمت بعد ذلك عائلة المتوگي بهدية خاصة، حيث كنا نرى خيولا أكثر رشاقة، وأكياسا مليئة بالقطع الذهبية »، يقول سالم العبدي.

ورغم كل هذه الهدايا وقيمتها، فالقائد المتوگي لم يكن مطمئنا لجانب السلطاني، لأنه يعلم أن «من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالسلطان ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته...»، كما قال صاحب الخل المواطي.  

فلم يجد المتوگي بدا من البوح بإحساسه لبا حماد الذي كان يجامله، «الآن يمكن لي أن أموت أو أسجن لا يهم، إنها قمة السعادة عندما متعني الله بفرحة استقبال سيدنا بداري»، يقول سالم العبدي.

فأجاب الحاجب الداهية، «إن كلامك حلو كالعسل، فالسلطان يشكر لك تصرفك وكلامك الجميل قل لي الآن ما طلباتك؟» يضيف سالم العبدي.

وقبل أن يجيب القائد المتوگي، استحضر خصال لآلة رقية وحظوتها عند السلطان، فقال: «معروف صغير أوده منك، أن تطلب من السلطان موافقته بإمكان زيارة أهل بيتي لنساء السلطان وتقديم الهدايا»..

وعند مغيب الشمس، يضيف سالم العبدي، «شرعت نساء المتوگي في الذهاب عند نساء السلطان...، فجاءت الزائرات راجلات دون حراسة، ودون ثياب جميلة كما نجد عند "الشلوح" لكن كانت تحمل كل واحدة منهن على ظهرها، جلد جدي مذبوح محشو بالذهب، وهكذا دخلن عند المرأة المفضلة عند السلطان لآلة رقية...، التي استقبلهن بحفاوة، ثم وضعن هداياهن المقبولة...». 

لقد شكلت لآلة رقية بما عرف عنها من كرم وعفاف وحظوة عند السلطان، ملاذا للمتوگي وأهله  لأهل، فهرعوا إليها للتشفع لهم، فلم يخب مسعاهم، وهو ما يستشف من رواية سالم العبدي ل "لويس أرنو" «إن هذا المتوڭي، يقول الحسن الأول لحاجبه باحماد، لا يستحق أن يسجن...، أنظر كيف يستقبلنا...، وفي الحقيقة لا يجب اعتباره عدوا للمخزن بل دعامة له، فعلينا تركه في أمان، ونستقبل قبيلته دائما بارتياح أكبر، وعلينا نحن الآن أن نقوم بدورنا بحفلات كبيرة يحس بها المتوڭي أنه صديق لنا...». 

وعرفت لآلة رقية كذلك برأفتها بالسجناء، إذ يسجل التاريخ في عهدها «أن كل صدقات القصر التي تجود بها الأيدي من نساء القصر كانت توجه إلى السجون ليتعاون بها المسجونون، وكذلك الحال في طعام العقيقات وطعام الحناء وطعام تخريج سلكة القرآن، فتفيض بذلك الخيرات على المساجين فينة بعد فينة »، كما يؤكد ذلك محمد المختار السوسي. 

ورغم الاهتمام الذي حظي به الحاجب باحماد من طرف المؤرخين، وتأكيدهم على الدور الذي لعبه في تولية المولى عبد العزيز عرش المغرب خلفا للسلطان مولاي الحسن، فإن حضور لآلة رقية في تولية ابنها كان بارزا منذ البداية، بفضل ما كان لها من حظوة عند السلطان ونفوذ عليه، جعلاه يؤثر مولاي عبد العزيز بخلافته، ويفضله على سائر إخوانه.

استحضار السلطان الحسن الأول وهو في آخر لحظات احتضاره، لابنه المولى عبد العزيز، "سويداء القلب" هو ترجمة حقيقية لاستحضار لآلة رقية "الأمة العزيزة" ولقيم الجمال المدثر بخصال النبل والعفاف والجود والسخاء.