عبد القادر زاوي: انخفاض أسعار النفط وتأثيره على المعونات الخليجية: هل يتأثر المغرب؟

عبد القادر زاوي: انخفاض أسعار النفط وتأثيره على المعونات الخليجية: هل يتأثر المغرب؟

أشار تقرير صادر مؤخرا عن صندوق النقد الدولي إلى أن خسائر دول الخليج المصدرة للنفط بلغت خلال النصف الثاني من سنة 2014 حوالي 215 مليار دولار من جراء الانخفاضات المتتالية في أسعار البترول التي وصلت إلى نسبة تناهز 60%. وقد انعكست هذه الانخفاضات بسرعة على اقتصاديات دول المنطقة متمثلة في تراجع بين للنمو الاقتصادي، الذي لم يتجاوز في الاقتصاد السعودي وهو أكبر اقتصاديات المنطقة نسبة 2% بعد أن كان قد سجل في النصف الثاني من سنة 2013 رقما يناهز 5%.

ومع ذلك، فإن دول الخليج لم تبد قلقا كبيرا بشأن تواصل انخفاض الأسعار عكس دول أخرى كإيران والجزائر وخاصة روسيا، بل إنها انطلقت للتصدي لتداعيات هذا الانخفاض بسياسات مالية واجتماعية موسعة، وإقرار ميزانيات لسنة 2015 طموحة وشعبية مستندة في ذلك على ما تمتلكه من احتياطيات مالية ضخمة واستثمارات خارجية كبيرة ومتنوعة تدر أرباحا هامة. وقد كان أبرز تعبير عن هذه السياسات هو قيام العاهل السعودي الجديد بتقديم هبة مالية شعبية في شكل منح مالية بلغت قيمتها الإجمالية 30 مليار دولار.

وفي المعلومات المستقاة من أكثر من مصدر خليجي، فإن العواصم الخليجية مضطرة إلى مواصلة سياساتها المالية الشعبية والاجتماعية السخية في ظل استمرار التوترات الجارية بالمنطقة. ولكنها جميعا بدأت تفكر في إعادة النظر في معوناتها ومساعداتها الخارجية، لاسيما وأن بعضها يتوقع عجزا في ميزانيته قدر في حالة الكويت التي يعتبرها المراقبون الأكثر شفافية من الناحية المالية في المنطقة  بأزيد من 8 مليار دينار كويتي أي أزيد من 26 مليار دولار.

في هذا السياق كانت لافتة للانتباه تصريحات رئيس لجنة الميزانية والحساب الختامي في مجلس الأمة الكويتي مفادها أن حجم الدعم الخارجي في الميزانية الكويتية سيتقلص سنة 2015 بنسبة 50% بما لا يتجاوز 400 مليون دينار كويتي. ولهذا يتوقع أن الكويت ستواصل دعم مصر ونظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولكن بالاستثمار وليس بالودائع أو المنح.

ويخشى على نطاق واسع أن تتأثر بالتوجه الخليجي الجديد التبرعات الإنسانية التي وفرتها دول الخليج بكثافة في السنوات الأخيرة للعديد من حالات الطوارئ كان الأكثر تسويقا إعلاميا منها سنة 2014 هو تبرع المملكة العربية السعودية بمبلغ 500 مليون دولار لبرنامج الأمم المتحدة لمواجهة النزوح المستمر في العراق، بما يمثل 70% من مجموع التبرعات التي حصل عليها هذا البرنامج؛ فيما وصلت مختلف التبرعات السعودية سنة 2014 إلى أزيد من 635 مليون دولار.

وعلى نفس المنوال جاءت تبرعات كل من الكويت، التي تميزت باستضافة العديد من مؤتمرات المانحين، والتي تبرعت فعلا سنة 2014 بأزيد من 326 مليون دولار كمساعدات إنسانية في سوريا، ثم الإمارات العربية المتحدة التي بلغ مجموع مساعداتها الإنسانية بين سنة 2010 و2014 حوالي 810 مليون دولار.

وعند الحديث عن الإحصائيات تشدد العديد من المصادر الخليجية على أن الأرقام المذكورة أعلاه لا تشمل المساعدات المقررة بموجب برامج لكل من البحرين وسلطنة عمان على مدى 10 سنوات بواقع مليار دولار سنويا لكل واحدة منهما. كما لا تتضمن المساعدات المقررة لتمويل مشاريع تنموية في كل من المغرب والأردن على مدى 5 سنوات بمبلغ إجمالي يساوي 5 مليار دولار لكل منهما. وبطبيعة الحال لا تدخل ضمن الأرقام المعونات المخصصة لمصر بعد ثورة 30 يونيو  2013 التي وصلت الوعود بها إلى 20 مليار دولار.  

ويبدو أن الخشية المعبر على أكثر من مستوى عن إمكانية حدوثها لم تتأخر كثيرا، إذ سربت مصادر مالية مصرية أخبارا عن توقف المساعدات الخليجية لمصر منذ النصف الثاني من سنة 2014 باستثناء شحنات نفط عينية توقفت هي الأخرى منذ أكتوبر الماضي، مشيرة أيضا إلى أن حجم هذه المعونات لم يتجاوز سنة 2014 حوالي 8 مليار جنيه  (أزيد بقليل عن مليار دولار) مقابل ما يناهز 37 مليار جنيه سنة 2013.

