اعتبر الناقد السينمائي محمد كلاوي أن تفشي البعد التجاري في خضم تنامي وتيرة الإنتاج السينمائي المغربي منذ التسعينيات عمق الفجوة بين الحركة النقدية والخيارات الفنية لصناعة الفيلم.
وأوضح كلاوي، الذي كرمه المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، في افتتاح دورته السادسة عشر، أن الارتفاع المحمود الذي عرفته وتيرة الإنتاج السينمائي في المغرب منذ التسعينيات صاحبه ظهور شريحة من الأفلام ذات التوجه التجاري التي كرست العلاقة المتوترة بين النقاد وعدد من صناع السينما في البلاد.
وسجل الناقد أن السينمائيين عبر العالم عموما في علاقة متوترة مع النقاد، حيث تتكرر على ألسنة المخرجين كلمة دارجة "ما يهمني هو الجمهور"، حتى باتت تبدو كل مقاربة علمية لتقييم الأعمال السينمائية أشبه بنغمة "نشاز" في المشهد.
إنه عامل يفسر خفوت صوت النقد السينمائي في المغرب بعد المرحلة التأسيسية في السبعينيات والازدهار والنضج المعرفي في الثمانينات. وإلى ذلك تنضاف عوامل أخرى تضافرت لتفرز هذا الخفوت: انحسار دور الأندية السينمائية، مسلسل اندثار القاعات كفضاء للمشاهدة الجماعية، ثم تراجع مساحات اهتمام الإعلام بالسينما كقطاع فني قائم الذات.
واستعاد الرئيس السابق للجمعية المغربية لنقاد السينما مرحلة السبعينيات من القرن الماضي، ليرسم وجها مغايرا للعلاقة بين النقد والممارسة السينمائية. حيث دكر أن جل المخرجين كانوا من أبناء الأندية السينمائية، يتأثرون بالأقلام النقدية ويحاولون الإنصات إلى ملاحظات الناقد واقتراحاته الجمالية والفنية، لذلك جاءت جل منجزات ذلك الجيل مطبوعة بعمق فكري متميز. وبعد الطفرة الإنتاجية في التسعينيات "بدأنا نسمع مخرجا يقول إن الناقد لا يهمه. ومن الضروري أن يفهم أن النقاد هم الذين يخلدون الأفلام".
وفي غياب مدارس ومعاهد متخصصة، يقول محمد كلاوي، إن النقد السينمائي بالمغرب ولد في حضن الجامعة الوطنية للأندية السينمائية خلال السبعينيات، تحت رئاسة نور الدين الصايل. وعرف النقد ازدهارا كبيرا لعدة عوامل من أهمها: وفرة الأندية السينمائية التي وصل عددها إلى ألف ناد، ساهمت في النهوض بالثقافة السينمائية، فضلا عن توطن طقوس المشاهدة الجماعية في القاعات.
لكن ماذا عن البعد الإيديولوجي الذي طبع التوجهات النقدية لتلك المرحلة؟ يرى محمد كلاوي أنه من الطبيعي أن تمتزج الممارسة النقدية آنذاك بالتوجه الأيديولوجي اليساري المتأثر بالثقافة الغربية الفرنسية خصوصا من خلال مرجعية دفاتر السينما ومرحلة ما بعد ثورة 1968. وأقر أن النقد المحض كثيرا ما اختلط بالنقد الايديولوجي والسياسي.
ومع ذلك، يسجل محمد كلاوي، الذي نضج وعيه في حضن نادي العزائم بالدار البيضاء، أن الأندية السينمائية زكت الطرق الجديدة لقراءة الأفلام، وتجسدت في مجلات احتضنت هذه الاجتهادات الجديدة، وتوجت بظهور مجلة "دراسات سينمائية" التي أعطت فرصة للمهتمين بالأدب والنقد السينمائي لطرح مقاربات تنظيرية للسينما المغربية: "كيفية تأسيس صناعة سينمائية في المغرب، هل نتحدث عن فيلم مغربي أم سينما مغربية؟...".
وتعززت هذه الطفرة النقدية في الثمانينات، حسب الناقد، بظهور منابر إعلامية مختصة من خلال ملاحق مرصودة للنقد السينمائي، شكلت واجهة نضالية من أجل حضور قوي للسينما في النسيج الثقافي الوطني.
يقول كلاوي إن حضور الإيديولوجي والسياسي ظل حاضرا، لكن مع الاستمرارية وتضارب الأفكار وانفتاح المشهد السياسي والثقافي في المغرب، بدأت تظهر كتابات تهتم بالعملية الإبداعية أساسا، أعطت للناقد صبغة تميزه عن الصحافي. "الصحافي يكتب من أجل التعريف بالفيلم لدى القراء، وهذا طبيعي، أما الناقد فبدأ يستقل عن اللحظة الصحافية ليسائل المنتوج الفيلمي حسب طبيعة تكوينه الأدبي أو الفلسفي أو غيره".
ومع انحسار مختلف هذه الواجهات التي أسندت حركة النقد، يشدد محمد كلاوي على ضرورة الرهان على تكريس النقد كتخصص معرفي علمي، لأن في ذلك منفعة للسينما الوطنية ككل. على النقد أن يحتل مكانته الجديرة به في هذه المعاهد حديثة العهد. ينبغي أن يحضر النقد كتجسيد للاتجاه العلمي المعرفي للسينما.
وفي انتظار تحقق ذلك الهدف، يخلص كلاوي إلى أنه ليس هناك بعد في المنظومة السينمائية الوطنية اعتراف مهني بوضع الناقد كفاعل في الحلقة الإبداعية وحركية صناعة الفيلم. وحتى إشعار آخر "يظل الناقد فاعلا مناضلا يعاني من أجل تصريف أفكاره".