ويعتقد بعض المراقبين أن تسريب شريط فيديو يتحدث عن تذمر مصري رسمي من دول الخليج يأتي في سياق امتعاض القاهرة من تلكؤ هذه الدول في الوفاء بالتزاماتها، لاسيما وأن العجز في الميزانية المصرية يتفاقم منذ انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي ليصل إلى أزيد من 42 مليار جنيه بنسبة زيادة تجاوزت 47% عن عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور. ولا شك أن بيان مجلس التعاون الخليجي اليوم الداعم لقطر ضد اتهامات القاهرة لها بمساندة الإرهاب سيلقي بظلال قاتمة على علاقات الطرفين حتى ولو سارعوا معا إلى تهدئة المواقف. ومن متابعة كافة المؤشرات الواردة من الخليج يبدو واضحا أن مراجعة المساعدات والمعونات الخليجية للخارج لن تقتصر على جهة دون أخرى.

وفي المعلومات، فإن شخصيات خليجية كانت غير راضية في بلدانها على تمويل برامج تعاونية مع كل من الأردن والمغرب بدأت تروج في مجالسها لضرورة إعادة النظر في الشراكات المبرمة مع عمان والرباط، وتغمز من زاوية غياب الشفافية وعدم الجدية لدى البلدين في محاربة الفساد، واستغلال المعونات لغايات سياسية أكثر منها تنموية، مشيرة إلى أن المغرب والأردن رغم المعونات وضخ كثير من الاستثمارات الخليجية فيهما لم يحققا نسب نمو تؤهلهما لدخول عالم الاقتصاديات الصاعدة. كما تشير في سياق ما تسوقه من حيثيات إلى تضاعف مديونية البلدين. مديونية باتت بالنسبة للمغرب تمثل حوالي 63 % من الناتج الداخلي الخام، وتؤثر كثيرا في تصنيفه الائتماني لدى مختلف المؤسسات ذات العلاقة بهذه التصنيفات.

ولم يتورع البعض في حالة المغرب من الإشارة إلى وجود شخصية محسوبة حسب رأيهم على تيار الإخوان المسلمين على رأس الحكومة. شخصية يدعون أنها تسعى لتطوير العلاقات مع تركيا دون مراعاة الحساسية لبعض دول الخليج في تجاهل تام إلى أن ما يجري في العلاقات مع تركيا هو تنفيذ لمقتضيات اتفاق الشراكة المبرم معها منذ عقد من الزمن في نفس الفترة التي كانت دول الخليج قد بدأت حوارا استراتيجيا معمقا مع أنقرة.

صحيح أن هذه الأصوات النشاز ما تزال خافتة، ولكنها نافذة وبعضها من ضمن دوائر صنع القرار، ولها القدرة على تضخيم أي موقف من المغرب تعتبره هفوة؛ الأمر الذي يستوجب التصدي لها وهي جنينية بعد.

وفي ضوء ما هو معروف عن دول الخليج من المستبعد أن تتنصل من الوفاء بالتزاماتها حتى ولو تباطأت قليلا في تنفيذها، ولكنها في المقابل تملك الكثير من المرونة في عدم تجديد تلك الالتزامات بعد انتهاء مدتها.

وبما أن مدة تمويل برامج ومشاريع تنموية في المغرب بموجب اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين توشك على النفاذ، وأن المغرب في حاجة للمزيد من الدعم لطموحاته التنموية ومشاريعه الإستراتيجية؛ فإن الواجب يقتضي تكثيف التواصل خليجيا وتعبئة كل أدوات القوة المغربية الناعمة وهي كثيرة، وبعضها فعال وكفيل بقطع الطريق على كل من يريد سوءا بالعلاقات المغربية الخليجية.

على العكس تماما تبدو الفرصة سانحة لتعبيد هذا الطريق لمزيد من فرص التعاون التي تحمل إرهاصات واعدة في أكثر من مجال:

- ميدان التشغيل على أساس الوضوح والتعامل مع مؤسسات دولتية وليس شركات قد تكون وهمية كما حصل مع شركة النجاة التي أصبحت تشكل عقدة نفسية في هذا الإطار.

- ميدان الاستثمار بصيغة الشراكة المتكافئة شرط أن يكون الشريك المغربي المحلي مؤسسة عمومية أو مؤسسة خاصة تضمن الحكومة مصداقيتها، لأن الرأسمال الخليجي يرتاح أكثر عندما تكون السلطة الرسمية حاضرة في التعاقد معه.

- الاستفادة من صناديق المعونات الإنسانية والخيرية التي يمكن أن تؤمن تمويلا ربما متواصلا لمشاريع تدخل في سياق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وفي التعاون الناجح مع مؤسسة زايد للعمل الإنساني والخيري ومؤسسة خليفة خير نبراس في هذا الإطار.

- فتح باب التفاوض بعقلانية ودون ضجيج إعلامي حول الديون المغربية بغية إيجاد صيغة تخفض ضغوطها على الميزانية المغربية. والأصداء واعدة في هذا المجال.